أزمة روسيا المالية قد تقضي على حلم بوتين بإقامة اتحاد أوروآسيوي

ربما تقضى الخسائر المتنامية الناتجة عن الأزمة المالية الروسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق على حلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإقامة اتحاد اقتصادي ينافس الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.

فمن روسيا البيضاء على أطراف الاتحاد الأوروبي إلى قازاخستان على الحدود مع الصين بدأت بعض الدول التي كانت في وقت من الأوقات تقبع في قبضة موسكو المحكمة تتساءل عما إذا كانت روسيا تملك مقومات القيادة.

وفي حين اضطرت التطورات الاقتصادية من توابع الازمة الروسية بعض الدول مثل روسيا البيضاء لتخفيض قيمة عملتها فإن دولا أخرى مثل أذربيجان تنفق ملايين الدولارات للحفاظ على استقرار أسعار الصرف.

ومن الناحية الرسمية يبدي رؤساء الدول المجاورة تعاطفهم مع محنة روسيا ويؤيد بعضهم في الظاهر الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي الذي اقترحه بوتين ويأمل أن يستعيد به القدرات التي ضاعت عندما انهارت الامبراطورية السوفيتية قبل أكثر من عقدين من الزمان.

لكن الروبل الروسي انخفض أكثر من 40 في المئة مقابل الدولار خلال 2014 واستمر انخفاضه هذا العام الأمر الذي فك عقدة بعض الألسنة خاصة رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو.

وكانت روسيا البيضاء فرضت ضريبة بنسبة 30 في المئة لفترة وجيزة على شراء النقد الاجنبي لمنع الاقبال على الدولار الامريكي.

وخفضت روسيا البيضاء الضريبة إلى عشرة في المئة على شراء العملة الاجنبية للشركات وألغتها للأفراد.

وقال لوكاشينكو في ديسمبر كانون الاول "المهمة تحددت وهي التعامل بالدولار لا بالروبل... وكان علينا مع روسيا أن نعمل منذ مدة طويلة للمطالبة بأن يدفعوا لنا بالعملة الصعبة."

وفي وقت لاحق انتقد القيود "الغبية" على مرور منتجات اللحوم من روسيا البيضاء في خطوة ترمي إلى وقف المحاولات الخاصة ببيع المنتجات الزراعية المحظورة في روسيا. وكانت روسيا فرضت قيودا على الواردات ردا على العقوبات الامريكية والاوروبية بسبب أوكرانيا.

ورغم أن جانبا كبيرا من انتقادات لوكاشينكو موجه للناخبين المحليين الذين شهدوا انخفاض الروبل الخاص بروسيا البيضاء بنسبة 25 في المئة مقابل الدولار منذ منتصف ديسمبر كانون الاول الماضي فإن القيود والمطالب التجارية فيما يتعلق باستخدام النقد الأجنبي تمس بصفة مباشرة فكرة الاتحاد الاقتصادي الاوروآسيوي الذي يتيح حرية انتقال العمال والتجارة.

ويرى الكرملين في أوكرانيا عضوا أساسيا في الاتحاد الجديد.

وأوكرانيا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد بعد قازاخستان وروسيا في كومنولث الدول المستقلة الذي يضم 11 جمهورية سوفيتية سابقة.

غير أنه بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في مارس اذار من العام الماضي وأيدت موسكو الانفصاليين في شرق أوكرانيا لخصت فاليريا جونتاريفا رئيسة البنك المركزي الأوكراني موقف بلادها تجاه موسكو.

وقالت جونتاريفا في ديسمبر كانون الاول الماضي "بصفتي الشخصية أنا سعيدة حقا بما يحدث للروبل الروسي. لكنني كرئيسة للبنك المركزي لا يمكن أن يسعدني ذلك لان روسيا مازالت شريكا تجاريا مهما."

وتظهر البيانات الرسمية أن روسيا استحوذت على 19 في المئة من صادرات أوكرانيا و25 في المئة من وارداتها في الأشهر التسعة الأولى من 2014.

وانخفضت الهريفنا عملة أوكرانيا بنحو 50 في المئة مقابل الدولار خلال العام الماضي.

ولا يستطيع أي من جيران روسيا في الاتحاد السوفيتي السابق الفكاك من أثر الأزمة التي تتفاقم بفعل انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من ست سنوات وربما تشجع الخسائر البعض على التفكير على نحو أكثر استقلالا.

ولم تبد أذربيجان المنتجة للنفط التي أنفقت 1.13 مليار دولار لدعم عملتها المنات في ديسمبر كانون الاول أي اهتمام بالانضمام إلى الاتحاد الذي يقترحه بوتين كما أن جورجيا الواقعة في جنوب القوقاز تقول إن الاضطرابات التي تشهدها روسيا ستعزز سياساتها ذات الميول الغربية.

كذلك يبدو أن أرمينيا ليس لها فوائد تذكر في الاتحاد الذي تعد أحدث أعضائه. وقال انوش سدراكيان نائب رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض إن البلاد لم تحصل على أي دعم لا مالي ولا سياسي.

أما قرغيزستان التي تعد من أفقر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ويتوقع أن تنضم للاتحاد في مايو ايار فقد بلغ سوء الأعمال فيها مداه لكثيرين بعد أن انخفضت قيمة عملتها "السوم" بنسبة 19.7 في المئة العام الماضي مقابل الدولار.

وبلغ سعر الصرف الرسمي 59.90 سوم مقابل الدولار يوم الاربعاء غير أن السعر وصل في مكاتب الصرافة إلى 60.00/ 60.50 سوم للدولار.

ومثل كثير من الجمهوريات السوفيتية السابقة تعتمد قرغيزستان على تحويلات العاملين في الخارج في الحصول على 30 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي ويعمل أكثر من مليون من مواطنيها في الخارج أغلبهم في روسيا.

وأظهرت بيانات البنك المركزي أن تحويلات العاملين زادت إلى 1.943 مليار دولار في الاشهر العشرة الأولى من العام الماضي ارتفاعا من 1.874 مليار في الفترة المقابلة من العام السابق.

ولم يتضح أثر انهيار الروبل على تحويلات السنة بالكامل لكن البعض يأمل أن يؤدي الانضمام للاتحاد إلى تحسن ظروف العمل.

واستغل كثيرون في قازاخستان المجاورة انهيار الروبل لشراء أجهزة التلفزيون والسيارات من الخارج. غير أنه مع تراجع موجة الشراء أصبح كثيرون يراقبون العملة المحلية.

وقال رجل أعمال قازاخستاني يستثمر أمواله في زراعة الحبوب إنه لا يملك حتى ما يعادل 100 دولار بالعملة المحلية التنج.

ويتوقع كثير من المحللين أن يحدث قريبا خفض في قيمة العملة ويشيرون إلى أن البنك المركزي يعمل على دعم العملة باستخدام الاحتياطيات. وأظهرت البيانات الرسمية أن الاحتياطيات نمت إلى 28 مليار دولار في 31 ديسمبر كانون الاول من 27.9 مليار في 30 نوفمبر تشرين الثاني.

وقال أوراز ياندوسوف الرئيس السابق لبنك قازاخستان المركزي "إذا كان لديك جار وشريك تجاري كبير انخفضت قيمة عملته بشدة وترغب في حماية عملتك وألا تخفض قيمتها فالسبيل الوحيد لذلك هو بناء سور جديد آمن ومتين مثل سور الصين العظيم."

ترك تعليق

التعليق