تهريب طن ذهب يومياً خارج سوريا..جهاراً نهاراً

تستمر أسعار الذهب بالارتفاع عالمياً، وتختلط أوراق تسعيره في السوق المحلية السورية، ليتعبد طريق التهريب من وإلى الدول المجاورة، حيث الأرباح الآنية وتأمين القطع الأجنبي بات أهم من الحفاظ على المخزن الحقيقي للقيمة المتمثل في المعادن النفيسة.

14 ضعف الاحتياطي للتهريب
لم يتردد رئيس جمعية الصاغة السابق جورج صارجي بالتأكيد مراراً وتكراراً على أن العاملون في هذه المهنة يعيشون على التهريب "الذي يقدره صارجي بما يقارب طن يومياً أي 360 طناً سنوياً"، ما يعني أن ما يهرّب سنوياً من الذهب يزيد عن 14 ضعف احتياطي المركزي من المعدن النفيس والمقدر وفق مجلس الذهب العالمي بـ 26 طناً، والأمر ذاته سبق وأكد عليه وزير المالية السابق محمد الجليلاتي بقوله إن ما يهم الصيّاغ هو التهريب، وذلك في تعليقه على مطالبهم بتخفيض الرسوم الجمركية أسوةً بالدول المجاورة، دون تحريك أي ساكنٍ لضبط عمليات التهريب، التي باتت حقيقة طالما أن جميع أطرافها معترفون بحدوثها.

ونتيجةً لارتفاع الرسوم الجمركية يتكلف الصيّاغ حوالي 250 ألف ليرة لكل كيلو ذهب خام يتم استيراده، في حين تصل رسوم الذهب المصنع إلى 80 %، وإذا كان سعر الكيلو 5 ملايين ليرة فرسمه يصل إلى 4 ملايين ليرة، ليتجه العاملون في هذه المهنة إلى التهريب، ولا يمكن النظر لهذه العمليات على أنها تَهرُّب من الضرائب والرسوم فحسب، إنما هي عملية تفريغ البلاد من أهم حافظٍ للقيمة وهو الذهب.

أقل من السعر العالمي
وبينما يعتبر الذهب أحد أهم مراكز القوة للاقتصاد الوطني، وفي ظل تراجع الأمان بالعملة الورقية، نجد التفريط في المعادن النفيسة يسير على قدمٍ وساق في السوق السورية، والعوامل المؤثرة في ذلك عديدة، ولعل أبرزها تشوه السعر واختلافه عن السعر العالمي، وهنا يقول خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه لـ "اقتصاد":السعر يلعب دوراً هاماً في انتشار عمليات التهريب التي تضاعفت في الفترة القليلة الماضية، بسبب حاجة النظام للقطع الأجنبي واستمرار التغاضي عن عمليات التهريب، وفي السابق كانت عملية التسعير تعتمد على سعر الدولار في نشرة المركزي مضافاً إليها التكاليف، وبمقارناتٍ بسيطة بين الأسعار العالمية والمحلية كنا نلاحظ الفرق الذي لا يقل عن خمس ليرات سورية لكل غرام ذهب، ما يفتح المجال لتهريبه إلى خارج سوريا، أما حالياً يروج الصياغ أن التسعير يتم وفق سعر السوق السوداء للدولار، لكن مع ذلك يتأرجح سعر الذهب ارتفاعاً وانخفاضاً عن السعر العالمي، ويعلق أحد الصيّاغ على ذلك بالتأكيد على أنه لولا التهريب من وإلى سوريا لكانت حرفة الذهب انقرضت من البلاد منذ زمن.

