تحليل: النظام السوري المستفيد الأكبر من ارتفاع سعر صرف الدولار

ميالة يحول المركزي إلى شركة صرافة.

تسريب مقصود للدولار من خزائن المركزي إلى السوق السوداء.
   


لم يتمكّن المصرف المركزي من الوقوف في وجه الارتفاعات المتكررة للدولار في السوق السوداء الأمر الذي أدى إلى الانهيار الحتمي والحالي لليرة السورية. ولعبت سياسات حاكم المصرف "أديب ميالة" دوراً هاماً في تدهور قيمة الليرة، حيث عمل بدأب على زيادة المعروض من الدولار لدى شركات الصرافة عبر جلسات التدخل التي عقدها لبيع كميات منه، لكن سياسته في ضخ الدولار لم تحقق استقراراً لسعره، بل على العكس تماماً، سمحت بتسرب الدولار إلى أيدي اللاعبين الأساسين في السوق ليستخدموه في المضاربة من جديد.

ومن ناحية أخرى بدا المركزي من خلال سياساته وكأنه يستخدم الصرافين للتلاعب بالليرة، وهذا ما يشكل شرعنة لعمليات النهب التي تمارسها شركات الصرافة بحق السوريين بالداخل.
 
المصرف المركزي وخلال السنوات العجاف المرافقة للأزمة، ألزم شركات الصرافة بشراء الدولار منه وبيعه للمواطنين ولكل الأغراض التجارية وغير التجارية، وبأقل من سعر السوق السوداء، وقد يلزم المواطنين لاحقاً بالشراء، وربما يقوم النظام بتفكيك شركات الصرافة، ليتحول المركزي إلى شركة صرافة بامتياز.
 
كيف أضاع ميالة الدولار؟
 
بعد قراراته بتسليم الحوالات الصغيرة وحتى الكبيرة لأصحابها بالليرة السورية لم ينسحب من لعبة الدفاع عن الدولار، على اعتبار أن المهمة الكبرى المكلف بها الاهتمام به -أي الدولار-، وهذه المهمة تعتبر اليوم محور عمل "ميالة" والمركزي.
 
ويُعد النظام السوري المستفيد الأكبر من ارتفاع سعر صرف الدولار، ومن مصلحة حكومته الحفاظ على ذلك السعر حتى يغطي جزءاً من النفقات والمصاريف، إضافة إلى وجود نوع من الرضا والقبول الحكومي بارتفاع سعر الصرف، لكون الإنفاق الجاري هو الهاجس الوحيد حالياً كدفع الرواتب والأجور، ومازال المركزي يعلن عن طرح الدولار حتى اليوم، على الرغم من إعلان شركات الصرافة عن وجود فائض من القطع لديها، وامتناع بعضهم عن بيع هذا القطع.
     
ويظن ميالة ومن حوله أن إطالة عمر النظام تتم عبر استمرار عمل المصارف والمضاربين، ويصف بعض المحللين الاقتصاديين تدخل المركزي في سوق القطع الأجنبي بالغموض وعدم الاستقرار والضعف، وتعتبر كل سياساته وابتكاراته النقدية مترددة ولم تسهم في تخفيف الضغط على أسعار الصرف، كما أن شركات الصرافة وتجار السوق السوداء من المضاربين، كانت ومازالت لهم الكلمة الأولى في تحديد القيمة الحقيقية للدولار وفرضها على السوق.

مهام أكبر من إمكاناته

 هذا الواقع دفع ميالة والمركزي، لرفع الأسعار الرسمية للقطع الأجنبي تماشياً مع السعر السائد الذي يفرضه هؤلاء في السوق السوداء، بدلاً من العكس، وكأن المركزي يقوم بمهام أكبر من إمكاناته، مما يعكس بوضوح الأزمات المتكررة التي يعاني منها المركزي، وهو ما ينعكس بالسوق السواء التي لازالت متأهبة للارتفاع.

فالليرة السورية تهوي وسط حالة من التهافت "الاقبال الشديد" على شراء القطع الأجنبي للتخلص منها بهدف حماية المدخرات، إضافة إلى شراء القطع لغايات المضاربة والمتاجرة، ومن يشتري القطع هو من يقوم ببيعه في السوق السوداء فيما بعد، والمركزي يعرف أين تذهب هذه الأموال.
 
