حكومة النظام كبش فداء على مذابح الأسد

انتقاد الحكومة والسماح بشتمها وتحميلها مسؤولية الفساد والفقر وجميع الأزمات الاقتصادية التي ألمت بالبلد، هي المهمة التي تقوم بها صحافة النظام هذه الأيام، في محاولة لصرف النظر عن المسبب الرئيسي للأزمة، وتأطير المشكلة ضمن أجهزة ضيقة لا تملك من أمرها وقرارها شيئا.

وهكذا، فانقطاع الكهرباء سببه وزير الكهرباء، وضعف الرواتب سببه وزير المالية، والغلاء سببه وزير الاقتصاد، وهجرة رجال الأعمال سببها سياسات الحكومة الخاطئة... إلخ. بينما النظام السياسي فهو يقوم بواجبه على أكمل وجه في إعادة الأمن للبلد.. !

الأمثلة كثيرة طبعا، لمن يرغب بالاطلاع على هذه الظاهرة .. وأي متابعة بسيطة لوسائل إعلام النظام، سوف يدرك القارئ معها كيف أن النظام يحاول أن يرحل جميع الأزمات الاقتصادية التي سببها للبلد وللمواطن، إلى الحكومة. وهو ما يعبر عن مدى الاختناق الذي يعيشه هذا الإعلام بالإضافة إلى مدى الصعوبة في إيجاد مخرجات مقنعة له.

هذا الخطاب، بكل تأكيد ليس وليد الأزمة الحالية..فمنذ توريث بشار السلطة في البلد، حدثت تغيرات كبيرة لم تكن مرئية للعموم... فالقادم الجديد إلى الحكم هو صغير بكل المواصفات، ولكي يبدو كبيرا، كان لابد من تصغير الآخرين..فتم الإيعاز لوسائل الإعلام وقتها بأن توجه سهام نقدها للحكومة، بحجة أنها جهاز رقابي على عملها.

وقد شهدت الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2005 ما يشبه حرية الصحافة، لكنها حرية كانت مزيفة وموجهة نحو الحكومة فقط.. حتى بلغ الضجر حينها برئيس الوزراء محمد ناجي عطري، بعد أن طالته السخرية مباشرة، فأصدر قرارا في العام 2006 على ما أعتقد، منع فيه انتقاد الحكومة، ووضع قيودا كثيرة على حرية النشر، تم تتويجه لاحقا بقانون الإعلام الذي قصم ظهر الصحافة بالكامل وحولها إلى صحافة خدمات وعلاقات عامة.

برأيي، إن الفارق بين بشار وأبيه، أن الثاني سمح لكل ذي منصب، مهما صغر، أن يكون سارقا وفاسدا. أما في عهد بشار، فالسرقة والفساد أصبحت امتيازا خاصا للمقربين منه، لذلك من خلال عملنا الصحفي سابقا، كنا نلمس بؤس بعض الوزراء وقلة حيلتهم، وأحيانا عدم قناعتهم بما يصدر عنهم من قرارات.. وبالذات الوزراء القادمين من خلفيات مختلفة عن طائفة النظام.

وفي هذا المجال تحضرني قصة حدثت معي في منتصف العام 2009، عندما كنت أسجل أنا ونزار الفرا حوارا تلفزيونيا مع وزير الاقتصاد عامر حسني لطفي في مكتبه.. بعد انتهاء الحوار، وكان ذلك حوالي الساعة العاشرة ليلا ... بدا واضحا أن الوزير يرغب بالحديث عن أشياء لم يستطع أن يذكرها في المقابلة، وخصوصا أننا حاولنا طرح بعض الأسئلة الحساسة عليه، فكان يتهرب منها ببسالة.. فاسترسل قائلا: "كنت مدرسا في الجامعة عندما أخبروني أن اسمي ورد في التشكيلة الحكومية كوزير للاقتصاد ... فؤجئت عند استلامي العمل أن هناك غرفة صغيرة داخل مكتبي وفيها موظفة، أخبروني أنه ليس لي علاقة بها وبعملها". ثم قام وفتح باب الغرفة وطلب منا أن نتفرج عليها.. وتابع: "لقد اتضح أن هذه الموظفة كانت مهمتها مراقبتي بالكامل ومراقبة ضيوفي وأحاديثي معهم، والأنكى أنها كانت تدخل وتخرج من مكتبي دون احم أو دستور".

وأضاف: "هل تصدقون أن إزالة هذه البنت من المكتب استغرق معي أكثر من عام ..؟"، وكأنه يريد أن يقول لنا: ماذا تعتقدون أنه بوسعي القيام به كوزير أو ما هي صلاحياتي ...؟، أما الشيء الخطير الذي ذكره الوزير وقتها، قوله "لقد وجدت لدى استلامي منصبي، أنه مطلوب مني التوقيع على مجموعة من القرارات الخطيرة وبسرعة ...! وعندما طلبت زمنا لدراستها، قالوا لي إنها لا تحتمل التأجيل ..".
وتابع: "والغريب، بعد أن صدرت تلك القرارات تبين ضررها فطلبوا منا طيها!؟" طبعا رفض الوزير أن يتحدث عن طبيعة هذه القرارات، لكن معروف في تلك الفترة أنه صدرت مجموعة من القرارات فيما بين وزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة، تم طيها بعد نحو ستة أشهر. حيث قام رامي مخلوف وعدد من رجال الأعمال المقربين بشراء مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ريف دمشق بأثمان بخسة، ثم بعد طي القرارات، ارتفعت أثمانها أضعافا مضاعفة. وهي الأراضي التي تم عليها، فيما بعد، إنشاء ما يعرف بمناطق التطوير السياحي..

لعل ذلك نموذج صغير لحكومة بشار، ومدى الصلاحيات التي تتمتع بها.. والأمثلة أكثر من أن تحصى عن بؤس كل الحكومات التي جاءت في عهد بشار، وكيف أنها كانت مسخرة لخدمة الطبقة الاقتصادية المحيطة بالنظام فقط.. لذلك ليس غريبا أن يتم اليوم تحميل الحكومة أعباء الأزمة الاقتصادية التي يعانيها النظام والمواطن الذي يعيش في كنفه. لأن الحكومة كانت على الدوام ممسحة زفارة لكل وساخات النظام.

ترك تعليق

التعليق