قراءة في شروط اختيار "القياديين" في حكومة الأسد

يُصدر مسؤولو حكومة النظام، من حين لآخر، قراراتٍ يمكن وصفها بأنها للاستهلاك الإعلامي، لأنهم يعلمون تماماً أنها غير قابلة للتطبيق.

أحد أمثلة هذه القرارات، قرار رئيس وزراء حكومة النظام، المُتعلق بمعايير وشروط انتقاء المرشحين لوظائف قيادية من مرتبة معاون وزير ومدير عام.

فالقرار يُشعر قارءه بأن رئيس وزراء "سوريا"، لا يعيش فيها، أو أنه لم يتدرج في "المناصب القيادية" في حكومتها، طوال العقود الماضية.

أول ملامح الانفصال عن الواقع تتضح في مقدمة الشروط، والتي تفترض إلغاء المحسوبية والشخصنة التي "كانت" تتحكم في تعيين المراتب الوظيفية "القيادية".

وإن كان ما سبق يمثل إقراراً من شاغل أرفع رتبة وظيفية في حكومة النظام بأن "الواسطة" والعلاقات الشخصية هي محرك العمل في دوائر ومؤسسات "الدولة السورية" في ظل نظام الأسد، إلا أن مطالبة رئيس وزراء النظام بإلغاء هذه الآفة المُتأصلة، في قرار مكتوب، يوضح مدى ضعف الرؤية، إن لم نقل الهزلية، لدى مسؤولي حكومة النظام. إذ من المعروف أن مكافحة المحسوبية والشخصنة عادةً ما يتطلب إجراءات رادعة واستراتيجيات معقدة، خاصة حينما تكون تلك الآفة مُتأصلة في الأعراف الحاكمة لإدارة "الدولة" منذ عقود.

بطبيعة الحال، لم تخلُ مقدمة شروط تعيين "القياديين" في حكومة الأسد، من "الإنشائية"، من قبيل أن "يكون لدى المرشح الانتماء والولاء للوطن والتضحية من أجله".

ولا نعرف كيف يمكن قياس مدى "انتماء وولاء" الشخص للـ"الوطن"، وأي "وطن" هو المقصود. لكن من الواضح أن تلك "الكليشة" تعني أن لا يكون على المرشح للموقع "القيادي" أي شبهة بالميل للمعارضة.

بخصوص الشروط القابلة للقياس، التي حددها رئيس وزراء النظام، كانت جميعها مميزة، لو تم الالتزام بها، دون أية تدخلات "غير قابلة للقياس" على صعيد المحسوبية والعلاقات الشخصية.

فقد اشترط النظام في "الشخصية القيادية" أن يكون متحصلاً على إجازة جامعية كحد أدنى، وأن يكون من كوادر المؤسسة التي سيقودها، وأن يمتلك خبرة وظيفية لا تقل عن 5 سنوات في المجال المُرشح للعمل فيه.

إلى جانب شروط أخرى يُفضل تواجدها في المرشحين، كالإلمام بلغة أجنبية، والقدرة على استخدام الحاسوب، واللياقة البدنية.

أما بخصوص الشروط غير القابلة للقياس، والتي تُتيح الهامش واسعاً للمحسوبية والعلاقات الشخصية، فالقرار المذكور مُتخم بها، من قبيل ما سبق وذكرنا، "الولاء للوطن"، إضافة إلى "رغبة وحماس المرشح للعمل والقدرة على القيادة، والصدق والمصداقية والقدرة على الإقناع، كذلك الثقة بالنفس والتواضع والعدالة في علاقاته مع الآخرين وتقبل الرأي الآخر، إلى جانب تحمل المسؤولية وامتلاك الشجاعة في اتخاذ القرارات، ورغبة المرشح أيضاً في تطوير معرفته وتطوير قدراته ومهاراته".

اتخام متن القرار بشروط غير قابلة للقياس، يُناقض مقدمته التي تطالب بإلغاء المحسوبية والعلاقات الشخصية من عملية اختيار الكوادر القيادية. فهامش الشروط غير القابلة للقياس، الواسع حسب نص قرار رئيس وزراء النظام، هو مجال لإعمال المحسوبية والعلاقات الشخصية بامتياز.

اللافت أن نص القرار خلا من الإشارة المباشرة إلى الذمة المالية للمُرشح، ومدى نزاهة ماضيه وخلوه من معالم الفساد. بكل الأحوال، كان وما يزال، الفساد سمّة الغالبية العظمى من الكوادر القيادية في مؤسسات "الدولة السورية" خلال عقود حكم آل الأسد.

يبقى أن نقول، لمن كانت رسالة القرار المشار إليه؟...بالتأكيد القرار غير موجه، إلا نظرياً، للممسكين بزمام الإدارة في مؤسسات "الدولة السورية"....هل هي رسالة للمواطن السوري أن حكومته تتوخى النزاهة والشفافية في اختيار الكوادر القيادية؟!...دون شك أن المواطن السوري هو أكثر العارفين بعبثية هذا القرار...بكل الأحوال، من الأفضل ألا نُتعب أنفسنا في تخمين المُستهدف من القرار سابق الذكر، فعلى الأغلب هو موجه للـ "الاستهلاك الإعلامي"، كما سبق وقدمنا، لكن من المفيد أن نذكر بأن آفات الفساد والمحسوبية والعلاقات الشخصية المترسخة في أعراف الإدارة بسوريا، كانت وستبقى، إحدى أدوات النظام السوري في إحكام السيطرة على "الدولة السورية" ومؤسساتها، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد ورفاه مواطنيها.

ترك تعليق

التعليق