عبدو حسام الدين تعقيباً على الوثيقة المُسربة: مذكرة تبريرية للتغطية على قرار بإرضاء الروس

علّق، عبدو حسام الدين، على الوثيقة المُسربة الخاصة باتفاق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واصفاً الاتفاق بأنه عقد بالتراضي "إذعاني"، وأن غايته سياسية بالدرجة الأولى.

وكانت "اقتصاد" نشرت تفاصيل وثيقة مُسربة من داخل أروقة وزارة النفط في حكومة النظام، تكشف الخطوات التي سبقت توقيع اتفاق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، مع شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، في نهاية العام 2013.

وأضاف عبدو حسام الدين في حديث خاص لـ"اقتصاد" أن الوثيقة المُشار إليها هي عبارة عن مذكرة تبريرية، وأن المُناقصة التي أُعلن عنها لاستدراج عروض التنقيب، كانت بغاية التغطية على نيّة مسبقة لدى حكومة النظام، للتعاقد بالتراضي مع شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، بغية إرضاء موسكو.

وعبدو حسام الدين، هو معاون وزير النفط الأسبق، الذي انشق عن نظام الأسد، حينما كان على رأس منصبه، في آذار 2012.

وتسعى روسيا للسيطرة على غاز شرق المتوسط، حسب حسام الدين، الذي يُضيف بأن موسكو تريد أن تحتكر أكبر جزء ممكن من سوق الغاز في العالم، لذلك كان الاتفاق مع شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، الذي منحت حكومة النظام بموجبه، موسكو، امتياز التنقيب عن نفط وغاز الساحل السوري لمدة 25 عاماً.

وتكشف الوثيقة المُسربة التي استعرضتها "اقتصاد" أن مناقصة استدراج العروض للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، والتي استمرت أكثر من 9 شهور، خلال العام 2011، لم تجذب أي شركة ذات وزن في العالم، حتى من الشركات الروسية العملاقة، وأن شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، تقدمت للعرض بعد إغلاقه.

ويوضح عبدو حسام الدين أن هذه المناقصة كانت للتغطية، وأنه كان هناك، على ما يبدو، توجيهات شفهية من جانب بشار الأسد، بتوقيع عقد يُرضي الروس.

وأوضح حسام الدين أنه عادةً ما يتم إعلان منُاقصات من جانب مؤسسات "الدولة السورية" تكون غايتها التغطية على نية مُسبقة من جانب الحكومة لتوقيع عقد مع شركة معينة، ليتم لاحقاً تبرير التعاقد مع هذه الشركة بالذات عبر الزعم بأنه لم تأتِ أية عروض أفضل، وأن الشركة المقصودة قدمت أفضل العروض، أو أنها المتقدم الوحيد.

وكانت شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية هي المتقدم الوحيد لمناقصة التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري.

وعقّب حسام الدين بأن الأمر سبق أن حدث، خلال العقد الماضي، مع شركة روسية أخرى، هي "ستروي ترانس غاز"، في المناقصات التي أُعلنت لمعملي غاز جنوب وشمال المنطقة الوسطى. فحينما كانت الشركات تتقدم بعروضها، قررت وزارة النفط زيادة قيمة العقد مليار ليرة، بغية "تطفيش" الشركات المنافسة لـ "ستروي ترانس غاز". وفي نهاية المطاف، رست المناقصة على الشركة المذكورة.

ويمتلك عبدو حسام الدين خبرة إدارية عمرها 33 عاماً في وزارة النفط، حيث تدرج في مناصب ومؤسسات عدة ضمن قطاع النفط والغاز السوري، قبل أن يصبح معاوناً لوزير النفط.

ورداً على التساؤل حول أسباب عدم تقدم شركات روسية عملاقة لمناقصة التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، بدلاً من شركة "سيوز نفتا غاز" متوسطة الوزن، أوضح حسام الدين بأن "سيوز نفتا غاز" هي عبارة عن مجموعة شركات مُسيطر عليها من البنك المركزي الروسي، ورغم أنها شركة غاز متوسطة الوزن مقارنة بشركات غاز روسية أخرى، إلا أنها تعني الحكومة الروسية. بمعنى آخر، فالعقد الذي تم بين حكومة النظام وشركة "سيوز نفتا غاز" كان فعلياً عقداً بالتراضي مع الحكومة الروسية ذاتها.

وتابع حسام الدين بأن العقد كان "إذعاني"، لأنه يُلبي رغبة موسكو، ويضمن بالتالي التحالف القائم بين النظام والعاصمة الروسية.

وكانت وزارة النفط أوضحت في الوثيقة المُسربة التي استعرضتها "اقتصاد"، أن شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، غير مؤهلة للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، وذلك قبل شهرين فقط من توقيع الاتفاق مع الشركة ذاتها. مع الإشارة إلى أن الوثيقة عبارة عن كتاب موجه لـ بشار الأسد.

وفي ردٍ على تساؤلنا حول حجم احتياطي الغاز في الساحل السوري، أوضح عبدو حسام الدين أن هناك احتياطيات لكن يصعب الجزم بحجمها قبل القيام بعملية التنقيب والاستكشاف والحفر.

وأضاف حسام الدين بأن هناك شركة نرويجية أجرت مسحاً للساحل السوري تبين فيه أن هناك تراكيب غازية صغيرة، لكنه من الصعب الجزم بحجمها قبل التنقيب والحفر، وأن أية أرقام بهذا الصدد هي تقديرية غير موثوقة.

