خيارات مُرّة للروس في سوريا


يبدو ذلك السجال الروسي – الغربي، في أروقة الأمم المتحدة، بخصوص "إعادة إعمار سوريا"، أبرز مؤشر يؤكد أن الروس ربما غرقوا في مستنقع، أكثر مما هم، حققوا انتصاراً. ويبدو أن الغرب يعتزم حشر الروس في خيارات جميعها مُرّ، في سوريا. وعلى الروس أن يختاروا أحدها.

أحد تلك الخيارات، ترك ما يُسمى بـ "سوريا المفيدة"، للأسد ولحلفائه الروس والإيرانيين. لكن "سوريا" هذه، لا يوجد فيها شيء مفيد. لا نفط، ولا غاز إلا بكميات محدودة، مقابل ديمغرافيا ضخمة. فيما يُعمل الجيش الأمريكي نشاطه المحموم للسيطرة على مكامن الثروات في شمال شرق البلاد، عبر دعم ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية".

وهكذا، قالها البريطانيون بصراحة، فجّة. على لسان وزير خارجيتهم، ومن محفل الأمم المتحدة، السنوي. لن ندعم إعادة إعمار سوريا، مع بقاء الأسد. الروس اعتبروا ذلك تسييساً لعملية ذات بعد إنساني، حسب وصف نائب وزير خارجيتهم.

وحينما يلجأ الروس لاستخدام الأبعاد الإنسانية، فهو تعبير عن الضعف، لا القوة. فتصريحات نائب وزير خارجيتهم في نيويورك، تعبّر عن الشعور الروسي بالمأزق السوري. فالمناطق التي سيطر عليها النظام، حتى الآن، غير كفيلة بمنحه الموارد الكافية للصمود. وحالة الدمار التي تعيشها البلاد، دون وجود موارد لإعادة الإعمار، تعني أن روسيا ورثت مساحة نفوذ مدمرة، وسيطرت على دولة فاشلة.

وكشكلٍ من أشكال المقاومة لهذا السيناريو، يسارع النظام، بغطاء روسي، للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب النفطية في دير الزور. لكن الأمريكيين غير مستعدين، فيما يبدو، على ترك هذا الحيز الضئيل من الثروة السورية، للنظام وحلفائه. وهكذا، تسارعت خطوات "قسد" المدعومة أمريكياً، لتسبق النظام وحليفه الروسي، وتبدأ في اقتناص ثروة دير الزور الباطنية، واحدة تلو الأخرى. بدأ الأمر، صباح السبت بـ معمل وحقل غاز كونيكو، أكبر حقل غاز في دير الزور. ومن غير المتوقع أن يتوقف قبل أن يصل إلى حقل العمر، أكبر حقول النفط السورية، على الإطلاق، الذي هو الآن، على الأغلب، في مرمى الأهداف "الكردية"، برعاية أمريكية.

فهل ستذهب روسيا للصدام المباشر مع الأمريكيين، لتجنب سيناريو وراثة "سوريا فاشلة"؟.. ذاك ثاني سيناريو مرّ، مُتاح للروس. وهم يلوحون به، تحت ذريعة ملاحقة فلول تنظيم "الدولة". إذ حذّر وزير الخارجية الروسي، الأمريكيين، مرة جديدة، من أي استهداف لقوات النظام، المدعومة روسياً.

السيناريو الثالث المتاح للروس في سوريا، هو الوصول بالفعل، إلى تسوية سياسية، تسمح بشراكة مع الغرب، في إعادة إعمار سوريا. وبالتالي، تحقيق مكاسب مشتركة، لجميع الأطراف. وذلك يتطلب حلاً سياسياً، تكون فصائل معارضة شريكة فيه. وهو حل، لا يبدو أن نظام الأسد مستعداً له. وبالتالي، فإزاحة الأسد، خيار مرّ آخر، يبدو أن الروس يخشون من تجرعه.

في خضم كل تلك السيناريوهات المرّة، يلوح من حين لآخر، سيناريو رابع مرّ أيضاً، هو أن على الروس القيام بإجراءات جادة لوقف التمدد الميداني الإيراني على التراب السوري. وإلا، فإن إسرائيل ستعمل ما في وسعها، لتنغيص المشهد على الروس.

بكل الأحوال، تكشف تصريحات المسؤولين الروس، خاصة تلك التي صدرت على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، على هامش محفل الأمم المتحدة، السنوي، عن أن روسيا تدرك، جلياً، أنها بحاجة لأموال الغرب، والخليجيين، لإعادة إعمار سوريا، وتثمير تدخلها هناك، كي يصبح مجدياً من الناحية الاقتصادية. وإلا، فإن نظام الأسد، ومناطق سيطرته، ستتحول إلى كيان عاجز، يشكل عبئاً مستديماً على الروس، وكذلك الإيرانيين أيضاً.

حتى الآن، يبدو أن الروس اعتمدوا أحد الخيارات المُرّة، والخطرة، وهي تحدّي الأمريكيين، في شمال شرق البلاد. يراهن الروس في ذلك على التردد الأمريكي حيال الأزمة السورية، والذي صبغ سياسة واشنطن منذ اليوم الأول لهذه الأزمة، وحتى اللحظة الراهنة. وهو تردد ناجم عن عدم استشعار الأمريكيين لأية أولوية ذات قيمة تتطلب المجازفة، في سوريا. لكن ذلك الإسقاط قد لا يكون مناسباً، بعدما أصبح للأمريكيين نفوذ ميداني فاعل، عبر حليف تمتنت علاقتهم به، "الأكراد"، وهم يسيطرون على أبرز ثروات البلاد. فهل سيتخلون عن كل ذلك الآن؟!

هي مجازفة دون شك.. ويبدو أن الروس اختاروها، باعتبارها الأقل مرارةً، مقارنةً بباقي الخيارات المُرّة المتاحة لهم في المستنقع السوري. لكن تلك المجازفة مفتوحة على احتمالات عديدة. قد يطيح بعضها بالكثير من المكاسب الروسية على التراب السوري.

ترك تعليق

التعليق