الحرب في سوريا تدفع الأطفال إلى العمل عوضا عن الدراسة

 أجبرت الحرب المستمرة، التي يشنها النظام على المعارضة في سوريا، منذ اكثر من 3 سنوات، الأطفال على العمل مبكرا لإعالة عوائلهم، فانغمست الأصابع الغضة في أعمال شاقة من اختصاص الكبار، وجعلتهم يجوبون على أقدامهم دكاكين العمل، عوضا عن الجلوس على مقاعد الدراسة في المدارس، كي يتعلموا فيها.

وحولت الأوضاع السيئة في البلاد، مع مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، عدد كبير من الأطفال إلى أيتام، فقدوا من يعيلهم، فانطفأت الشموع، واضطرت الأجساد الصغيرة على تحمل مشاق العمل من عمر مبكر، وكأنه قدر أبى إلا أن يمنعهم عن الإسهام في بناء مستقبل مشرق لبلادهم بعد الدمار الكبير.

وأسفرت الحرب المتواصلة إلى حدوث إعاقات لدى المقاتلين، وتوقف الحياة الاقتصادية، وفشل بعض العائلات عن النزوح واللجوء، مما دفعهم للبحث عن وسائل للحياة والعيش، وكل واحد يحمل مأساة وقصة، وإن اختلفت تفاصيلها، إلا أنها تتشابه، فالمأساة في النهاية تحولت إلى كارثة.

وتنتشر ظاهرة عمالة الأطفال بشكل كبير في ريف محافظتي إدلب وحماة، بسبب الفقر وصعوبة الحياة المعيشية، حيث أتت الحرب على أرزاق الناس، ومن بينهم من كان يعتمد على العمل في لبنان، فانقطعت الحدود، فضلا عن وفاة المعيل.

وأفاد الطفل صالح، وهو ابن لأحد مقاتلي الجيش الحر، من منطقة كفر نبودة بريف حماة الشمالي، لمراسل الأناضول، أن الحرب أقعدت والده، بسبب إصابته في المعارك الدائرة في البلاد، فلم يبق معيل للأسرة سواه، فهو أكبر إخوته، وأهله بانتظاره من أجل الاستمرار بالحياة، بسبب الإصابة التي تعرض لها رب الأسرة.

من ناحيته، قال الطفل علي، إنه "من عائلة نزحت من قرية (جبالا) بجبل الزاوية في ريف إدلب، وذلك بسبب القصف العنيف التي تتعرض له بلدتهم"، وأنهم تركو منازلهم وأرزاقهم هربا من الموت، وهو الآن يساعد والده في العمل لتأمين لقمة عيشهم.

أما الطفل أحمد، وهو يعمل (أجيرا) عند مصلح إطارات الدرجات النارية (كومجي)، ففقد أخاه الأكبر منه في معارك حلب، ووالده متواجد خارج البلاد، ولا يستطيع العودة من لبنان، وذلك لأنه مطلوب لقوات النظام، بسبب مشاركة أخيه في القتال مع الجيش الحر، فلم يعد لأسرته معيلا غيره، فاضطر للعمل عوضا عن الاستمرار بالتعليم.

وكذلك الطفلان الأخوان محمد وأحمد، فهما يجوبان بلدة كفرنبودة من الصباح حتى المساء، سيرا على الأقدام، من أجل بيع الشيبس (بطاطا مقلية)، من أجل مساعدة والدهم في تأمين دخل العيش، حيث يتقاضى والدهم راتبا صغيرا، لكونه عامل نظافة، والراتب لا يكفي حاجاتهم، مما دفعهم لمساعدته.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد قالت في تقرير صدر بمناسبة اليوم العالمي للطفل قبل نحو شهر، إن الحرب المستمرة في البلاد منذ 3 سنوات ونصف، واستهداف النظام للمدنيين، أسفرت عن مقتل 17 ألفا و723 طفلا في سوريا، منهم 17 ألفا و268 طفلا قتلهم النظام، فيما بلغ عدد الأطفال المعتقلين من قبله، أكثر من 9500 طفل، فيما أكثر من 1600 طفل مختفي قسرياً، كما أشارت الشبكة إلى إصابة ما لا يقل عن 280 ألف طفل، مقدرة أعداد النازحين من الأطفال بأكثر من 4.7 مليون طفل داخل البلاد، إضافة إلى 2.9 مليون طفل لاجئ خارج البلاد، حرم أكثر من 1.3 مليون منهم من التعليم.

كما وثق التقرير تضرر ما لا يقل عن 3942 مدرسة، مما تسبب بحرمان 2 مليون طفل داخل سوريا من التعليم، فيما تشير الأرقام إلى أن عدد الأيتام في سوريا بلغ 22 الفا و846 طفلا، منهم يتامى من جهة الأب 18273 طفلاً، قتل آباؤهم على أيدي قوات النظام، فيما وصل عدد اليتامى من جهة الأم نحو 4573 طفلاً.

وفي نفس الإطار، قال عضو الهيئة السياسية السابق للائتلاف الوطني السوري المعارض، الدكتور أحمد جقل، "إن حرب النظام على المطالبين بالحرية، شمل كل شيء بمن فيهم الإطفال، ولم تفرق قذائفه وبراميله المدنيين من نساء وأطفال وعجائز، فأسفرت عملياته عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين، وتشريد الملايين داخل البلاد وخارجها".

وأضاف في تصريحات للأناضول، اليوم الأربعاء، "نتيجة تردي الأوضاع في البلاد جراء الدمار والخراب، دفع الأطفال ثمنا باهضا لبطش النظام، فخلفت الحرب إعاقات دائمة للآباء، إضافة إلى تيتم عدد كبير من الأطفال، ومع فقدان المواد الأساسية والغذائية مع الظروف السابقة، اضطر الأطفال إلى العمل".

ووصف جقل عمالة الأطفال بأنها "زج الأطفال وإجبارهم للعمل في عمر هم بحاجة فيه إلى العطف والحنان والدراسة، لا لشقاء العمل بسبب الأوضاع المتردية، حيث فرضت قسوة النظام عليهم نمطا جديدا من الحياة، واستبدلت نعومة الحياة بشدة، حيث إنه من الطبيعي ألا يقبل الآباء بعمالة أبنائهم، إلا أن ممارسات النظام أجبرتهم على تذوف الأطفال مرارة الحياة مبكرا"، على حد وصفه.

من جهة ثانية، انتقد جقل "الدول الغربية التي تعرقل الحل في سوريا، وتساهم في استمرار النظام دون منعه من ممارساته، حيث يتمتع أطفالهم بالعيش في سلام ورفاهية، فيما يرقد أطفال سوريا منهكين، وينامون والدموع في أعينهم، مستبدلين ألعابهم بأدوات العمل، وبدلا من تنمية مواهبهم، ينشغلون بإعانة أهاليهم".

وطالب جقل "كل المخلصين للشعب السوري بالدفع من أجل حل الأزمة في سوريا بزوال النظام، ليتخلص الأطفال من واقعهم المر الذي فرضه عليهم، ولينعم الأطفال بذلك بمستقبل جيد كما يجب أن يكون، وأن تصبح المدارس التعليمية هدفهم وعوانهم فقط".

ومنذ منتصف مارس/آذار (2011)، تطالب المعارضة السورية؛ بإنهاء أكثر من (44) عاماً من حكم عائلة الأسد الديكتاتوري، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية وقوات المعارضة، حصدت أرواح أكثر من (200) ألف شخص، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، بينما تتحدث مصادر المعارضة؛ عن مقتل أكثر من 300 ألف سوري خلال الأزمة.

ترك تعليق

التعليق