سوريّ يحتال على المئات في مصر، بملايين الدولارات.. ويهرب


ما ستقرأه في هذا التقرير ليس لوحة من لوحات مسلسل "مرايا" السوري الشهير، وإنما قصة حقيقية تتشابه في خيوطها مع حلقة "الفلهوية" التي كتبها زياد الريس في مسلسل مرايا عام 1999، مع اختلاف الأماكن وتشابه الطريقة.

القصة كما رواها لنا أكثر من ضحية تتمحور حول شخص سوري مقيم في مصر منذ خمس سنوات، في مدينة السادس من أكتوبر، ويدعى (س، ص) والشهير بـ "أبو صالح"، من منطقة الميادين بدير الزور، ويعمل في مجال استيراد الرخام، ويمتلك محلاً تجارياً ضخماً لذات الغرض باسم (الدمشقي العريق)، بالقرب من منطقة الحصري.

 أحد الضحايا يروي لنا كيف بدأت القصة: "بدأ أبو صالح بالتقرب من رجال الدين والشخصيات العامة السورية في مصر ليكسب ثقة الناس به، ويصبح شخصية معروفة اجتماعياً، مستغلاً  نشاطه التجاري لاستقطاب السوريين في مصر وتشغيل أموالهم معه في استيراد الرخام والتجارة به في مصر عبر طلبيات كبيرة يقوم بشحنها بالسفن إلى الموانئ المصرية ويمنح ربحاً يصل شهرياً إلى 25 بالمئة من رأس المال المودع لديه".

ويكمل محدثنا: "شهراً بعد آخر، ازدادت ثقة الناس به وخاصة أنه كان يسلم الأرباح لهم في الموعد المحدد، ويقيم كل فترة مأدبة عشاء أو غداء ضخمة يدعو فيها الأشخاص الذين يشغلون أموالهم لديه مع عائلاتهم لتزداد ثقتهم به، ويبدأ كل شخص بترك المبلغ الذي أودعه لديه مع أرباحه طمعاً بزيادة الأرباح، وبعضهم باع كل ما يملك ووضعه مع أبو صالح لاستثماره إضافة إلى نصح الأصدقاء والمقربين بتشغيل أموالهم معه كونه شخص موثوق وصادق في تعامله، مما زاد عدد ضحاياه بمدة قياسية، وفي النهاية، في يوم وليلة، ترك مصر وغادر إلى دولة عربية مع عائلته وأطفاله، تاركاً خلفه آلاف الضحايا".

حول نفس القصة، التقى "اقتصاد" بالسيدة "ابتسام"، وهي سورة مقيمة في الحي السادس بمدينة أكتوبر، وهي إحدى ضحايا "أبو صالح"، وقد حدثتنا: "أقيم في مصر مع أولادي الثلاثة. نصحني أحد أقاربي بتشغيل أموالي معه، وبالفعل بعت مصاغي الذهبي وجمعت كل مدخراتي من عمل أولادي وقيمتها قرابة 6 آلاف دولار أمريكي وسلمتها له منذ ثلاثة أشهر، وبعد شهر من تعاملي معه سلمني أرباح بلغت قرابة 2500 دولار أمريكي، مما دفعني إلى بيع منزلنا في دمشق ووضع قيمته معه في تجارة الرخام كما كان يقول لنا، ونصحت جيراني وأصدقائي بالتعامل معه لما أظهره لنا من ثقة، وحسن تعامل، وورع وتقوى، وكرم. خدعنا بالمظاهر جميعاً، فقد كان محله التجاري في منطقة معروفة، وهو شخص معروف وله علاقات اجتماعية كبيرة مع السوريين والمصريين على حداء سواء، وسافر من مصر لعدة مرات وعاد، مما زاد ثقتنا به، بأنه لن يقوم بالاحتيال علينا، وكذلك بحكم العلاقة التي بناها مع ضحاياه بالتعرف على عائلته وإقامة أكثر من مأدبة طعام كان فيها كرمه مبالغ فيه، ولكنه خدعنا بكل هذه الوسائل".

وتكمل محدثتنا: "خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة زاد عدد الناس التي شغلت نقودها معه بشكل كبير وبخاصة في الأحياء الفقيرة من الناس البسطاء مثل بيت العيلة، والحي السادس بمدينة السادس من أكتوبر. وبالنهاية هرب ولا نعرف عنه شيئاً".

