7 أسباب "واقعية" تجعل سوريا دولة عظمى بعد الحرب

 بغض النظر عن طريقتك في رصد الأمور وتحليلك لها ، ثمة إجمــاع كــامل أن العــالم العربي حاليــاً يعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخــه ، من حيث التراجع والإنهيــار والتخلف الحضــاري .. ربمـا لا يصح مقــارنتهــا بأي فتــرة تاريخية أخرى ، إلا بفتـــرة غزو المغـــول ..

كل دولة عــربية – بلا استثناء تقــريباً – لهــا مشاكــل ظاهـــرة تشمل أبعاداً سياسية ودينية وطائفية وإجتمـاعية وإقتصــادية .. لكن تظـل الأزمة الســورية في الواجهــة الآن ، بإعتبــارها الازمة الكبــرى التى تمثــل تهديداً غيـــر مسبــوق لمفهــوم العــروبة ذاتها – إن جـاز التعبيــر – التى بُنيــت على مدار أكثر من 14 قرنــاً ، كــانت دمشــق حجــر الأساس فيهــا ، بكــل مراحلها التاريخية ، وتقلبــاتها العصــرية ..

الصــورة قاتمة جداً ، مع كل الاحداث الدموية التى تشهــدها ســوريا ، ومشاهد مئات الآلاف من الجثث والمجازر والضربات الكيمـاوية والإرهاب والتطــرف والنزاع الطائفي والقنــابل والتعذيب والبراميل المتفجــرة ، واللاجئين المُوزعين فى أقطــار الأرض ، والأطفال الأيتــام وذوي الإعاقة ..

ولكــن ، ما لا تعـــرفه أن هذه الصــورة – رغم سوداويتها وكآبتهــا – إلا أنها أفضـــل بداية دراميـــة لطفـــرة وحضــارة غيــر مسبوقة في هذا البلد ، الذي مثّــل لقــرون طويلة مركــز الثقــل السياسي في أمة إمتدت حدودها من شمــال الصين شرقــاً ، إلى شمــال أسبــانيــا غربـاً ..

هذا ليس كلامي الشخصــي ، وليس تنظيــراً معجــوناً بالآمال الزائفة أوالمُجــاملة ، أو الرغبــة في كتابة مقــال تحفيــزي آخر في ظل أوضــاع مأســاوية لا تشي بالخيــر – حاليــاً – ..

عن أطفــال يموتون تحت الثلوج .. كيف تسـاعدهم بخطوات واضحة ؟

بل هي حقــائق يسهــل معرفتها ببســاطة ، من خلال قراءة سريعة للتــاريخ .. ربمـا أنت تعرفها كذلك ، ولكــن صعوبة الاحداث وقســوتها ، وتـركيــزك مع مأساوية الأوضاع الحالية ، تعمــي عينيــك عن إدراك أمــل حتمــي لا محالة !

إذا تركت الحاضر قليلاً – بكــل مآسيه وآلامه وحروبه ونزاعاته – ، واستشــرفت المُستقبــل .. فالتاريخ ، والمُعطيــات في الوقت الحاضــر يقـرران أن ( ســوريا ) في المستقبل القــريب ستكون دولة مُزدهــرة بمجــرد إنتهــاء الحـــرب ، لهذه الأسبــاب ..

لكــل أمة عظيمــة .. حربهــا الأهلية !

رغم أنها قاعدة غريبة ، وربمـا مثيرة للسخرية المــريرة .. إلا أنها حقيقــة مُثبتــة فى كل كتب التاريخ ، شئتَ أم أبيــت ، رضيت أم لم ترضَ ، إقتنعت أم لم تقتنع !

مشكلتنــا كعــرب اننا نتعــامل مع ظروفنا المأســاوية بإعتبــارها احداث غير مسبــوقة فى البشــرية ، او انها مشكــلة خاصة بنــا وحدنــا .. ونعتقد ان العــالم كله يعيش بمنتهى الترفيــه والإستقلال والحــرية من فراغ ، وأنهم لم ولا ولن يشهــدوا احداثــاً مأساوية كمــا نشهدها كل يوم ..

