واقع الليرة السورية في جولة الـ "600"


بعد سلسلة من عمليات الهبوط البسيطة والمتوسطة لليرة السورية انطلاقاً من حاجز الـ/500/ ليرة للدولار الأمريكي الواحد، وصولاً لسعر الـ/550/ ليرة على امتداد الشهر الماضي، وما إن صدر بيان عن مصرف سورية المركزي في مساء يوم الإثنين 3/5/2016 ذكر فيه أن مصادر في السوق أشارت إلى "ازدياد الطلب التجاري من قبل المستوردين المتعاملين مع السوق السوداء لترميم مخازنهم بالسلع، ولا سيما عبر التهريب تزامناً مع اقتراب شهر رمضان الكريم"، حتى بدأت في صباح اليوم التالي (الثلاثاء) حالة من الفوضى الشديدة تعتري سعر صرف الدولار في إطار بعدين اثنين: الأول بُعد سعري حيث عانت الأسواق بصورة عامة من حركة تذبذب واضحة في سعري البيع والشراء، والثاني: بًعد مكاني متمثل بوجود فوارق غير طبيعية، بل ومستغربة في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بين مختلف المناطق السورية، حيث وصل الفارق في سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد بين بعض هذه المناطق إلى /25/ ليرة، حيث كانت الحدود العليا لسعر الدولار في مناطق سيطرة كلٍ من تنظيم الدولة الإسلامية والوحدات الكردية، وسط معلومات أشارت إلى اختراق الدولار لحاجز الـ600 ليرة مساء الأربعاء 4/5/2016 في بعض مناطق سيطرة التنظيم.
 
وبالتزامن مع حالة الفوضى تلك، والتي بدأت في يوم الثلاثاء 3/5/2016، كان حاكم مصرف سورية المركزي (أديب ميالة) قد أورد في تصريح  له معلومة بدت غريبة بعض الشيء، لكنها على مستوى البيانات الرسمية التي اعتدنا عليها في السنوات الخمس الماضية، حيث أكد على أن "موجودات مصرف سورية المركزي في تحسن مستمر وكافية لسد الاحتياجات"، فيما يشبه إعلان تقييم بل حكمٍ ذاتيٍ بنجاح استراتيجيته التي كان قد أعلنها في وقت سابق، والتي تهدف إلى جعل تدخل مصرف سورية المركزي أقل مباشرةً، مستهدفاً حماية الليرة السورية عن طريق التدخل لتخفيف الطلب على الدولار لأغراض تجارية، والتي أطلقت على ما يبدو تسهيلات ائتمانية بالدولار لعدد من التجار ورجال الأعمال، في طريقة جديدة ومبتكرة من طرق تقديم الدعم المخصص لهؤلاء.

وفي تصريحه الذي ربما يغدو تاريخياً خلال ساعات، وبمقابل عطاءات استراتيجيته المشار إليها أعلاه للفرقة الناجية بالنسبة للنظام من التجار المرضيين، جدد (ميالة) دعوته بقية الرعية من المواطنين إلى "تقديم شكوى إلى ديوان المصرف المركزي موجهة للحاكم مباشرة، في حال لم تلب شركات الصرافة التي اشترت القطع الأجنبي بغرض التدخل طلباتهم شراء القطع الأجنبي"، مبشراً هؤلاء المواطنين من الرعية بأن مصرف سورية المركزي مستمر "بعملية التدخل في سوق القطع الأجنبي بشكل يومي، عبر المصارف وشركات الصرافة"، ومؤكداً على "جاهزيته لتلبية كامل حاجة السوق من القطع الأجنبي مهما بلغت، لغرض تمويل المستوردات والاحتياجات غير التجارية المبررة كالطبابة والدراسة".

ولكي نكون موضوعيين لابد أن نشير إلى أن الدولار قد حقق ارتفاعاً ملحوظاً اليوم الأربعاء 4/5/2016 في مختلف الأسواق العالمية مقابل انحدار لسعر الذهب. ولكن وفي إطار الموضوعية ذاتها لابد أن نذكر أن هذا الارتفاع تراوح حول (1.25%) في مختلف تلك الأسواق الدولية، أما بالنسبة لليرة السورية فإن ارتفاع سعر صرف الدولار قد تجاوز في بعض المناطق حاجز الـ (5%)، وبمعدل (3%) في دمشق ذاتها؛ لتستمر الليرة السورية في معاناتها المزدوجة أمام الارتفاعات المتناوبة لكل من الدولار والذهب، والتي اتسمت بها ساحة الاقتصاد الدولي خلال الأشهر الخمس الماضية، في إطار التنافس التكاملي بين هذين الملاذين الآمنين، لتصنع هذه الارتفاعات المتناوبة من الليرة السورية صورة هزلية لمصارعٍ هاوٍ مثخنٍ متعبٍ وهرم، يترنح في حلقة المصارعة، ويتناوب عليه فيها مصارعان دوليان قويان، في مباراة يشرف عليها ويديرها طاقم تحكيم وطني، مرتشٍ فاسدٍ ورخيص.

ترك تعليق

التعليق