من هم "الوسطاء السريّون" الذين اعتمدهم المركزي؟

تولت صفحات مقربة من النظام، في "فيسبوك"، نقل أنباء عن إجراءات "نوعية" اتخذها مصرف سوريا المركزي في جلسة التدخل التي عقدها اليوم الثلاثاء، بغية الحد من ارتفاع الدولار مقابل الليرة.

ونقلت صفحات مثل "وسيط الصرافة السوري"، والصفحة الرسمية لـ"جمعية الصاغة"، أنباء عن أن المركزي قرر التدخل المباشر في أسواق الصرف من خلال بيع الدولار للسوريين، للأغراض التجارية، وغير التجارية أيضاً. لكن تلك الصفحات عقبت بأن المركزي لم يعلن عن السعر الذي سيبيع به الدولار، على أن يتم الإعلان عن السعر يوم الغد.

وحسب تلك الصفحات، فإن المركزي سيبيع الدولار للسوريين عبر المصارف ومؤسسات الصرافة، بالإضافة إلى البيع عن طريق "وسطاء سريين" للمركزي، وبكميات كافية.

النقطة الأخيرة، الخاصة بأن المركزي سيعتمد "وسطاء سريين" للتدخل في سوق الصرف، أثارت الكثير من الجدل في أوساط المعلقين والمتابعين على الصفحات ذاتها.

وتساءل بعضهم، من هم هؤلاء "الوسطاء السريون"؟، فيما أشار آخرون إلى أن المركزي يعتمد على مكاتب صرافة محددة متعاونة معه، وتمثل مصالح حيتان النظام ومسؤوليه.

ولم يصدر أي توضيح من تلك الصفحات حول طبيعة "الوسطاء السريين" الذين سيعتمدهم المركزي، لكن مجمل ما نقلته تلك الصفحات بهذا الخصوص يُوحي بأن المركزي سيبيع الدولار للسوريين عن طريق صيارفة محددين، لن يكشفوا عن هويتهم بأنهم مرتبطون بالمركزي.

ما سبق يحمل أحد تفسيرين، الأول أن المركزي يريد بث الخوف في أوساط المتاجرين بالدولار، عبر إيهامهم بأن هناك صيارفة متعاملين مع المركزي يرصدون عليهم صفقاتهم، ما قد يشكل تهديدات أمنية لهم، خاصة بعد ما شهدته الأيام القليلة الماضية من حملات أمنية استهدفت بعض كبار التجار في أسواق دمشق بذريعة البحث عن العملة الصعبة والبضائع المهربة في مخازن ومحال هؤلاء التجار. بكلمة أخرى، فإن الحديث عن "وسطاء سريين" للمركزي سيبيع عن طريقهم الدولار، مجرد "حرب نفسية" مع تجار العملة غايتها فرملة نشاطهم.

أما التفسير الثاني، أن المركزي يعتمد ثُلة من الصيارفة الذين يمثلون حيتان النظام، والذين سيستفيدون من تجارة الدولار بتواطؤ شبه علني من المركزي، وهو تفسير يتفق مع كثير من التحليلات التي ترى أن ارتفاع الدولار في الآونة الأخيرة ما هو إلا نتاج مضاربات شركات الصرافة المرتبطة بالمركزي، وبالتالي، بحيتان النظام.

بكل الأحوال، لم يتم الكشف عن أية معلومات تفصيلية بخصوص الآلية التي ستتم بها عملية بيع الدولار لعموم السوريين، ومن بينهم التجار، لكن الصفحات المُشار إليها آنفاً، تحدثت عن أن التفاهم جاري حالياً، مع شركات ومكاتب الصرافة، لوضع ضوابط محددة لعملية البيع، مضيفة أن المركزي بدأ منذ صباح اليوم الثلاثاء التدخل في سوق القطع بشكل مباشر، وفق "أساليبه الخاصة غير التقليدية".

العبارة الأخيرة، هي الوحيدة التي وردت في خبر بوسيلة إعلامية رسمية، هي "سانا"، الخاضعة للنظام، والتي لم تتحدث نهائياً عما أشارت إليه الصفحات الموالية للنظام في "فيسبوك". واكتفت "سانا" بتأكيد خبر رفع سقف تمويل إجازات الاستيراد عبر مؤسسات الصرافة من 150 إلى 300 ألف دولار أمريكي للشخص الواحد، وذلك بالتوازي مع التمويل الساري عبر المصارف لكل إجازات الاستيراد.

وأضافت "سانا"، أن "المركزي بدأ منذ صباح اليوم بالتدخل بشكل مباشر في سوق القطع وفق أساليبه الخاصة غير التقليدية وهو بصدد الإعداد لضوابط مدروسة للتدخل في سوق القطع الأجنبي عبر مؤسسات الصرافة".

بكل الأحوال، وإن صح خبر تدخل المركزي بشكل مباشر، وعودته إلى آلية بيع الدولار للعموم، عبر مؤسسات الصرافة، وبأسعار تقل قليلاً عن السعر الرائج للدولار في السوق السوداء، فهذا يعني أن المركزي فقدَ الأمل من جدوى التركيز على تمويل المستوردات كوسيلة للجم صعود الدولار، وقرر الانتكاس مرة أخرى إلى طريقته القديمة المعهودة، وهي زيادة العرض من الدولار في السوق، بغية خفض سعره.

لكن، تبقى التساؤلات حول مدى قدرة المركزي على تحقيق ذلك، خاصة وسط ما يُشاع بأن المركزي لم يعد يملك احتياطيا من القطع الأجنبي يخوله القدرة على التدخل بشكل مباشر عبر بيع شرائح من الدولار، ناهيك عن أن هذه الوسيلة أثبتت فشلها على المدى البعيد، حيث إنها أدت إلى ثراء تجار العملة، ولم تمنع الدولار من الارتفاع.

إن صح هذا الخبر، فهذا يعني أن المركزي يشعر بخطورة غير مسبوقة تعيشها الليرة السورية، بصورة تدفعه للتضحية بكميات كبيرة من القطع الأجنبي في سبيل وقف تدهور سعرها، ولو بصورة مؤقتة، على المدى القريب فقط. أما على المدى البعيد، فالنتيجة، رغم كل محاولات المركزي، واحدة، وهي أن الليرة في طريقها للمزيد من التدهور.

ترك تعليق

التعليق