هل تفتح أزمة البترول الباب أمام سقوط الأسد؟

بقلم: غادة الشاويش*

يواجه الدب الروسي هذا الشتاء ثلاث عواصف سياسية واقتصادية عاتية، هي في الحقيقة جزء من حرب اقتصادية استراتيجية، خطط لها الأمريكيون منذ عشر سنوات، قبل ضم روسيا للقرم، عبر السيطرة المشددة على النظام المصرفي العالمي، بدعم شبكة من الحلفاء، وشن حرب اقتصادية لمنع روسيا من العودة الى الحرب الباردة، كما يقول جوان زارات، الذي ترأس خلية النخبة الامريكية التي شكلت لهذا الغرض.

هذه الحرب قد تفضي إلى إعادة تشكيل علاقات روسيا وتحالفاتها، بما يفرض تعديلا وتعاونا مع الأتراك والسعوديين، لإنقاذ روسيا من الانهيار، خاصة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا هي أسوأ من أزمتها زمن الرئيس يلتسين عام 1998، ما قد يفتح ثغرة في جدار الأزمة السورية كورقة مقايضة تحل المشاكل الروسية، بحيث يكون عام 2015 هو عام تنحي الأسد. ولعل تعيين بوغدانوف المحسوب على حمائم الكرملين بعد لافروف (صقور)، ليقوم بالتحرك الدبلوماسي، فيه إشارة واضحة إلى ليونة جديدة في الموقف الروسي.

تمثلت العواصف الثلاث في انخفاض عائدات الخزينة الروسية من البترول، نتيجة أزمة انخفاض أسعار البترول، وانهيار سعر الروبل إلى النصف، وتواصل العقوبات الأمريكية الأوروبية على روسيا، بعد ضم القرم، وتشهد المنطقة نشاطا سياسيا ودبلوماسيا محموما بين ثلاث عواصم، هي أنقرة وموسكو وطهران ويتوقع دخول القاهرة بقوة على هذا الخط.

الروس في مواجهة العاصفة

يشعر الروس بأنهم قادرون على مواجهة العقوبات الأمريكية الأوروبية بعد ضمهم للقرم، ويراهنون على الصمود لأطول فترة ممكنة، لأن عامل الوقت سيدفع الأوروبيين إلى مراجعة مواقفهم، لأن حجم التبادل التجاري الأوروبي الروسي كبير، حيث تعتمد أوروبا بشكل رئيسي على الغاز الروسي، وتعاني من عدم توحد مواقفها حيال روسيا، بسبب الاختلاف في حجم العلاقات التجارية معها. هذه المقاطعة ستضر بعض الدول الأوروبية ضررا كبيرا، سيستحيل معه الاستمرار في تطبيق العقوبات حسب الوتيرة الأمريكية، وقد سجلت السنتان الأخيرتان انكماشا ملحوظا في الاقتصاد الأوروبي، وكانت ألمانيا أكثر الدول تضررا، بوصفها أكبر دولة مستوردة للغاز الروسي في العالم. ولكن مشكلة انهيار سعر الروبل ووصوله إلى النصف، ناتج عن سوء تقدير مستشاري بوتين الذين دعموا فكرة ضم القرم، على أساس أن لدى روسيا احتياطي عملات كبيرا، تتحمل معه العقوبات الاقتصادية، إلا أنه ثبت العكس، ولم يستطع البنك المركزي الروسي، الذي لجأ الى حل يلتسين عبر رفع سعر الفائدة، أن ينقذ تدهور الروبل، الذي بدأ مطلع 2014 ولم يتوقف الى اللحظة، فالاحتياطي الروسي 414 مليار دولار، في حين أن الدين الخارجي الذي تضاعف 70٪ يبلغ 700 مليار، وبلغت ديون الشركات الروسية 500 مليار دولار، خمسها يجب أن يسدد عام 2015، ما أدى إلى هروب رأس المال، وإغلاق شركات كبيرة ووقوف الناس طوابير أمام البنوك لسحب أموالهم، ولا يعول الروس على الصين كثيرا في حل هذه المشكلة، رغم أن الأخيرة قالت إنها ستدعم ما استطاعت حليفتها، لأن الصين مستفيدة من نزوح الشركات الأوروبية نحوها بدلا من روسيا، ولأنها منتفعة من انخفاض سعر البترول، ولأن تشجيعها الروس في ضم القرم سيدفع الأقاليم الانفصالية، وعلى رأسها تركستان الشرقية إلى تعلم الدرس من القرم والانفصال عن الصين، ما سيدفع الروس إلى إحداث مزيد من الانهيارات ضد حكومة أوكرانيا والانتقام من الأمريكيين عبر الأقليات الروسية في دول البلطيق المتحالفة مع الأمريكي والنزوح نحو الأتراك وربما السعوديين.