واستطرد حسام الدين بأنه قبل الثورة أُعلن عن مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز في 4 بلوكات بحرية ضمن المياه الإقليمية السورية، ولم تتلقَّ وزارة النفط حينها إلا عرضاً واحداً، لم يكن مناسباً، فتمت إعادة رسم البلوكات وتحديدها في ثلاثة فقط، والإعلان عن مناقصة أخرى للتنقيب فيها، لكن لم يتقدم أي عارض هذه المرة.

ويعزو حسام الدين أسباب عزوف الشركات النفطية عن التنقيب في الساحل السوري إلى وجود مشاكل حدودية بحرية، إلى جانب التكلفة العالية للتنقيب في البحر، وعدم الموثوقية من النتائج من حيث حجم الاحتياطي، ناهيك عما طرأ لاحقاً من أحداث تلت اندلاع الثورة، وفرض عقوبات غربية على سوريا، وتفاقم التهديدات الأمنية فيها.

وعقّب حسام الدين بأن تكلفة التنقيب في مياه شرق المتوسط عالية جداً، فالعمق المُستهدف قرب الساحل السوري لا يقل عن 1500 متر، وبالتالي تكلفة حفر بئر واحد، استكشافي، تتراوح بين 100 إلى 150 مليون دولار أمريكي.

وكان وزير النفط في حكومة النظام، سليمان العباس، أعلن عشية توقيع اتفاق التنقيب في الساحل، مع "سيوز نفتا غاز"، أن كلفة التنقيب والاستكشاف المُتوقعة وفق العقد، هي 100 مليون دولار أمريكي، دون توضيح الكلفة الكلية للعقد.

وعلّق عبدو حسام الدين على النقطة الأخيرة بأنها دليل يُثبت مرة أخرى بأن الاتفاق المذكور له طابع سياسي، بغية ضمان هيمنة روسيا على غاز شرق المتوسط. فالتكلفة المذكورة في العقد لا تكفي لحفر بئر استكشافي واحد.

وأضاف حسام الدين بأن النظام أراد من هذا الاتفاق الحفاظ على دعم وتأييد روسيا.
وكانت روسيا سعت لعقد اتفاقات مع الفلسطينيين في غزة، ومع "إسرائيل"، ومع قبرص، بغية احتكار غاز شرق المتوسط.

وبالعودة للوثيقة المُسربة، نوّه حسام الدين إلى أن مسؤولي وزارة النفط سعوا من خلال هذه الوثيقة، لتبرير العقد بالتراضي مع "سيوز نفتا غاز"، بصورة قانونية ورسمية، كي لا يكونوا في المستقبل "كبش فداء"، إذا أراد النظام الانقلاب على الحليف الروسي، وبالتالي، فتح ملف التعاقد بالتراضي مع موسكو في هذه الصفقة، وذلك رغم أن رأس النظام، على الأغلب، هو من وجّه وزارة النفط باتجاه التعاقد مع الشركة الروسية المذكورة، لكن بشكل غير مباشر، أو شفهياً.

وصيغت الوثيقة المُسربة كمذكرة مرفوعة لوزير شؤون رئاسة الجمهورية.

وأشار حسام الدين إلى أن معظم الاتفاقات والتعاقدات الكبرى التي توقعها الحكومة السورية، بتوجيه من رأس النظام أو المقربين منه، يتم التغطية عليها بهذه الطريقة تقريباً، بحيث يضمن المسؤولون الموقّعون ألا يُحمّلوا المسؤولية مستقبلاً.

وكانت الوثيقة المُسربة أشارت إلى أن وزارة النفط تواصل سعيها لإيجاد عروض أفضل للتنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، بعد ثبوت عدم أهلية "سيوز نفتا غاز" الروسية، وذلك قبل شهرين فقط من توقيع الاتفاق مع الشركة ذاتها.

وختم عبدو حسام الدين بأن مشروع التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، الموقع مع "سيوز نفتا غاز"، لن يُحرز تقدماً في المستقبل القريب، وأن غايته سياسية لا أكثر.

ودرج منظّرو نظام الأسد لسنتين الأخيرتين على إشاعة أن احتياطي الغاز الضخم في الساحل السوري كان أحد الأسباب الرئيسية لتآمر الغرب ضد النظام.

وكانت تقديرات لمراكز أبحاث ومختصين ذهبت إلى وجود آبار نفطية مكتشفة في المياه الإقليمية السورية تضم إنتاجاً يعادل إنتاج دولة الكويت. لكن الجهات الرسمية السورية نفت وجود أدلة حاسمة على ذلك، مؤكدة ما سبق أن ذهب إليه معاون وزير النفط المنشق، بأن هذه التقديرات لا يمكن الجزم بدقتها قبل القيام بعمليات حفر استكشافية حقيقية، وليس مجرد مسوحات.

وقضى الاتفاق الموقع مع شركة "سيوز نفتا غاز" الروسية، نهاية العام 2013، على أن تتولى الشركة التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، وفي حال اكتشاف هذه الثروات بكميات تجارية، تسترد موسكو نفقات التنقيب من الإنتاج.

مادة ذات صلة
وثيقة مسربة تحوي معلومات صادمة: ماذا حدث قبل شهرين من الاتفاق مع "سيوز نفتا غاز" الروسية؟

ترك تعليق

التعليق