فرق التوقيت فرصة للتهريب
خبير آخر لا يرغب بذكر اسمه أضاف للعامل السابق عاملاً آخر له دور هام في عمليات التهريب حيث يقول: ثاني العوامل المؤثرة في عملية التسعير والتهريب والتي يتكتم عليها كل العاملين في الذهب والجهات الحكومية، هي ساعات سبع تتمثل في فرق التوقيت بين سوريا وبورصة نيويورك التي تغلق في حدود الساعة الثالثة بتوقيت دمشق، بينما تضع جميعة الذهب أسعارها في الساعة 11 صباحاً، وبالتالي فسعر الذهب المحلي فعلياً خارج عن إطار السعر العالمي، ما يفسح المجال بالتهريب من وإلى سوريا خلال السبع الساعات الفارقة بين توقيت دمشق وتوقيت نيويورك، وهو أمر آخر يعتمد عليه المتاجرون في الذهب.
ومنذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، انتشرت عمليات التهريب بأرباحٍ بسيطة لا تتجاوز 15 ألف ليرة للكيلو الواحد، لتتضاعف اليوم وتصل الأرباح المحققة من تهريب كل كيلو غرام ذهب إلى ما يقارب 100 ألف ليرة سورية، في حين أن التكلفة لا تتجاوز 10 آلاف ليرة، وفق خبير اقتصادي اعتبر أن عمليات التهريب هذه تنتشر دون أي رقيب.

وعلى الرغم من اعتراف الصيّاغ بعمليات التهريب الضخمة التي تتم وكذلك اعتراف وزير المالية بوجودها، إلا أن المكتب السري في مديرية جمارك دمشق لم يضبط إلا ثلاث قضايا عام 2010 قيمتها مجتمعة بحدود 6 ملايين ليرة، وسبب ذلك ليس خافياً على أحد فالفساد أصل البلاء في البلاد، ولا توجد أرقام حديثة عن إجمالي ضبوط التهريب في السنتين الماضيتين.

مبررات التوجه للتهريب والتي يضعها العاملون في هذه المهنة، تتعلق وفق ما يشير أحد الصيّاغ بالظروف الحالية التي يتجه خلالها الناس إلى بيع الذهب المشغول، في حين يتجه من يريد الادخار إلى شراء الليرات الذهبية ولا يشتري الذهب المصنع، ونحن كتجار نبيع الذهب الفائض لدينا لتجار الكسر من أصحاب الملاءة المالية، ممن يقومون بقنواتهم الخاصة بتهريبه، بعد صبه في سبائك وكونه سريع الذوبان لا يمكن معرفة مصدره، أو دمغته، ولو أرادت الحكومة قطع الطريق على عمليات التهريب كان بإمكانها شراء الذهب من التجار ومن ثم التوجه إلى تصديره إن شاءت وتأمين القطع الأجنبي أو تعزيز احتياطي الذهب لديها، لأنها على علمٍ أن التجار في النتيجة لا يكدسونه في بيوتهم إنما يقومون بتهريبه. 

عملة بدلاً من الذهب
وعلى الرغم من إغلاق ما يزيد عن 90 % من ورش الذهب بسبب ارتفاع الأسعار التي شهدها الذهب خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن عمليات التهريب مستمرة، حسب ما يخبرنا أحد الصياغ الذي يرفض الدخول في هذه العملية لاقتناعه بأهمية بقاء الذهب في البلاد، كونها ليست كأي سلعة نقوم بعملية استبدالها، فما نبيعه اليوم من الذهب سنتحسر عليه في الغد القريب.

ويلتقي خبراء الاقتصاد عند الفكرة نفسها، حيث يقول خبير مالي لا يمكننا المقارنة بين الدولار والذهب، كونها ستقع حتماً في مصلحة المعدن النفيس، لا يمكن الاعتماد على العملة الورقية كحافظة حقيقية للقيمة، بينما يمكننا الاعتماد على الذهب لتحقيق ذلك، فأمان الذهب أبقى من أمان العملة، حتى لو كانت دولار، الذي لا يجوز تفضيله على الذهب.

والمفارقة أن سوريا تفرّط في ذهبها في الوقت الذي اتجهت فيه الدول العالمية لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 نحو ادخار الذهب في مصارفها المركزية ليكون أحد أعمدة اقتصادها وهو ما أدى للقفزات العالية التي شهدها الذهب خلال السنوات القليلة الماضية، وتعتبر سوريا من الدول الأقل ادخاراً للذهب، فبينما يحتفظ لبنان بما يقارب 186.8 طن من الذهب والسعودية بـ 143 طناً، نجد سوريا تحتفظ في مصرفها المركزي فقط بـ 26 طناً.

ترك تعليق

التعليق