المركزي مضارباً في السوق

على الرغم من التسريب المقصود للدولار من خزائن المركزي إلى السوق السواء، تبقى إجراءات مصرف سوريا المركزي غير فعالة، كما أن المهام أكبر من إمكاناته، وفي ظل غياب القطاعات المنتجة التي تعمل على استقرار سعر القطع والليرة السورية ستكون مساهمة البنك المركزي قاصرة وذات أثر محدود، يضاف إلى ذلك تدهور إنتاج النفط، والتراجع الكبير للتصدير، إضافة إلى انهيار قطاع السياحة وتقلص وانكماش الانشطة الاقتصادية والتوقف التام للاستثمار الأجنبي، إضافة إلى تراجع التحويلات الخارجية للسوريين في الخارج، والإصدار النقدي الورقي للمركزي، الذي لا يقابله إنتاج سلعي فعلي، أي أن المركزي ساهم بشكل أو بآخر في تفاقم الخلل في التوازنات بين الكتلتين النقدية والسلعية، ودفع بكميات كبيرة من الدولار للدخول إلى سوق المضاربة، ليغدو المصرف المركزي أحد أهم اللاعبين في هذه السوق.

ارتفاع يعود لأسباب اقتصادية بحتة

هذه الأسباب الاقتصادية  تعبر عن ارتفاع سعر الدولار في سوريا مقابل الليرة، لأن سعر الصرف الحقيقي الذي يحدد في السوق السوداء هو المهم، فهو يعبر عن القوة الشرائية الحقيقية للعملة.
 
بمعنى آخر فإن ارتفاع سعر القطع الأجنبي يتناسب مع ارتفاع أسعار بقية السلع الاقتصادية في السوق المحلي (وفق نظرية تعادل القوة الشرائية)، والذي يمكن الاستدلال عنه عن طريق حساب أسعار الاستهلاك.  ولو كان ارتفاع سعر القطع الأجنبي بمعزل عن ارتفاع أسعار السلع الأخرى لوافقنا بأن الموضوع حرب نفسية أو مضاربات، ولكن التضخم الكبير في أسعار بقية السلع يدل على أن موضوع ارتفاع سعر الصرف يعود لأسباب اقتصادية بحتة.

وفي بيئة اقتصادية مختلة تتعرض للصدمات الاقتصادية بشكل يومي بدءاً من المقاطعة الدولية وإغلاق المعابر مروراً بانخفاض الناتج العام وإحراق وسرقة المعامل وإلغاء تعهد إعادة القطع، أدى كل ذلك إلى استنزف جزء من الاحتياطي النقدي وصولاً إلى ارتفاع نسب الإنفاق والعجز في ميزان المدفوعات، بحيث يصبح من المستحيل المحافظة على سعر صرف متوازن ومستقر.

يذكر أن "الاحتياطي النقدي" لدى النظام انخفض من 18 مليار دولار في عام 2010 إلى ملياري دولار أميركي مع نهاية عام 2012، بافتراض أن عجز الموازنة العامة تم تمويله على الأرجح من الاحتياطات الأجنبية، ويقدر الأثر التراكمي مع العجز بنحو 16 مليار دولار مع نهاية 2012، وكان من المتوقع نفاد احتياطيات سوريا من الذهب والنقد الأجنبي حتى نهاية عام 2013، إلا أن إيران تقوم بشكل مستمر بدعم المصرف المركزي للنظام عبر قروض وودائع، ويجزم البعض أن النظام فشل بالتعامل مع الصين أو روسيا وحتى ايران بالعملات المحلية.

وأعلنت حكومة الحلقي مرات عدة عن القيام بعدة إجراءات وخطوات لدعم الليرة من خلال إلزام المصارف الخاصة والعامة ومؤسسات الصرافة بشراء كميات كبيرة من الدولار وبيعه للمواطنين، بينما اتخذ مجلس النقد والتسليف خلال العام 2014 ما يقارب الـ "22" قراراً يخص الدولار فقط، وبالمقابل أعلن "المركزي" عن تخصيص رقم هاتف خاص وبريد الكتروني للتواصل مع المواطنين من أجل ضبط سوق وسعر الصرف عبر تقديم الشكاوى حول التصرفات المسيئة من قبل تجار السوق السوداء والمؤسسات المالية المرخصة، إلا أن كل تلك الإجراءات لم تفلح في ضبط سعر صرف الدولار الذي وصل نهاية الأسبوع الماضي إلى (225) مقارنة بـ (47) عام 2010.

ترك تعليق

التعليق