بعد أن حاضر بشار في الأسعار.. ماذا حدث؟


شن بشار الأسد، قبل أيام، وخلال لقائه مع اللجنة الحكومية المصغرة المسؤولة عن "التصدي" لفيروس "كورونا"، هجوماً واسعاً على التجار، والذين وصفهم بأنهم هم من يتلاعبون بالأسعار، وطالب وزارة التموين أن تتخذ كافة الإجراءات لمحاربة هؤلاء التجار، بالإضافة إلى تقديم مقترحات لقوانين من أجل زيادة العقوبات على كل من يتلاعب بالأسعار، مع إيجاد طريقة لتسهيل وصول البضائع من المنتج إلى المستهلك مباشرة، دون حلقات وسيطة كثيرة..

وتحدث بشار الأسد في ذات اللقاء، أنه منذ كان في المرحلة الإعدادية وهو يسمع عن شكوى الناس من ارتفاع الأسعار، ما يعني حسب رأيه، بأن المشكلة بالتجار وبالأجهزة الرقابية التي تتابع حركة الأسواق، وبالتالي فهو يقول، فيما معناه، أنه إذا استطعنا أن نضبط هاتين الجهتين، فيمكن الوصول إلى تخفيض الأسعار وامتصاص نقمة الناس من الشكوى جراء الغلاء.

وما لفت الإنتباه، أن بشار الأسد لم يتحدث أبداً عن وضع الليرة السورية وانهيارها السريع أمام الدولار، إضافة إلى مستوى الدخل المنخفض، على أنهما من أبرز أسباب الغلاء في الأسواق، بل ركز كل حديثه بإلقاء التهمة على التجار، وفي بعض الأحيان على وزارة التموين التي لا يوجد في قوانينها عقوبات رادعة، تحد من عمليات التلاعب بالأسعار.

بدورها، قامت وزارة التجارة الداخلية في اليوم التالي لحديث بشار الأسد، وبالتعاون مع محافظ دمشق، بإطلاق مبادرة بإرسال سيارات الشركة السورية للتجارة، إلى الأحياء وبيع الناس الخضار بأقل من نصف سعرها في الأسواق، لكنها اختارت منطقتين بدمشق فقط، وهما المزة 86 و عش الورور، ثم ادعت السورية للتجارة وأمام سيل الانتقادات التي وجهت إليها جراء اختيار هاتين المنطقتين، بأنها أرسلت سيارة أخرى إلى ركن الدين، إلا أن السكان هناك ربما لم يروها، على الرغم من أنها وقفت في إحدى الساحات العامة والشهيرة في الحي.

ثم لاحقاً لهذه الاعتراضات، نشرت وزارة التجارة خطتها لإرسال المزيد من سيارات السورية للتجارة إلى العديد من أحياء دمشق، مبررة الاقتصار بداية على حيي المزة 86 وعش الورور، بأنه لدراسة التجربة فقط.

وأعلنت السورية للتجارة بأنها باعت كل 3 كيلو باذنجان في هاتين المنطقتين بـ 500 ليرة، وكذلك البطاطا والبندورة، بينما تبلغ أسعار هذه المواد في الأسواق، أضعاف هذا المبلغ.

أما محافظة دمشق، فقد أعلنت على الفور تفعيل اقتراحها، بإنشاء أسواق شعبية في أماكن محددة أسبوعياً، يستطيع فيها المنتج أن يبيع بضاعته للمستهلك مباشرة، وهو ما سوف يؤدي بحسب قولها إلى أن يصل كيلو البندورة على سبيل المثال إلى نحو 100 ليرة، بينما يباع حالياً بأكثر من 800 ليرة..

النتيجة من كل هذه العملية، أن السورية للتجارة لم تقل كيف استطاعت تخفيض أسعارها إلى هذا النحو، مع أنها لم تعلن سابقاً بأنها اشترت مواداً من الفلاحين مباشرة، وهو الأمر الذي فسره العديد من المتابعين، بأن وزارة التجارة الداخلية، تحملت أعباء الخسارة، من أجل تخفيف الحملة الإعلامية التي تشن عليها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنها اختارت منطقتين في دمشق بشكل مدروس، حيث أن أغلب ردات الفعل الحكومية والقرارات الجائرة، غالباً ما يتم اتخاذها عبر هاتين المنطقتين، أي المزة 86 وعش الورور..!

أما محافظة دمشق، فقد توجهت العديد من الانتقادات إليها بسبب تأخرها بإطلاق الأسواق الشعبية، والتي كانت قد أعلنت عنها منذ عدة أشهر، إلا أنه اتضح أنها حتى الآن لم تهيئ البنية التحتية لعمل هذه الأسواق، ولا حتى البنية القانونية، حيث يفترض بأن يكون هناك نظام مالي وإداري يضبط العلاقة بين المحافظة وكل من يرغب بالبيع في هذه الأسواق، وهو ما لم تنجزه المحافظة إلى الآن، بحسب مصادر إعلامية من دمشق.

وأخيراً، فقد تأثر بكلام بشار الأسد وزارات أخرى، مثل وزارة الزراعة، التي قدمت بيانات غريبة عن إنتاج القمح في سوريا، إذ توقعت بأن يصل المحصول إلى أكثر من 3 مليون طن، وهو ما يزيد عن حاجة سوريا السنوية بكثير، إلا أن الوزارة لم تقدم أي خطة عملية لإقناع الفلاحين ببيع محصولهم للدولة، وتوفير الخبز للسوريين، وهو ما يعيد ذات المشكلة التي كانت تحصل في السنوات السابقة، عندما كان الفلاح يبيع محصوله لمن يدفع أكثر، بينما تضطر الدولة لاستيراد القمح من الأسواق الخارجية، وبالدولار، الأمر الذي وصلت فيه الأوضاع إلى حد بيع الخبز على البطاقة الذكية، ووفق حصص غير كافية للفرد والأسرة.

وبحسب الكثير من الفلاحين، فإن الهوة لاتزال كبيرة بين السعر الذي تدفعه الدولة لشراء القمح وبين السعر الحقيقي، وخصوصاً في ظل تراجع سعر صرف الليرة اليومي، الأمر الذي يجعل من قضية تثبيت سعر القمح عند حد معين، وهو 225 ليرة للكيلو، كما أعلنت مؤسسة الحبوب مطلع العام الجاري، مشكلة بحد ذاته، حيث أن سعر صرف الدولار في تلك الفترة كان نحو ألف ليرة، بينما الآن يزيد عن 1400 ليرة، وقد يصل إلى أكثر من هذا الرقم بكثير، ما يعني ظهور منافسين قادرين على دفع سعر أعلى من الذي تدفعه الدولة.

ترك تعليق

التعليق