أضواء على العلاقة بين السوريين والليرة التركية
- بواسطة د. عبد المنعم حلبي - اقتصاد --
- 26 حزيران 2016 --
- 0 تعليقات
لقد كان من الطبيعي ألا يتخلى السوريون الذين لجؤوا إلى تركيا عن عادتهم التي اكتسبوها في بلادهم، والمتمثلة بالمتابعة الحثيثة للتغيرات في سعر صرف الدولار، فحلت الليرة التركية محل نظيرتها السورية في بؤرة الاهتمام والتحليل والنقاش.
وفي الواقع، فقد تجذرت العلاقة التي ربطت السوريين بالليرة التركية إلى ما هو أعمق من أنها عملة وطنية لدولة أجبرتهم ظروف بلدهم للعيش فيها، ومضطرين أن يقوموا بتعاملاتهم التجارية والجارية بها.
لقد تدفق السوريون إلى تركيا بصورة مؤثرة في أواخر عام /2012/، وكان الدولار يقل أو يساوي /1.8/ ليرة تركية، ولكن هذه الأخيرة هوت بعد ذلك بنسبة (20%) من قيمتها إلى مستوى /2.16/ ليرة للدولار الواحد في أواخر /2013/.
هذا الانخفاض لم يشغل السوريين كثيراً على مدار أغلب عام /2014/، إلا أنه دق ناقوس الخطر بالنسبة لرجال الأعمال والشركات التجارية الوسيطة التي بدأت تمارس أنشطتها بصورة حثيثة في تلك الآونة، والتي سرعان ما اعتمدت في غالبيتها العظمى على الدولار الأمريكي كعملة وحيدة في تعاملاتها، وليست الرئيسية فقط، رغم أنها أخذت تعمل وتتعامل مع الوسط الاقتصادي التركي بكل مفردات بيئته وتشعباتها.
وقبل نهاية الربع الأول من عام /2015/ بدأت مرحلة انخفاض تاريخية لليرة التركية، نتيجة عدم استفادة الصادرات التركية من انخفاض عملتها الوطنية في تدعيم تنافسيتها، وذلك بسبب الانخفاض الذي وقع على (اليورو) والتي تشتري منطقته ثلث الصادرات التركية، وبالتالي انعكس الانخفاض في سعر الصرف على مديونية الشركات وحرمها من لعب دور في دعم عجلة النمو الاقتصادي، أضف إلى ذلك استمرار حالة القلق على الأوضاع السياسية للبلاد.
وفي نيسان /2015/ وصل الدولار إلى /2.75/ ليرة تركية تقريباً، نتيجة إحجام البنك المركزي عن التدخل، أضف إلى زيادة التوتر في الوضع السياسي نتيجة الانتخابات التركية المزمعة آنئذٍ، الأمر الذي شكل هزة حقيقية في علاقة السوريين بالليرة التركية، هزة كانت لها ارتدادات في أكثر من اتجاه، حيث ترسخت المخاوف من التعاملات الكبيرة بالليرة التركية، مروراً بانتعاش الأوساط التي كانت تتقاضى الدولار كعوائد لأعمالها، ووصولاً إلى (البدعة المُحسَّنة) النوعية التي سرعان ما اشتغلت عليها أوساط سورية معارضة، في إطار المساهمة بـ(دعم الليرة التركية) كرد للجميل لتركيا، عبر مشروع استبدال الليرة التركية بالليرة السورية في الداخل السوري المحرر، إلى درجة وصلت لدى البعض إلى اعتبار ذلك (جهاد مال المسلمين) في سوريا.
جهاد المال هذا، إلى جانب تجاهله المعاني والمدلولات السياسية التي يحملها، تجلت مبرراته بدراسات قاصرة من الناحية العلمية، وبمساعٍ هزيلة من قبل أشخاص غير مختصين، سرعان ما انكفؤوا على مشروعهم، إذ لم يخلوا من سمات (التزلف)، عندما تم تعرية مشروعهم والكشف عن هزالته علمياً، بأثره السلبي سواء على واردات السوريين من أموال الدعم الآتية بالدولار عبر تركيا أو على مدخراتهم من هذه العملة في الداخل. وواقعياً بعدم اهتمام الحكومة التركية بتقديم التسهيلات اللازمة لدعم قدرة الليرة التركية على أداء العمليات الجارية في الداخل السوري. كما أخذت الليرة التركية تستمر في انحدارها أمام الدولار لتعادل ثلث قيمته.
وعلى الرغم من الانحدار الهائل لليرة السورية منذ أيلول /2015/ حتى أيار /2016/، لم يعد ثمة مكان للتفكير باستبدالها بالليرة التركية، إلا أن السوريين في تركيا، أخذوا يهتمون بشكل جدي أكثر في تحولات سعر صرفها، وانعكاسات ذلك على أسواق العقارات والتجهيزات الرأسمالية، لرغبة الكثير ممن قرروا البقاء في (تركيا) من التجار ورجال الأعمال والمهنيين والصناعيين في إطلاق وتوسعة أنشطتهم التجارية والخدمية والصناعية، نتيجة زيادة المخاطر الناشئة عن استمرار الاعتماد على السوق السورية، أضف إلى توجه البعض نحو استثمار أمواله في المضاربة، عدا عن وجود شريحة واسعة من السوريين ما زالت تتقاضى رواتبها وعوائدها بالدولار الأمريكي على الأراضي التركية، ليُضاف مؤخراً تركيزهم على واقع علاقة الليرة التركية بالدولار واليورو، نتيجة المتغيرات المهمة التي يمكن أن يتعرض لها الاتحاد الأوربي وأثر انحدار اليورو، اهتمامات تختلط فيها السياسة بالاقتصاد بالخطط والعلاقات التجارية بالعلاقات الاجتماعية التي تربط بين السوريين في أوروبا وتركيا، حيث بدأت الحركة المالية بينهما تتزايد باطراد.

التعليق