الولايات المتحدة الامريكية

القوة العظمــي فى العالم الآن .. لم تصبــح كذلك إلا بعد إندلاع ( الحــرب الأهلية الامريكية ) الهائلة ، التى يعــرفها كل قارئ بسيط فى التاريخ ، والتى يصنفها البعض بإعتبــارها مثل ( الحرب العالمية الاولى ) في قارة أمريكـا الشمالية ، تشبيهـاً لعنفهـا وأنهار الدماء التى سالت فيها..

الحرب الأهلية الامريكية

استمرت الحرب لمدة أربع سنــوات ، وراح ضحيتها أكثر من 600 ألف جندي مقاتل ، وملايين غير معروفة من المدنييــن .. واستخدمت فيها نداءات دينية وعرقية وإجتماعيــة وطائفيــة وعنصــرية لأبعد مدى ، حتى إنتهــت في العــام 1865 م..

ماذا كانت النتائج ؟ إنهـــاء الرق ، وتأسيس حالة الإتحاد ، وتفعيــل النظــام الفيدرالي الجامع للولايات الأمريكية ، وحل الكثير جداً من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصـادية والعــرقية المُعقدة والمتشابكة .. والعمــل على مشــروعات إعمــار استغرقت حوالي 10 سنوات ، نتــج عنهــا تحوّل أمريكــا لبوادر قوتها العظمـي في نهاية القــرن التاسع عشــر ..

ماذا عن روسيــا ؟ ..

الوضع كــان أكثــر ألمــاً ، وأكثــر جلاءاً فى نتــائجه المُبهـــرة كذلك .. فمع إندلاع الثــورة الروسية ، كُتب في نهايتها ( الفصــل الاخير منها ) وقوع حرب أهلية دموية مُروّعة ، استمرت حوالي خمس سنوات ( 1918 – 1923 ) ، وخلفت أكثر من 13 مليــون قتيــل .. وأكثر من مليون مهــاجر روسي ( هجــرة دائمة ) ..

الرقم صحيح .. 13 مليون قتيــل ، سقطــوا في حروب ومجاعات ولجوء ومصــرع النســاء والأطفال وانتشار الأوبئة .. وبعد نهاية الحــرب ، وصف المؤرخون البلاد بأنها خراب غير مسبوقة ، لدرجة عدم وجود قطارات أو منـاجم ، او حتى خيــول لنقــل الناس والأمتعة !

النتيجــة ؟ .. تكوين الإتحــاد السوفيتــي ، الدولة العظمــي الحمراء ، التي إنطــلقت فى تحقيق إنجازات إقتصادية وعلمية وزراعية وصنــاعية وعسكــرية وحتى فضــائية غير مسبــوقة ، جعلته يصمــد أمام غــزو هتلر النازي ، ويتحول للقوة العظمــى المنــاوئة لأمريكــا سنوات طويلة حتى إنهيــاره في بداية التسعينــات..

أسبــانيـا أيضـاً كانت على موعد دمـوي غير مسبوق مع حرب اهلية مُدمــرة ، اشتعلت فى العام 1936 واستمرت لمدة 3 سنوات بين القوميين والفوضويين والوطنيين والمحافظين ، وتدخلت فيهــا – مثل أي ثــورة فى التاريخ – عناصر خارجية وداخلية .. خلّفت أكثر من مليــون قتيـــل .. ودمار هائــل لم يُصب أسبــانيا فى تاريخها كلــه ، وعدة ملايين من النازحين والمصــابين ..

النتيجة ؟ .. بدأت أسبانيـا فى مشوارها نحو الحداثة بصعــوبة شديدة ، وتحوّلت إلى ملكيــة بقيادة الطاغية فرانكــو ، وعانت عصــراً من الاستبداد .. إنتهــى بلا رجعــة مع الوعي الوطنــي بالتطور الديموقراطي والإقتصــادي ، الذي حوّل إسبــانيــا الآن إلى واحدة من أقوى دول المجمــوعة الاوروبية ..

ماذا عن الصيــن ، التى اندلعت فيهــا حرب أهلية مُدمــرة استمرت من قرابة 14 عاماً ( 1927 – 1941 ) .. ثم توقفت فجـــاة لأن اليابانيين قاطعوا الحــرب الأهلية بغــزو الصين سنة 1941 ! .. ثم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، عادت الصين تارة أخرى لحربها الأهلية ، استمرت من العام 1945 حتى 1950 ..