الأزمة الحقيقية تكمن في انخفاض أسعار البترول، حيث إن نصف الدخل القومي الروسي هو من عائدات البترول والغاز والضرائب التجارية على معاملاتهما، وقد انخفض هذا الدخل إلى النصف، ويأمل الروس في ألا يطول أمد انهيار السعر، خاصة أنهم الدولة الثانية عالميا في إنتاج البترول، إلا أن تأثير العربية السعودية على أوبك لا يناقش، لاسيما أنها مع دول الخليج لديها احتياطي مالي كبير جدا، وتستطيع إطالة أزمة انخفاض البترول لثلاث سنوات قادمة، بدون أي مشاكل ما يعني كارثة حتمية ستدفع الروس حتما إلى التفاهم مع السعوديين، فالمخرج من أزمتهم ليس أوروبيا ولا صينيا، بل أنه سعودي، ولن يقبل السعوديون ذلك إلا عبر تنحي الأسد وفرض بعض الشروط على الخصم الإيراني بواسطة روسيا، وسيحاولون ما استطاعوا إطالة أمد الأزمة حتى يفرض ذلك نفسه على مفاوضات النووي الإيراني، ويعمّق أزمة طهران وروسيا في تمويل النظام وميليشياته الشيعية، ما يفسر استدعاء موسكو للأسد ورفض الأخير ذلك، ربما بإيعاز من الإيرانيين الذين يعارضون التوجه الروسي لتنحيته شخصيا.

*القيصر والسلطان في مواجهة الأمريكي

سجلت لقاءات بوتين أردوغان، أرضية مهمة جدا لمحاولة صياغة حل حول سوريا وبناء تعاون اقتصادي استراتيجي، خاصة أن روسيا وتركيا وجدتا نفسيهما فجأة في مواجهة الأمريكي، الروس بسبب أزمة أوكرانيا والحرب الاقتصادية، والأتراك لاستيائهم من دعم الأمريكيين للأكراد في كوباني، ومحاولتهم توريط تركيا في مواجهة مع «داعش»، ومن دون فرض منطقة حظر طيران، أو ضمان تنحي الأسد، إضافة إلى المصالح الاقتصادية، حيث إن تركيا تستورد 60٪ من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتحاول روسيا التقرب من الأتراك في صراعها مع أوروبا على موضوع الغاز، بعد إلغاء الأوروبيين لتفعيل خط نقل الغاز الروسي إليهم «ساوث ستريم لاين»، واتخاذهم قرارا باعتماد خط غاز نابوكو، الذي يمر عبر تركيا، ما دفع روسيا إلى إبداء استعدادها لبناء مجمع غاز على الحدود اليونانية ـالتركية لتعويض «ساوث ستريم»، وزيادة ضخ ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز لتركيا، مع تخفيض ستة بالمئة من الأسعار، وزيادة حجم التبادل التجاري مع الأتراك من 30 إلى 50 مليار دولار سنويا، خاصة بعد موافقة أنقرة على تولي الشركات الروسية بناء المفاعل النووي التركي. أما في الشق السياسي، فتريد موسكو من أنقرة أن تتفهم مخاوفها من منظومة الباتريوت المنصوبة بالقرب من الحدود التركية السورية، خاصة ضمن صراع الدرع الصاروخي مع واشنطن والناتو، والتأثير على المعارضة السورية لضمان مصالح روسيا على المتوسط، في ما لو سقط الأسد، أو على الأقل تأسيس أرضية للتفاهم على حل مرض لجميع الأطراف للأزمة السورية، في حين تريد أنقرة من موسكو أن تضمن لها عدم امتداد الحرب السورية إليها عبر الأقلية العلوية، التي قد يحركها النظام السوري (7 إلى 12٪)، وأن تضمن عدم قيام الأسد بضربة كيميائية مجنونة ضد تركيا إذا يئس من البقاء، وألا تدعم موسكو قيام كيان كردي على الحدود التركية السورية.

أما الإيرانيون فيتجهون إلى بناء دولة موحدة، أبعد من مجرد التحالف السياسي، وعلى طريقة «داعش» في محو الحدود، ممتدة جغرافيا من إيران إلى العراق إلى سوريا، ولوعبر القبول بالتقسيم وإنشاء دولة علوية على الساحل، «تربط بين العراق ولبنان، خصوصا إذا فرض الروس سقوط الأسد عليها، وأيقنت أن حربا مفتوحة تنتظرها في سوريا»، دولة مترابطة جغرافيا تضمن خطا لوجستيا من طهران إلى لبنان وموقعا استراتيجيا ووزنا ديمغرافيا، وتحفظ نفوذ طهران على المتوسط، لذلك المتوقع هو مزيد من الغرق الإيراني في سوريا التي أصبحت بالنسبة لإيران وميليشياتها تماما مثل فيتنام لأمريكا.

٭ كاتبة فلسطينية

ترك تعليق

التعليق