الأسد وامبراطورية الكابتاغون

وفق معلومات من مصادر أميركيّة متنوّعة، هناك دور مشبوه لنظام بشار الأسد في ما يمكن تسميته "إمبراطوريّة الكابتاغون" في الشرق الأوسط، إضافة إلى حلفائه في لبنان. ومنذ العام 1999، تكرّر التقارير السنويّة لـ"مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجرائم" (والمعروف بإسم "يونودك" UNODC)، تأكيد أن سوريا تحت حكم آل الأسد، هي المصدر الفعلي للحبوب التي تصدّر بطرق ملتويّة إلى أوروبا وتركيا ولبنان والخليج.

ومن المؤسف القول أن الحرب السوريّة شهدت أيضاً استدراج بعض الفصائل المسلحة المناوئة للأسد إلى تلك الإمبراطوريّة الإجراميّة، مع التشديد على أن سوريا كانت مركزاً لتلك الإمبراطوريّة قبل اندلاع الصراع المسلح فيها.

وبذا، تكون الطائرة السعوديّة في مطار بيروت والجلبة المفترضة حول حبوب الكابتاغون، ومعها المسلسل الطويل لتلك الحبوب في لبنان، مجرد جزء صغير من جبل جليد تلك الإمبراطوريّة الغرائبيّة.

أقوى من انقسامات الحروب

منذ عشر سنوات على الأقل، باتت إمبراطوريّة الكابتاغون أحد أضخم ملامح الشرق الأوسط، وهي تبسط ظلالها عبر عصابات بلغاريّة (من يذكر ألغاز اختطاف بلغاريّين في سهل البقاع؟)، وعصابات سوريا، وأفراد سعوديّين، إضافة إلى مجموعات من "حزب الله"، وفق ما أوردت مجلة "فورين بوليسي" الأميركيّة أخيراً. وتشير المجلة عينها إلى أن معلومات الإنتربول" واليونودك، تتقاطع عند القول بأن الصراع في سوريا أدى إلى ظهور شبكات هجينة تربط أمراء الكابتاغون في سوريا، والمتشابكة علاقاتهم مع نظام الأسد، مع شبكات بيع المخدرات في الخليج العربي، وبعض الأفراد من الفصائل المسلحة المناوئة للنظام السوري التي، للأسف، وقع الكثير من أفرادها في قبضة تلك المادة.

ليست ظاهرة انخراط مقاتلين على جبهتين متناقضتين للحرب في إدمان المواد المؤثّرة على الدماغ، أمراً نادراً أو فريداً من نوعه.

وفي أحاديث مع مواقع إعلاميّة غربيّة، لم تبدِ نادية مكداشي استغرابها من انتشار الكابتاغون بين المقاتلين على ضفتي الحرب السوريّة، مشيرة إلى أن الظاهرة عينها لوحِظَت بين كافة أطياف المقاتلين في الصراعات المسلحة المديدة في لبنان!

ووفق أرقام مكتب اليونيدك، العام المنصرم، نُفّذت 56% من مصادرات الكابتاغون في الشرق الأوسط. ولأخذ فكرة عن تلك التجارة، يمكن الإشارة إلى أن شرطة دبي صادرت في ضربة واحدة، 17 مليون حبة من تلك المادة. وتباع تلك الحبوب بسعر 10 دولارات للحبة، ما يعني أن قيمة تلك المصادرة تصل إلى 170 مليون دولار.

في ثمانينات القرن الماضي، دعمت الأمم المتحدة قراراً من "منظمة الصحة العالميّة" يقضي بوضع مادة الفينيثاللين Phenethylline (وهي المادة الفعّالة في الكابتاغون)، على لائحة المواد الممنوعة من التداول. وأدى ذلك إلى انفتاح السوق السوداء للكابتاغون، ما يشبه انفلات سوق التصنيع غير الشرعي للويسكي في أميركا إبّان فترة منعها في ثلاثينات القرن الماضي، وهي فترة شهدت ازدهاراً فائقاً للمافيات الأميركيّة التي اعتمد تمويلها آنذاك على السوق السوداء للويسكي.

الاستهلاك وقوة المال

في الشرق الأوسط، هناك طلب متزايد على الكابتاغون في دول الخليج العربي والتي يملك سكانها قدرات شرائيّة مرتفعة.

وفي ربيع 2015، صادرت قوى الأمن اللبنانيّة في مداهمة واحدة، قرابة 15 مليون حبّة كابتاغون. ولدى تتبع مصدر الحبوب، تبيّن أنها تعود إلى عصابة تضمّ سوريّين، كانت تنوي تهريب الحبوب من بيروت إلى دبي، في شحنة من أكياس الذُرَة. ونقلت مصادر إعلاميّة أميركيّة عن لؤي حسين الذي عمل سابقاً ضمن الحرس الحدود السوري في منطقة درعا، بأن النظام السوري كان "يُسرّب" عبر حدوده مع الأردن، حبوب الكابتاغون وأنواعاً أخرى من المخدرات، بهدف تهريبها إلى السعودية وبلدان الخليج العربي.

وتتقاطع المعلومات أيضاً عند القول بأن صناعة الكابتاغون وشبكات تهريبه، كانت ناشطة قبل اندلاع الصراع في سوريا، تحت إشراف نظام بشار الأسد. وكذلك ترجح أن يكون ذلك النظام استخدم مصانع الأدوية في سوريا لصنع الكابتاغون، مع الإشارة إلى أن تلك المصانع كانت المصدر الثاني للأدوية العلاجيّة في الشرق الأوسط.

وسرّبت مصادر أمنيّة لبنانيّة معلومات مصدرها مسؤولين في النظام السوري، أن منطقة حمص كانت المركز الرئيسي لصناعة الكابتاغون قبل تفجّر الصراع في سوريا. والأرجح أن الأمر تفاقم بعد العام 2011. ففي 2013، اعتقل الأمن اللبناني مهربين سوريّين أقرّوا بأنّهم اعتادوا تهريب حبوب الكابتاغون المصنّعة في منطقة حمص، خصوصاً بلدة يبرود.

وفي مطلع السنة الجارية، أظهر فيلم وثائقي عرضته "بي بي سي" العربيّة، أن شخصاً يدعى "أبو الزوز" كان يدير مصنعاً سريّاً للكابتاغون قرب حمص، بل نقلت عنه أنه رأى في الحرب السوريّة فرصة لزيادة نشاطه الإجرامي. ونقل الفيلم عينه عن "أبو الزوز" أن تلك التجارة درّت أموالاً طائلة، وذهب 6 ملايين دولار من تلك الأموال إلى فصائل سوريّة مسلحة تقاتل في حمص. وكذلك نقل الفيلم شهادات تشير إلى انتشار الكابتاغون على ضفتي الصراع في سوريا.

في السياق عينه، أوردت مجلة "فورين بوليسي" أنها قابلت أشخاصاً ممن يديرون مصانع صغيرة ونشطة للكابتاغون في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. ونقلت عن أولئك الأشخاص قولهم أن تلك المصانع الصغيرة تستطيع انتاج قرابة مليون حبّة شهريّاً، إضافة إلى إمكان تفكيكها ونقلها بسهولة. وفي لمحة ساخرة، أوردت تلك المجلة أيضاً أن أحد مصّنعي الكابتاغون قال لمراسلها ممازحاً: "إذا تركت الصحافة والتحقت بنا، ستفهم سبب انخراطنا في تلك الصناعة"!

ترك تعليق

التعليق