عدد القتلى عدة ملايين – على اقل تقدير 4 مليون قتيل – ،وعدد الجرحى ملايين مُضاعفة .. ومع إنتهاء الحرب ، أصبحت الصين من أعظم وأقــوى إمبــراطوريات العالم من حيث القوة العسكرية والتصنيع والإبتكــار والاختراقات التكنــولوجية !

يبدو أن مرحلة ( الحرب الأهلية ) ، أو ( الحــروب الخارجية المُدمرة ) كالتجربة الألمانية واليابانية مثلاً ، هي المرحلة الأساسية التى يجب أن تمر بها كل الأمم المُزدهـــرة ، والامثلة غير التى تم ذكرها كثيــرة جداً ..

مرحلة طبيعية فى مشوار تكوين الامم الحديثــة المتطورة العصــرية .. نوع من تفــريغ الصديد والعفــن الداخلي لكــل فئة وفصيــل داخل الوطن الواحد ، ينتــج عنها إتفـــاق بضــرورة التعايش ، وإستخدام الطاقات الداخلية فى مجالات الإعمــار بدلاً من قطع الرؤوس ومحاولة إعلاء طائفة على طائفة أخرى !

دولة مـركزية الثقــافة والتراث

وهي القــاعدة التى تبنــى عليهــا أي شعــارات تقدّميــة ، ومنهجيــات إعادة التعميـــر بعد الدمــار ..

دائمـاً تلاحظ أن الدول ذات التاريخ العــريق ، تحــاول بشكــل مُجتمعي إستعــادة أمجــاد تاريخهــا بشكــل سريع بعد أن تتعرض لأزمــات عنيفة .. ليس أولها او آخرها ألمــانيــا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ، أو حتى تركيـــا بكــل تراثها العثمـاني ، أو اليــابان بحضــارتها الذاتية ، أو الصيــن والهند ، وغيرها من الدول العريقة ..

مفهــوم الأصالة والإعتداد الذاتي بالتراث الوطنــي مهم جداً في التطوّر السريع للأمم بعد النكبــات ، لأنه يحمــل معــاني متعلقة بالكرامة والامجــاد الجمــاعية ، والرغبة المحمــومة في تدارك التــاريخ وتجــاوز أخطــاؤه ، والظهــور بالكبــرياء الوطنــي امام العــالم ككـــل بمظهــر ( لكــل جواد كبــوة عابـــرة ، يعود بعدها للسباق )..

سوريـا تعاني من حرب أهلية .. ورواندا عانت من حرب أهلية .. ولكن الطبيعي والمنطقــي أن إهتمــام الســوري بالعودة سريعــاً إلى خريطة العالم ، ستكون أســرع بكثير من إهتمــام الرواندي بنفس الهدف ؛ لأن الاول يحمــل – إلى جانب الهدف الأساسي بالعودة إلى الحياة الطبيعية من الرفاهية والإزدهــار – إعتداد ذاتي بتــراث تاريخي أكبــر حتمـاً من الدور الذي لعبته رواندا فى التاريخ ، يجعــله يواجه التحديــات الجمـاعية بإصــرار أكبــر لإستعــادة ذاكــرته الحضــارية التى رُبّــي عليهــا جيلاً وراء جيــل ..

كيــف تعــرف أنك تعيش بعقليــة القــرون الوُسطــى ؟!

شباب .. الكثيــر من الشبــاب

الطــرف الرئيسي من المعــادلة الواقعية بخصــوص تحقيق إزدهــار سريع فى ســوريا ، ان مُعظم الإحصـائيـات تقــرر حقيقيــة أن 50 % من الشعــب الســوري على الأقــل هم من فئة الشبــاب ..

