عيد العمال كما لم تسمع به من قبل
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 01 أيار 2016 --
- 0 تعليقات
كان النظام السوري يحتفل بعيد العمال على غرار الدول الاشتراكية التي تعطي لهذه المناسبة أهمية كبيرة..
ففي كل عام، في الأول من أيار، كان يجمع الآلاف من العمال في صالة الفيحاء بدمشق ليلقي عليهم المسؤولون الخطب النارية التي تذكرهم بالانجازات التي تحققت لهم في ظل الحركة التصحيحة المجيدة..
ثم بعد أن يخرجوا من الصالة يهيمون على وجوههم بحثاً عن وسائل النقل التي تقلهم إلى بيوتهم، فتتعرقل حركة المرور بدمشق، ويحدث ما يشبه الفوضى في المدينة..
كان مشهد العمال الخارجين من الصالة، كافياً لتأخذ فكرة عن حال هذه الطبقة في سوريا.. أما من تتاح له فرصة الدخول إلى الصالة فالفكرة بكل تأكيد سوف تكون أشمل وأعم..
مرة، كان لي "شرف" حضور هذه المناسبة في الصالة وبالقرب من المسؤولين، الذين يجلسون عادة على منصة مميزة تحيط بهم رجال الشرطة والورود والأعلام والزينة.. بينما تتقدمهم طاولات ملأى بعدد من المشروبات والفواكه الطازجة.. وعلى المدرجات كان يجلس "الأخوة" العمال وهم يلبسون زياً موحداً، عبارة عن بدلة كحلية، بمقاسات مضحكة، إذ نادراً ما يرتدي العامل بدلة على مقاسه، فإما أن تكون كبيرة جداً عليه أو قصيرة.. وبعض كبار السن من العمال، كانت البدلة تبدو عليه كما لو أنها كفن، لولا لونها..!!
التحضير لهذا الاحتفال يتم عادة قبل أكثر من شهر من المناسبة، باشراف الاتحاد العام لنقابات العمال وبمشاركة النقابات العمالية الأخرى، وينقله التلفزيون على الهواء مباشرة.. والأهم في هذا الاحتفال أن يتعلم العمال الهتافات وأوقات التصفيق، وهي مسألة ليست هينة أن يتم تعليمها لعامل مسحوق لا يعنيه كثيراً ما هي القضايا المصيرية التي يواجهها بلده..!!
قال لي مرة أحد رؤساء النقابات: إننا نخشى أن يصفقون عندما يصرخ المسؤول في خطابه عبارة "العدو الصهيوني الغاشم" فيظنونها تستحق الثناء..
المهم في ذاك الاحتفال، كان أبرز الحاضرين هم، الأمين القطري المساعد للحزب محمد سعيد بخيتان، ممثلاً لرئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، حينها، ناجي عطري.. وكلاهما كان يشعر بالقرف من كل هذه المناسبات..
سأل بخيتان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في صالة الاستقبال قبل الدخول إلى الصالة الرئيسية: ما هي مدة الاحتفال..؟، فرد الأخير: ليس أقل من ثلاث ساعات..
بلع ريقه بخيتان ثم نظر إلى ساعته مردفاً: حاولوا اختصاره لأنه لدي ارتباطات مهمة..
نادى رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال على أحد المسؤولين عن الاحتفال، وهمس في أذنه طالباً منه اختصار العروض الفنية.. وبدأ التراكض داخل الصالة، والأحاديث الجانبية بين المشرفين على الاحتفال، وكانت تبدو ملامح العصبية على بعضهم، بسبب أن البعض يحاول أن يوصل للآخرين بأنه تلقى تعليمات من مصادر عليا، لا يستطيع الإفصاح عنها، بضرورة اختصار الفقرات الفنية للحفل..
في هذه الأثناء امتدت يدا بخيتان إلى مصنف كان موضوعاً أمامه على الطاولة فيه مجموعة من الأوراق.. أخذ يقرأها ويشطب على فقرات كثيرة منها.. على ما يبدو أنها الكلمة التي سوف يلقيها في الحفل..
دخل الرفاق إلى الصالة الرئيسية، فهب الأخوة العمال وقوفاً، وبدأت الصيحات والهتافات والتصفيق، بينما كان صوت مقدم الحفل يلعلع بعبارات مستعارة من عهد بائد..
خلاصة القول، كان الجميع مقتنعون أنه بعد العام 2000، لم يعد لهذه المناسبات أي طعم أو لون أو رائحة.. إنه عصر رامي مخلوف، والاستثمارات والأموال الطائلة.. إنه عصر الرئيس "الشاب" الذي كان يعتبر كل هذه النقابات بما فيها الحزب، من الحرس القديم ومن مخلفات والده.. والكل كان يعلم برغبته في تحطيمها..
لذلك على مدى عشر سنوات من حكمه لم يحاول أن يحضر أي من هذه المناسبات ويلقي فيها الخطابات كما والده.. كما أنه لم يفعل ولا مرة أن وجه التحية لها في نهاية خطاباته كما كان يفعل والده أيضاً..
والسبب، أن بشار كان متأكداً أن الناس تنظر إليه على أن حافظ أسد هو الذي مازال في السلطة.. بينما هو كان، عبر هذه الرتوش الصغيرة، يريد أن يوصل رسالة بأنه يختلف عن أبيه.. لكنه في النهاية شابه أباه في الجريمة، بل وفاقه بأشواط كثيرة..

التعليق