أديب ميالة...الصندوق الأسود لخزينة النظام

احتل خبر هروب أو انشقاق أديب ميالة حاكم مصرف سوريا المركزي حيزا كبيرا على صفحات التواصل الاجتماعي. وبغض النظر إن كان الخبر صحيحا أم لا...دعونا نفترض أن الخبر صحيح، فما هي مؤشرات هذا الهروب؟، وهل لدى الرجل أسرارا يخبرنا بها ...؟

أذكر أني حاورت أديب ميالة أكثر من عشر مرات في الأعوام ما بين 2007- 2010 عندما كنت مسؤولا للقسم الاقتصادي في أحد وسائل الإعلام السورية. وفي كل مرة كان يلفت انتباهي عدة أشياء..أولا، الموعد الذي كان يحدده لي وكان في جميع المرات الساعة السابعة والنصف صباحا، وهو ما يعني أن الرجل كان يصل إلى مكتبه قبل هذا الوقت بساعة على أقل تقدير..ثانيا،  بساطة مكتبه لدرجة أن الأثاث كان مهترئا، وهو أمر عودنا عليه أغلب المسؤوليين القادمين من أحزاب شيوعية، لذلك زالت غرابتي عندما تعرفت في ذلك الوقت إلى مكتب وزير الري مثلا، فهو لم يكن بسيطا فحسب بل وبشعا.
 
ثالثا، أن الرجل متحفظ كثيرا في كلامه وكأنه يضبط تصريحاته بالحرف كما أنه  قليل الاعتراض أو الانتقاد لسياسات غيره من المسؤولين الاقتصاديين، رغم أن الفترة التي تولى فيها المصرف المركزي شهدت تحولات كثيرة في الاقتصاد السوري، سواء قبل الثورة أو بعدها...ففي عهده تم ربط الليرة السورية بسلة عملات وهو الاختراع الذي لم تستفد منه الليرة شيئا بل اتضح أنه كان قرارا سياسيا أكثر منه اقتصاديا لأن أحدا لم يكن يجرؤ على تدوير سلة العملات هذه وفقا لأسعارها العالمية، وهو ما حرم الاقتصاد الكثير من الأرباح، بل غالبا ما كان الاحتياطي يفقد من قيمته وهو في خزائنه بسبب تذبذب أسعار الدولار واليورو في تلك الفترة .

الشي الأخير الذي كان يلفت انتباهي هو حجم الاحتياطي النقدي الحقيقي من العملات الصعبة في البلد..فمن المعروف أن الأرقام التي كان يتم التصريح بها عن هذا الاحتياطي لم تتجاوز في أحسن الحالات الـ 30 مليار دولار..غير أنه في عام 2008 قال لي محمد الحسين الذي كان يشغل منصب وزير المالية أن الرقم الحقيقي للاحتياطي أكبر من ذلك بكثير، وأضاف أنه منذ مجيء بشار للسلطة قرر أن يكون هناك احتياطي مخفي من أجل مواجهة الأزمات الطارئة. وعندما سألته عن طبيعة الأزمات التي يتوقعونها ويخفون هذا الاحتياطي لأجلها، قال: ربما كوارث طبيعية أو حرب طارئة تفرض علينا....المهم أنني حاولت أكثر من مرة أن أسأل ميالة عن هذا الاحتياطي وعن حجمه الحقيقي، فكان يرفض الإجابة وعندما أخبرته أن معلومتي من وزير المالية، اعترف بها لكنه قلل من أهمية الرقم المخفي.

بكل الأحوال وبالعودة للسؤال الذي طرحناه في البداية هل هروب ميالة يحمل أية مؤشرات..؟ وهل لدى الرجل أسرارا  يقولها..؟
أتوقع أن لدى الرجل الكثير من الأسرار، قد لا تكون فاصلة وتؤدي لسقوط النظام، لكنها بكل تأكيد سوف تطلعنا على عمليات التلاعب الكبيرة التي كانت تقوم بها مافيا الأسد وبطانته لاستنزاف محزون البلد من العملات الصعبة والمعادن الثمينة قبل الثورة وخلالها ...فالرجل دخل مصرف سوريا المركزي وسعر الدولار  50 ليرة وسعره الآن 250 ليرة .. دخله ومخزون البلد من العملات الصعبة ما يعادل 30 مليار دولار وخرج منه دون الاعلان عما تبقى من هذا المخزون.

أيضا يستطيع أن يخبرنا /ميالة/ عن ما وصلت إليه الأوضاع، بعد أربع سنوات من الثورة..فانهيار النقد ليس نفسيا بسبب الحرب وإنما انعكاس لانهيار اقتصادي شامل وضياع لكامل المخزونات بما فيها احتياطي البلد من الذهب...
 
يستطيع أن يخبرنا عن مستوى الدعم الإيراني وطبيعته وثمنه..فحتى الآن لا يمكن لمرء أن يتخيل أن دولة مثل ايران تعاني من صعوبات اقتصادية شاملة تستطيع أن تدعم بلدا بكامله وتجعله يواجه الأزمة طوال هذه الأربع سنوات .. فلا بد أن هناك أسرارا أخرى على اطلاع عليها /ميالة/، وهو دور رجال الأعمال وما قدموه من ودائع بالعملات الصعبة للمحافظة على عدم انهيار النقد بشكل كامل..وخصوصا أن الليرة السورية ظلت محافظة على توازنها لنحو عامين من بدء الثورة.

أعتقد أن لدى /ميالة/ الكثير من الأسرار الخطيرة..لكن المهم أن يكون هروبه حقيقيا... والأمر الثاني أن يكون قد قرر الانشقاق والانضمام للمعارضة..حتى لا تضيع تخيلاتنا سدى..!

ترك تعليق

التعليق