الشباب السوري

بهذه النسبــة ، فظــروف ســوريا أفضــل بكثير جداً من ألمــانيــا مثلا بعد الحــرب العالمية الثانيــة ، التى كانت تعــاني بشدة من إنخفــاض مخيف في نسبة الشبــاب والمراهقين بسبب الحـــرب ، وإرتفاع نسبة النســاء وكبــار الســن من جهــة أخــرى ، ممــا عطّـــل – فى البدايــة – ظهــور بوادر إصــلاحية سريعة بعد الحــرب في مشــروعات الإعمــار ، وجعــل الالمــان فيما بعد يعتمــدون على قوى عاملة من الخارج ( الاتراك تحديداً ) ..

الشبــاب هم الفئة العُمــرية الوحيدة الذين عندما ينظــرون إلى مشــاهد الأطلال والدخــان والدمــار ، تمتلئ نفــوسهم بالرغبــة فى البناء والإصـــلاح وإعادة الترتيــب ، بدلاً من الأسى والحزن .. ثم يبتسمــون في فخــر وهم يتطلعون إلى منجزاتهم التي أعادوا إعمــارها بسواعدهم .. على عكــس كبــار السن ، سريعي الملل ، متقلبي المزاج ، نافذي الصبــر ..

سوريا مليئة بالشبــاب .. علامة أخرى مهمة جداً على القدرة فى إختزال الزمن المطلوب لإعادة الأعمار بمعدلات سريعة جداً ..

إذا صحّت ، المُقارنة بين اليابان بعد الحــرب العالميـة الثانية ، وســوريا في حربها الاهليــة تؤكد أن الوضع الذي تنطـلق منه ســوريا أفضــل بكثيــر جداً من ناحيــة الموارد والتعداد السكــاني..

فاليابان عانت طوال تاريخهـا ( ومــازالت ) من نضــوب أرضها الصخـــرية من موارد الوقود مثل النفــط وغيرها من المعادن الطبيعية .. على عكــس ســوريا الذي يعرف أي جغرافي انها مليئة بالبعــض من كل الموارد الطبيعية المعروفة في المنطقة العربية ، كالغاز والنفــط والمعادن .. فضـلاً عن مواردها الطبيعية المتمثلة فى ساحل طويل ، وموارد صناعية وزراعية طائلة ، وتــراث سياحي ضخم ..

مساحة ســوريا كبيـــرة جزئيـاً ، وأرضهــا مليئة بالموارد الطبيعية والجغرافية ، وتعتبــر أبرز بوابة عربيــة لأوروبا حيث تقع فى حدودها المُتاخمة مباشــرة .. فضــلاً عن تعداد سُكــاني متوسّط لا يزيد عن 22 مليون نسمة ..

ماذا تعني كل هذه المعلومات ؟ .. تعنــي بشكل أو بآخر أن أي تطوّر إقتصــادي – ولو ضئيــل – بعد إنتهاء الحــرب في ســوريا ، سيكون حتمـاً محــسوس ومرئي بشكــل كبيــر وسريع على المستوى العــام لتكــافؤ نسب الموارد مع السكــان ..

بعكــس دول أخرى مُكتظــة بالسكـان – مثل الهند وباكستان ومصر والصين وغيرها – ، التى مهمــا تم بذل إصــلاحات إقتصــادية ، سيكون الشعــور بنتــائجهـا على المستوى الشعبي بطيئـاً جداً وربما غير محســوس .. لعدم التكــافؤ بين تعداد السكــان الضخم والموارد المتاحة..

من حيث الموارد وتكافؤها مع التعداد السكــاني ، ســوريا وضعها أفضــل مائة مرة مقارنة مع اليابان وألمـانيـا بعد الحــرب العالمية الثانية .. قطعاً !
بعثـــاث ( شعبيـــة ) للخارج !

بعــد إندلاع الثــورة الســورية ، فــاق عدد الســوريين الذين غادروا البلاد الـ 3 ملاييـــن سوري .. منهم من توجّه إلى أوروبا ، وامريكــا الشمــالية .. ومنهم من توجه إلى الدول العــربية ، وحتى الدول الافريقية البعيــدة..

معــروف أنه فى حركة تطوّر أي بلد للحضــارة والرقي ، تعتمد الحكــومات على مبــدأ ( البعثــات الخارجيــة ) لمواطنيهــا .. طلبة الجامعات .. وحتى الإدارايين والفنييــن والمُبدعين ، طلبـاً لتحصيــل آخر ماوصلت إليه الدول المتقدمة ، ثم العــودة لتطبيقهــا فى البلاد ..