قصة الهروب

يحدثنا "أبو حازم"، وهو أحد الضحايا أيضاً، عن قصة هروب "أبو صالح"، بالقول: "خلال الفترة التي سبقت اختفاء الرجل كان يسافر خارج مصر بكثرة ويعود ليقوم – حسبما أعتقد- بترتيب نقل الأموال التي جمعها، وترتيب إقامته في دولة أخرى، بعد أن جمع ملايين الدولارات من الناس، سوريين ومصريين. وبعد أن اختفى لفترة وأغلق محله التجاري تواصل معه عدد منا، وكان رده أنه حاليا ًخارج مصر، وأنه ممنوع من دخول مصر بعد أن حصلت معه مشكلة في شحنة رخام قادمة إلى مصر، وتم حجزها في الموانئ المصرية وقيمتها ملايين الدولارات وبالتالي لن يستطيع العودة إلى مصر لحل هذه المشكلة وإعادة الأموال للناس وأن الأمر خارج عن إرادته".

ويكمل "أبو حازم": "بعدها غيّر أرقام هواتفه وأصبح التواصل معه مستحيلاً، وبدأت الناس التي شغّلت أموالها معه تتصل ببعضها، ونُشرت على صفحات التواصل الاجتماعي للسوريين عدة منشورات فيها صورته وقصة احتياله على الناس من الذين أعطوه أموالهم دون أي إثبات قانوني يثبت استلامه لهذه الأموال. وعلى هذه المنشورات بدأت الناس التي احتال عليها تكتب تجربتها، ليتضح أن ضحاياه سوريون ومصريون، وأحد الأخوة المصريين شغل معه ملايين الجنيهات وحتى أنه بموجب شركته التجارية سحب قرضاً من أحد البنوك المصرية يبلغ مليوني جنيه مصري".

ويختم محدثنا: "لم تنته القصة هنا وإنما امتدت لأن يقوم أبو صالح بالاتصال بالأشخاص الذي نشروا عنه وتهديدهم بالانتقام إن استمروا بمنشوراتهم، ويدعي أن ما حصل خارج عن إرادته وأنه خسر كل الأموال في الشحنة الأخيرة دون أي وعد أو تعهد منه بإعادة هذه الأموال لأصحابها. وآخر ما وصلنا عنه أن يقيم في دولة عربية مجاورة لسوريا مع عائلته، وبحماية من شركة أمن خاصة في تلك الدولة، ليذهب حقنا وأموالنا معه في عملية احتيال دمرت مئات العائلات وسلبتهم أموالهم ومدخراتهم".

الرأي القانوني

لمعرفة الرأي القانوني في هذه القضية التقى "اقتصاد" بالمحامي المصري عصام حامد، والذي حدثنا: "بالفعل الحادثة حقيقية، وشخصياً تواصل معي عدد من المجني عليهم ونعمل على استكمال ملف القضية لرفعها أمام المحاكم المصرية ذات الاختصاص، وما يمكننا نصح الناس به في مثل هذه القضية إذا كان المجني عليهم معهم إيصالات أمانة فهنا نحرر محضر جنحة خيانة أمانة بموجب هذه الايصالات، أو يمكن كذلك وهو التكييف القانوني الأفضل، تحرير عدة محاضر وتقديم بلاغات بتهمة تلقي أموال وهي جناية توظيف أموال، وهذه الجناية تقوم في الشركات غير المرخص لها بالعمل في تلقي الأموال في حالة تلقي أموال من الأشخاص سواء بطريق الإعلان بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا قد تصل العقوبة  للجاني إلى السجن ١٥ سنة بالإضافة إلى الحكم برد المبالغ التي تلقاها من الأشخاص، وفي حالتنا الماثلة يمكن التنفيذ على المتهم بعد صدور الحكم عن طريق الانتربول في أي دولة كان يقيم فيها، بل وإذا كان يقيم في إحدى البلاد العربية يمكن التنفيذ عن طريق تفعيل اتفاقية تنفيذ الأحكام التي صدّقت عليها البلاد العربية".



ترك تعليق

التعليق