النظام يحاول احتكار سوق العملة عبر "الميديا"

تعرضت، اليوم الأربعاء، صفحات عدة متخصصة في بث ومتابعة أخبار أسعار صرف الدولار والعملات الأخرى مقابل الليرة السورية، في "فيسبوك"، لسيل من التعليقات التي تتهم هذه الصفحات بالعمالة وبالمتاجرة بالليرة على حساب لقمة المواطن السوري.

ومن الواضح في أسلوب هذه التعليقات أنها لمؤيدين للنظام، وقد تكون لعناصر في "الجيش السوري الالكتروني"، الذي يمثل مرتزقة يعملون لدعم أجندات النظام ضد معارضيه في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، عبر طرق عدة، منها التعليقات بكثافة وبأسماء متعددة بصورة تُوحي بوجود غالبية مؤيدة للنظام في أوساط السوريين، أو عبر اختراق مواقع وصفحات معارضة.

وبعد أن أثمرت حملة النظام الرسمية، المدعومة بإعلام موالٍ، ضد موقع "سيرياستوكس"، في دفع الأخير إلى التوقف عن رصد أسعار صرف العملات بسوريا، يبدو أن هناك حملة يمهد لها مرتزقة مؤيدي النظام الكترونياً، عبر الهجوم على مواقع وصفحات أخرى، بغية دفعها للابتعاد عن نشر أسعار صرف العملات.

ومن الواضح أن هذه الخطة لا تتعلق فقط بما يدعيه النظام عبر حاكم مصرفه المركزي، بأن صفحات العملات تبث أسعاراً وهمية تؤدي إلى رفع سعر الدولار على حساب القوة الشرائية لليرة، بل يتعلق الأمر بأبعد من ذلك، يتعلق على ما يبدو بالسيطرة على جمهور المهتمين والمتابعين لأسعار العملات وخاصة الدولار، عبر حصر مصادر معلوماتهم بتلك المؤيدة للنظام.

وليس من الضروري أن يعني ذلك أن النظام يسعى إلى حصر مصادر المعلومات الخاصة بأسعار العملات به، بغية خفض سعر العملات الأجنبية، لرفع سعر صرف الليرة، بل قد يكون الأمر أيضاً أبعد من ذلك، باتجاه السيطرة على سوق العملة، بما يخدم مصالح تجار ومضاربين متعاملين مع النظام ومتنفذيه، بصورة تسمح لهم برفع سعر الدولار حينما يريدون، وتخفيضه حينما يريدون.

ويجمع الكثير من المراقبين على أن متنفذين ومقربين من النظام ومسؤوليه هم من المتاجرين الرئيسيين بسوق العملات، وهكذا يبدو أن النظام يحاول احتكار أسواق العملة بسوريا، أو على الأقل، في المناطق الخاضعة لسيطرته، لصالحه ولصالح رموزه ومتنفذيه، ذلك أن المتاجرة بالعملات باتت مصدراً رئيسياً للربح في سوريا، بعد أن ضاقت سبل العملية الاقتصادية والإنتاجية بفعل الحرب في البلاد.

قد يقول قائل: أن العاملين في مجال الصرافة هم الوحيدين القادرين على التأثير على سعر صرف الدولار والليرة، ورغم أن ذلك صحيح مبدئياً، لكن لا ينفي أن صفحات العملات في "فيسبوك" تملك تأثيراً نفسياً ملحوظاً باتجاه تعميم سعر محدد للدولار، خاصة مع اختلاف سعر العملة الخضراء بين صرّاف وآخر.

خلاصة الحديث: يبدو أن حيتان النظام يحاولون في الفترة القادمة احتكار سوق العملة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لصالحهم، وبدأوا بذلك عبر حملة أمنية على مكاتب الصرافة غير الخاضعة لهم، ومن ثم عبر حملة إعلامية وأمنية مزدوجة على صفحات متخصصة بأسعار العملات وبكل من له صلة بها على الأرض في مناطق سيطرة النظام، مروراً بمحاولات شراء صفحات محددة بأسعار مغرية، وليس انتهاءاً بإطلاق خدمات نقل أسعار الدولار بالجوال وبالوسائل الالكترونية الأخرى، لصالح صفحات موالية للنظام.

النقطة الأخيرة اتضحت في اليومين الأخيرين، فموقع "سيرياستوكس" أوقف خدماته الخاصة بتطبيقات الإعلان عن أسعار العملات والذهب على الجوال والحواسيب المحمولة وبأساليب تقنية مختلفة. وهي خدمات كان لها جمهورها الواسع، بصورة منحت الموقع المذكور مصداقية عالية. وقرر الموقع وقف تلك الخدمات بعد حملة إعلامية رسمية، شارك فيها حاكم المصرف المركزي بنفسه، أديب ميالة، عبر اتهام الموقع المذكور بالمضاربة بالليرة بصورة مضرة بالاقتصاد السوري، وبالعمالة لصالح تركيا.

وفي اليوم التالي، أطلقت صفحة "وسيط الصرافة السوري"، الموالي للنظام، والمقرب منه، خدمات مماثلة لتلك التي أوقفها "سيرياستوكس".

الخلاصة، أن سوق العملة المربح، واللعبة النفسية المرتبطة به في وسائل التواصل الاجتماعي، باتت هدفاً جديداً لحيتان النظام السوري الذين يريدون احتكار هذا السوق بصورة تخدم مصالحهم وحدهم، ولا تُتيح المجال لأي منافسة أو نديّة لصالح جهات وأشخاص غير مرتبطين بالنظام، حتى لو كانوا مجرد متاجرين بالعملات لا أكثر.

ترك تعليق

التعليق