في ســوريا الوضــع أكثــر إنفتــاحاً .. فمع ملايين الســوريين الذين غادروا البلاد ، كل فرد منهم خاض تجربته الشخصية فى الخارج ، وذاق حُلوها ومرّها ، مميــزاتها وعيــوبها.. إذا عاد نصــف هذا العدد – فــرضــاً – إلى ســوريا بعد الحــرب ، وقام كل شخــص بتطبيق ( فكــرة ) أو ( خبــرة ) إيجــابية تعلمهــا في الخارج .. أو عمــل على إستحضــار أفكــار جديدة رآها وعايشها فى دول لم يتسنّ له زيارتها قبل الحــرب ..

فالنتــائج – حتمــاً – ستكون أفضــل وأسرع من مجرد إرسال بعثات تعليمية أو أكاديمية او مهنيــة للخــارج .. في الحالة الســورية لدينــا هنا ( بعثــات شعبية ) – بالمعنى الحرفي – عائدة مُحمّلــة بخبــرات لا حصــر لها فى الثقافات ، والممارسات ، والافكــار .. تكفــي لتســريع عجلة التنميــة والتحضــر والتطور بشكــل سريع جداً ، على المستوى الشعبي الجمــاهيري ..

وليست مجرد ( بعثات أكاديمية أو تعليمية ) على مستوى النخــب أو المتعلمين أو كبــار السن أو الوظائف العليــا ..

لا حاجة للبداية من الصفــر في تشكيــل الوعي الجمـاعي الســوري بعد الحــرب ، مثلمــا فعل الألمان واليابانيين والأسبــان والروس وغيرهم ، لسنــوات طويلة شاقة عسيـــرة لتجــاوز الكبــوة التى مرّت بلادهم..

نحن فى زمــن يختصـــر حركــات الإدارة والتقدم السياسي والإجتمــاعي التى كان يُمكن إنجـازها فى 10 سنوات ، فقط في عام واحد .. ثورة الإتصــالات فى كل شيء ، عالميــة الثقــافة وإنســانيتها ، التعليم عبــر الإنتــرنت ، مفــاهيم البنــاء الديمــوقراطي ، منهجيــة البناء الإقتصــادي..

متـاهات مأسـاوية داخل العقــل الجَمْعـي العـــربي

بإختصــار ، لن نختــرع العجلــة من جديد .. ونحن نعيش فى عصــر – لحسن الحظ – لا يسمــح لأحد للعــودة للوراء أبداً لإستلهــام مواد تراثيــة إنتهت ، أو صــراعات طائفيـــة قديمة ، أو طرق تفكيـــر مُنقــرضة ..

فقــط السيــر على المنهج العالمي للتطور الإجتمـاعي والانساني والتقني ، وفقاً لخطط عالميــة معروفة النتــائج ، سيجعــل اي بلد يعــود إلى ركــب الحضـــارة ، بدون إجتهــادات ذاتية مُجتمعية داخليــة ، أو معــاناة التجـــارب للمـــرة الأولى ، مثلمــا حدث فى العديد من دول العالم قبل ثورة الإتصــالات والإنتــرنت ومفاهيم الادارة المؤسسية العالمية..

الإبداع الداخلي المحلــي عنصــر فعّـــال طبعاً فى كل دول العالم ، ويعطيها خصــوصيتها عن الآخرين .. ولكنه يظــل عامــل إضــافي ، لثوابت عالميــة في الإدارة والإقتصــاد والسياسة والتطور الإنســاني ، نتــائجها مؤكدة في حال تطبيقهـا ، سواءاً توافر عنصــر الإبداع أو لا !
معجــزات ما بعــد الدمــار

كلمــا زاد الخــراب ، كلمــا زادت فــرص الإســراع فى التعميــر والإزدهــار..

قانون طبيعــي يمكن تفسيـــره إذا تأمّلته .. لأن الخــراب الهائل الناتج عن أي حرب أهلية ، لا يتيح الفــرصة أصلاً للمُتقــاتلين للتفكيــر بالعـــودة للإنتقــام او إغتنــام مكــاسب سياسية في وطــن مُنهـــك تماماً.. الخراب الكبيــر لا يتيــح مكــاناً للصــوص والسارقين وأباطــرة النهــب العــام ، لأنه لا يوجد شيء يُمكن سرقته أساســاً ..

