الطيور البرية في سوريا.. بين تهاون قوانين الأسد وجور الصيادين
- بواسطة فارس الرفاعي- اقتصاد --
- 11 كانون الأول 2015 --
- 0 تعليقات
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام صورة لسرب يضم الآلاف من طيور اللقلق تعبر فوق مسجد خالد بن الوليد في حمص غير عابئة بالدمار الهائل الذي حلّ بالمدينة وبشبح الحرب الذي يستوطن كل ركن فيها، ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان ما كانت تمثله الطيور البرية من ثروة بيئية واقتصادية في ظل قوانين متهاونة ساعدت على التفريط بهذه الثروة بدل حمايتها والحفاظ عليها.
كانت سوريا من أهم مواقع عبور الطيور وإقامتها في الشتاء ومواسم هجرتها المنظمة، وأشار كتاب طيور سورية (الدليل الحقلي) إلى وجود 394 نوعاً من الطيور منها المهاجر والعابر والمقيم والزائر صيفاً أو شتاء، إضافة إلى بعض الأنواع الشاردة أو المجبرة على تغيير مسارها واللجوء إلى الأراضي السورية أحياناً بسبب التبدلات المناخية، حيث سجل في الأعوام الأخيرة بعض الأنواع الجديدة على "فونا" الطيور الوطنية.
ويبلغ عدد أنواع الطيور المهددة محلياً وعالمياً والتي تؤم سوريا 17 نوعاً وذلك حسب مجلس الطيور العالمي وملاحق اتفاقية CITES الخاصة بتجارة الأنواع المهددة بالانقراض.
ومع بداية الحرب بدأت أعداد كثيرة من هذه الطيور سواء منها المعروفة أو النادرة بالتناقص التدريجي، ولم يقتصر انقراض هذه الطيور على المقيمة منها، بل تعدى ذلك إلى الطيور المهاجرة التي تعبر أجواء سوريا أيضاً.
ومن الطيور البرية التي كانت تزين سماء سوريا طائر الحبارى، وهو طائر طويل العنق رمادي اللون يوجد في أكثر بقاع الجزيرة العربية من الكويت حتى وادي سرحان في الأردن ويكثر في منطقة "الدوة" المحيطة بتدمر وقرى المناظر، ويعيش على الأعشاب والبذور التي تسقط منها ويُقال أنها من أشد الطير طيراناً، وأبعدها شوطاً، وذلك أنها تصطاد بالبصرة فيوجد في حواصلها الحبة الخضراء من البطم ومنابتها تخوم بلاد الشام ولذلك قالوا في المثل "أطلب من الحبارى".

ومنذ سنوات تم إحصاء 126 طائر من "البط الأبيض الرأس" النادرة في بحيرة بالقرب من حلب من أصل 10,000 طائر توجد في جميع أنحاء العالم، كما قامت ثلاث بعثات من منظمة "أوزمي" البريطانية المختصة بطيور الشرق الأوسط بزيارة بادية تدمر وحوض الفرات وطرطوس وبحيرة قطينة في حمص.
وقبل الحرب كان أمراء الخليج يأتون إلى سوريا لصيد الحباري وشراء الطيور الجارحة من سوق ساروجة، وكانوا يبيتون في الصحراء لمدة طويلة ويأخذون طيور الحباري التي يصطادوها إلى بلادهم لتوضع على موائد الطعام، ويحكي الأمير قصة صيدها ويتباهى بأن طيره نال منها ولم يستطع غيره ثم يوزعها على المدعوين.

وهناك طائر القطا الجميل الذي يعبر سوريا، وكان في السابق يستوطنها ويتكاثر فيها، وهو طائر في حجم الحمام يؤثر الحياة في الصحراء وإذا أراد الماء طار أسراباً مسافات شاسعة، وله عدة أنواع، ويتكاثر في فصل الربيع أزواجاً ذكراً وأنثى بأعداد كبيرة قد يصل السرب منها إلى عدة مئات، ولكن الآن وبسبب الصيد الجائر يمر مروراً سريعاً وعلى ارتفاعات شاهقة.
والسنونو الخطاف، وهو طائر سريع الطيران قصير المنقار في ذنبه شعبتان طويلتان و(اللقلق الأبيض) White Stork (أبو سعد) كما يسميه العامة وهو من الطيور القواطع، ويمتاز بساقيه الطويلين وعنقه ومنقاره، وكان يبني أعشاشه على أسطح المباني العالية ويتميز بأنواعه الكثيرة.
كما طال تهديد الانقراض أنواعاً من الصقور المحلية، ومنها الصقر الحر ويسميه البدو (الحر)، وهو أسرع الطيور البرية طيراناً على الإطلاق، وقد ضُرب به المثل بالسرعة ويستخدمه البدو في صيد الأرنب والحبارى وقد ازداد الطلب عليه في السنوات الأخيرة التي سبقت الحرب من قبل أثرياء الخليج عبر وسطاء يعرفون طريقة اصطياده.

وهناك (طائر أم سالم) وهو من الطيور الكوامن التي تكمن في الشتاء ولا تظهر إلا في أوائل الربيع وله صوت تغريد جميل يشبه زغرودة المرأة إلى حد ما، وبعض هذه الطيور كان الصيادون يصطادونها للمتاجرة بها وبيعها إلى الأسواق الخارجية مثل الخليجية أيضاً.
وأصدر نظام الأسد قبل الحرب العديد من القوانين بخصوص منع الصيد البري ونص بعضها على منع نزع الأعشاش أو إتلافها أو نقلها ومنع إتلاف البيوض والفراخ أو نقلها أو عرضها للبيع أو اصطياد طائر الحجل أو حجزه. ووضعت عقوبات مالية خجولة لا تكاد تساوي ثمن ثلاث طلقات ولم تكن هذه العقوبات تمثل رادعاً للصيادين كما لم يقلل قانون حظر حمل السلاح قبل الحرب من اقتناء أسلحة الصيد فبقيت بنادق الصيد تشكل أكبر تهديد للحياة البرية وطيورها.
وعلى غير المتوقع، لم توقف ظروف الحرب في سوريا من ممارسة هواية الصيد، وبث ناشطون شريط فيديو لعدد من الأشخاص يحملون بنادق صيد ويترصدون الطيور المهاجرة في أرض زراعية، وبدا أحدهم ممسكاً بطائر اصطاده وبدأ ينتف ريشه ويقول هذا هو طائر الفري "السمّان" وجلس عدد من الصيادين إلى جانب شجرة وفي وسطهم بدت أكوام من الطيور البرية المقتولة، واعترف أحدهم أن الصيد بالنسبة لهم هواية ونوع من الترفيه، وذكر الصياد أن الطيور تهاجر من جنوب اليمن إلى شمال سوريا في الشهر الثامن من كل سنة وبعد الاصطياد يقوم هو وأصدقاؤه بنتف هذه الطيور وشويها، وأشار الصياد إلى أن "هناك أربعة أشهر يتكاثر فيها الطائر ويبيض ويولد ولا يجوز الصيد فيها"، وبدت العديد من الطيور الصغيرة وهي تُشوى على النار.
التعليق