حالات الحصار وقطع الطرقات التجارية تدعم الليرة السورية

يلاحظ المتتبع لأسعار الصرف في المناطق المحاصرة انخفاضاً بارزاً في سعر صرف الدولار، وبلغة اقتصادية مختصة انخفاضاً في تقدير قيمته الحقيقية لصالح الليرة السورية، وبالتالي فإن هذه الأخيرة تكون بقيمة أعلى مما يجب أن تكون عليه، في احتساب قيمة كل ما هو موجود داخل هذه المناطق، وهذا الأمر طبيعي باعتبار أن هذه المناطق مهددة وفيها حياة بؤس غير مسبوق في تاريخ سوريا، أضف إلى أن العرض من الدولار في تلك المناطق يكون أكبر من الطلب، لأن الليرة السورية في المناطق المحاصرة تكون مطلوبة لدفع قيمة المهربات القادمة من المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث يعزف المهربون عن تقاضي قيمة مهرباتهم بالدولار، وذلك ليس دعماً لليرة السورية بالتأكيد، وإنما خوفاً من المُصادرة إذا ما وقعوا بيد الأمن والجيش أثناء عملهم لأن التحويل بين المناطق المحاصرة وسيطرة النظام خاضع لرقابة أمنية مشددة، حيث تبقى المبالغ بالليرة السورية على ضخامتها أقل عرضة للمصادرة، كما أنها لا توقعهم في الجرم الذي غدا عرضة له كل من يحمل الدولار ويتعامل به في مناطق سيطرة النظام.

ولعل تفاصيل هذا الواقع أفضت إلى فكرة خطيرة يتم الاستفادة من تطبيقها في وقف انهيار الليرة السورية التي كان يُتوقع أن تنهار عشية تقرير البنك الدولي حول نفاد الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية لدى مصرف سورية المركزي، لا سيما إذا عرفنا أنه تزامن مع بدء موسم زيادة الطلب على السلع الغذائية الرمضانية، والتي يتم استيرادها من الخارج ودفع قيمتها بالدولار.

وأنا لا أقول أن قطع الطرق الواصلة بين مناطق السيطرات العسكرية المختلفة في ريف حلب الشمالي وشمال شرق سوريا، وعرقلة تسيير البضائع في الطرق التي لا يسيطر عليها النظام، تتم دعماً لليرة السورية ومن أجل هذا الهدف دون غيره، فالواضح أن لهذه الأعمال أهداف أكبر، ولكن خطة "صيد أكثر من عصفور بحجرة واحدة" ليست بعيدة عن هذه الأجواء من جهة، إلى درجة تدفع من جهة أخرى إلى الاعتقاد بأن استمرار قطع هذه الطرقات وفرض ما يشبه الحصارات الكبرى على مناطق سيطرة تنظيم الدولة وبعض المناطق الأخرى، يتم ضمن خطة مدروسة موسعة تنعكس سلباً على واقع أطراف معادية للنظام في موسم معاركها الصيفية الرمضانية التي تعودنا عليها منذ بداية الأزمة السورية، مما يضاعف استفادة النظام من القطع المفروض على الطرقات التجارية المذكورة اقتصادياً ليتجاوز حدود استعادة الليرة أنفاسها من جديد بعد أن تجاوزت حاجز الـ/600/، إلى خلق مؤثرات داخلية سلبية بالنسبة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ناتجة عن ضرب المزيد من مصادر الكسب المعيشي لقطاع واسع من العمالة، الأمر الذي يمكن أن يكون منطلقاً لكثير من المشكلات الاجتماعية والأمنية، قد تصل إلى درجة إحداث قلاقل وحالة من الفوضى ستنعكس حتماً على إشغال القوى العسكرية المسيطرة، وهو وضع سيسعى النظام إلى الإبقاءعليه إلى أطول فترة ممكنة ولو بالاستخدام المباشر والمفرط للقوة العسكرية، كما فعل اليوم في طريق (عفرين- دارة عزة) البترولي.

ترك تعليق

التعليق