لماذا الاحتفاظ بالفاشلين في بوتقة نظام الأسد؟

لا يمكن لأي سوري أن ينسى الطريقة الذي تم عبرها إقحام (بشار الأسد) في حياتنا العامة.. فهو جاء من الفجوة المعلوماتية الواسعة التي كانت تشكل إحدى أهم مساوئ حياتنا العلمية والعملية في أواخر التسعينيات.
 
لقد جاء بشار ومعه (كمبيوتر) مترأساً ما سمي "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"، والتي كانت قد تأسست لتكون أحد مداخل أخيه الراحل (باسل) في مشروع التعريف به للسوريين ضمن إرهاصات التوريث الأولى، ولكن (باسل) أهمل هذا المدخل لانشغاله في عالم الفروسية، العالم الذي بدا أكثر تشويقاً وسهولة وتكلفة، في التسويق له.

بشار الذي لم يتجرأ أن يغامر ولو بصورة مع حصان، فضل أن يبق على الأرض دائماً، فهو ليس فقط، لم يكن فارساً كما كان (باسل)، بل لم يكن مظلياً أيضاً، وعندما حاول أن يندفع قافزاً على فجوة المعلوماتية، سرعان ما بدى شكله "كاريكاتورياً" إلى حدٍ بعيد، حيث كان شخصياً يبدي استغراباً واندهاشاً كبيرين وهو يقف أمام حاسوب يقوم أحدهم بشرح بعض مزاياه.

وبالتأكيد لم يكن غريباً أن يفشل بشار في ثورته العلمية المعلوماتية التاريخية، بل لم يكن غريباً أيضاً في أن يؤدي فشله إلى التأثير إيجابياً على مشروع توريثه، فأبوه (حافظ) كان طياراً ولم يقم في يومٍ ما بعملية قصف أو استطلاع واحدة للعدو، وكانت الرتب العسكرية تعلو كتفيه الواحدة تلو الأخرى، ولا ننسى كيف كانت هزيمة حزيران التي كان (حافظ) خلالها وزيراً للدفاع، سبباً في ترقيه لرتبة "فريق"، وأهلته لكي يقود سوريا بأجمعها لكي تكون فرداً من عائلته فتغدو مجرد "سوريا الأسد".

إذن، فالفشل في ظل نظام الأسد هو الفرصة الأقوى للبقاء والترقي، ولم يكن لبشار أن يحتفظ بهذه الميزة لنفسه فقط، بل حرص على تعميمها على بعضٍ من أهم أركان حكمه: السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وفي الواقع كانت الثورة فرصة ثمينة لتطبيق غير مسبوق لعقيدة "آل أسد" الفكرية والتاريخية في استبقاء وترقية الفاشلين، فبشار كما أبوه يدرك أن الفاشل هو دائماً بحاجة سيده وأن السمع والطاعة لديه تتناسب طرداً مع الوقت، مع ازدياد الأخطاء التي تضغط نحو المزيد والمزيد من الانصياع والرضوخ، وهو موقف بشار ذاته أمام أسياده، وإن بصورة أكثر اتساعاً وأبعاداً وتأثيراً.

فمثلاً إن استبقاء بشار لـ(أديب ميالة) في منصب حاكم مصرف سورية المركزي، هو كاستبقاء (بشار الأسد) نفسه على رأس النظام من قبل أسياده، وضمن الاعتبارات نفسها المذكورة أعلاه، وذلك ضماناً لتأمين الاستمرار بلا حدود في مشروع تدمير سوريا وإرجاعها عشرات السنيين نحو الوراء.

وهكذا فإن (أديب ميالة) يعرف تماماً أنه ما دام يؤدي ما عليه من موجبات السمع والطاعة، والتي يشرف وفقها على أكبر عملية اختلاس تتعرض لها سوريا منذ نشأتها، فإنه لا وجود لشيءٍ آخر مهم في تقييمه وتقييم ما آلت إليه أوضاع ميدان عمله.

 فالفاشلون في ظل نظام الأسد لا يتم استبدالهم، ولهم أن يختاروا مصيرهم بين الانتحار أو الاغتيال أو السير حتى النهاية مع سيدهم الصغير وريث سيدهم الأكبر، الفاشل الأول بشار حافظ الأسد.

ترك تعليق

التعليق