الأسطــورة البشــرية تتجســّد دائمــاً فى مرحلة ( مابعد الدمــار ) .. تظهــر دائمـاً عبقرية الإنســان ، والمُجتمعــات في هذه اللحظــة العصيبـــة المؤلمـــة فى تاريخ كل فئات البشــر ..

التاريخ يؤكد أنه كلمـا زاد الخــراب في البلاد ، زادت فــرص ســرعة إعمــارها .. وقلت فــرص الغوغائيــة .. وتضاءلت الرغبة فى الإنتقــام .. وتبددت مفــاهيم العنـــف والإقتتـــال والسعي وراء المكــاسب السياسية والإقتصــادية ..

السبب في هذه الحالة الغريبة – وربما غير المنطقيــة لمن يعيشــون بمبدأ الصراع والإنتقــام – أن المعــركة تتحــوّل فى نهايتهــا من معـــركة أهليــة ، إلى معــركة مجتمع كامـــل يصـــارع من أجل البقاء ذاته .. الحــالة الإنســانية البدائية الأولى ، المنزوعة من كافة نزاعات المصــالح والأهواء ..

الصراع من أجل بناء منــزل ، ومبنى ، ومصلحة حكومية ، وقطـاع مصــرفي وتنظيــم المرور .. الإنهــاك المُجتمعــي الذي يصل لدرجة التعالي عن أي صراع ( ديني / سياسي / حزبي / طائفي / طبقي ) ، إلى صــراع مُجتمـــع كــامل من أجل الوصول إلى سبـــل الحيــاة العادية ذاتها ..

لا يوجد أفضـل من هذه القــاعدة للإنطــلاق في التعميــر بعد الحرب .. وهي القاعدة التى إنطلقت منها كل الدول الحديثة حاليــاً ، وأثبتت نجــاحها دائمـاً ..

*******************

كلمــا إزداد الألم ، زاد الأمــل لتحقيق نهضة ورفــاهية تدوم أطـــول .. هذه هي الخلاصة التي يُمكن إعتبــارها كقانون حقيقي أثبتته مئــات التجــارب البشرية على مدار التاريخ ..

العــالم كله حولنــا أصيــب بالآلام والأوجــاع والمجــازر والدمــار ، ربمــا أكثــر بكثيــر مما أصاب بلادنــا العربية عموماً .. والعالم كله – بلا قدرات خاصــة أو مواصفات سحرية – تجــاوز هذه المحنـــة ، وحوّلها إلى منحــة ..

أما إذا كنتَ تعيش بالعقلية المذعــورة ، التى تجعــلك تلقــائيــاً تعمــل على وأد هذه الحقائق المذكــورة أعلاه ، وتتوهم بعلل أن الشعب العــربي لا يمكن مقارنته بالشعب الألماني والياباني والأمريكي والأسباني والصيني .. ومقتنع تماماً أنهم الأسيــاد المُظــفــرين العباقـرة ، الذين لا يمكن أن نقــارن أنفسنـا بهم ، أو نساهم في إعادة بنــاء وطننــا ، بأفضــل مما قاموا به ..

فتأكد أنك – أنت تحديداً – العقبـــة الوحيدة التى من الممكــن ان تؤخر إعــادة إعمــار هذه المنطقة من العالم!

ترك تعليق

التعليق

  • 2015-01-31
    العراق عاش أسوء من هذه المرحلة ولم ينتج شيء جيد وكذلك لبنان فلسطين وحالياُ مصر .. !
  • 2015-02-01
    انت نسيت انك عم تقارن هذه الدول بدول العربية الذي بحياتهم لم يكونو وتحطرين وليسئ لهم شي لا صناعة و ازدهار خير الرشاوي وكل ميزانيت الدولة يكون في فم العائلة الحاكمة كما انت شايف الدول الذي حطرتك عم تحكي عنها فيهي معروفا من قوة صناعتها بلاخر سيكون دول قوية في المستقبل وليس متل الدول العرب