دريد درغام.. إنت قليل عليك المصرف المركزي..!!

لاحظت جريدة "البعث" التابعة للنظام، أن الأفكار التي كان يتداولها دريد درغام حاكم المصرف المركزي الجديد، على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، لم تكن مقتصرة على رؤيته للعمل المصرفي والنقدي فحسب، بل كان منظراً اقتصادياً يتحدث تقريبا في كل المواضيع الاقتصادية، كإعادة الإعمار والاستيراد والتصدير واقتصاد الحرب والزراعة والصناعة.. الخ

وأوضحت الصحيفة في مقال تحت عنوان "الحاكم الجديد لمصرفنا المركزي.. من التنظير إلى التنفيذ والرهان على التطبيق"، رصدت فيه تعليقات درغام على الواقع الاقتصادي في البلد خلال الثلاث سنوات الأخيرة، محاولة تذكيره بما كان يقول على صفحته من أجل أن يطبقه في منصبه، غير أن الصحيفة لم يلفت انتباهها أن الأفكار التي كان ينظّر لها درغام تفوق بكثير صلاحيات المصرف المركزي بل هي أقرب لمن كان يحلم برئاسة الحكومة على أقل تقدير..!!

ومن أقوال درغام التي رصدتها الصحيفة رأي له في إعادة الإعمار حيث كتب مرة: "من المستغرب الحديث عن إعادة الإعمار في وسط الحرب، ولنتذكّر أن المصاعب الحقيقية تبدأ عند انتهاء الحروب وليس قبلها. وتبيّن تجارب الدول المجاورة أن انتهاء حروبها لم يؤدِ إلى الانتعاش الاقتصادي "العادل" الذي حلم به الجميع (لبنان والعراق أمثلة واضحة)، لذا لا بد من حلول مناسبة لطمأنة الأجيال الحالية والقادمة، وهذا ما يتطلّب مجموعة قليلة من الأهداف يمكن من خلالها تحريك القطاعات المتبقية بما يضمن العيش الكريم للسوريين، وكلما تأخر تطبيق حلول جذرية بالإمكانات المادية المتاحة تفاقمت المشكلات وأصبحت تكلفة معالجتها أكثر فداحة".

وتابع: "ولنتذكر أن أزمة الثمانينيات الاقتصادية لم تحلها إجراءات التقنين أو الترشيد أو ملاحقة وسجن صرافي السوق السوداء، بل القرارات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي والانفتاح على الغير، وغيرها من الانعطافات التي ترافقت مع تغيّر ظروف السياسة والاكتشافات البترولية التي سمحت بزيادة لافتة للإنفاق الحكومي".

ويستطرد درغام: "تتطلب ظروف الحرب الحالية الحديث عن إجراءات تم تنفيذها بدلاً من حملات إعلامية عن نوايا لا تُنفذ، ويتطلب الأمر خطة استباقية وليس علاجية، وبمحاور قليلة ومحددة تقنع السوريين بأهمية التكافل، وإلا سيكون انفجار اللغم الاقتصادي هو الأخطر. ويفترض بالتغييرات أن تتناول قطاعات محددة قادرة على إحداث تغييرات لاحقة في غيرها من القطاعات".

وفي الموضوع الضريبي كتب درغام في أحد المرات على صفحته في "فيسبوك" أنه "لا يمكن في الظروف الحالية المطالبة، أو الاكتفاء برفع نسب الضرائب، أو الاعتقاد بأن المشكلة تكمن في إزالة الدعم. وبالمقارنة مع تجارب الدول الأخرى في إدارة اقتصاد الحروب، نجد أن إدارة سوريا لاقتصاد الحرب غريبة، ولا يدلّ نشاط القطاع المدني فيها على أنها في حرب على الإطلاق. ويبدو أن هناك إشكالية في التواصل بين الحكومة والقطاع المصرفي (وأيضاً باقي الجهات ذات الفوائض عموماً)، فلا الحكومة ترغب بالاقتراض منه خوفاً من تزايد أعباء الفوائد عليها، ولا المصارف الخاصة (أكثر من العامة) ترغب بالاكتتاب على سندات خزينة بالحجوم المطلوبة لأسباب مرتبطة بسياساتها الداخلية وسياسة مصارفها الأم. ويؤدي ذلك إلى استمرار الحكومة في إدارة النفقات الجارية مع إهمال متزايد للنفقات الاستثمارية الضرورية لتدعيم مقومات نجاح اقتصاد أي حرب".

وتابع: "وفي الحروب الكبرى ركزت الولايات المتحدة على القطاعات المحورية، وكان للإعلام دور مهم في اقتناع الجمهور والمصارف بقرارات الحكومة، فكان الاكتتاب على سندات الحكومة والترشيد التلقائي لدعم نفقات الحرب رغم زيادة الضرائب؛ وكانت النتيجة تحوّل معظم البنى الإنتاجية الخاصة لتلبية متطلبات الحرب. أما ألمانيا، ورغم انتهاكها لمعاهدة فرساي، فقد استطاعت استخدام اقتصاد الحرب لتحقيق تنمية اقتصادية غير مسبوقة، لكنها بالمقابل رتبت ديوناً مرتفعة على الحكومة".

ويضيف: "في الوقت الذي نجد فيه معظم الدول تقترض بكثافة في أوقات الحرب، نجد أن السياسة النقدية والمالية في سوريا مهتمّة بالوصول إلى موازنة متوازنة أكثر بكثير من اهتمامها بتغيير وجهة دفة الاقتصاد ومراجعة الأنشطة الموروثة من أزمنة بالية. لذلك يُستغرب في السياسة الحالية للحكومة استمرار التقشف غير المجدي، وتجنّبها الاقتراض الطبيعي (وتركيزها على الاقتراض السهل من المركزي)، وتقشفها المكثف في مجالات لا ينتج عنها وفورات حقيقية".
 
 لذا فالمطلوب -وفق درغام- تغييرات جذرية وسريعة يظهر مفعولها بأسرع وقت ممكن.

أما في الموضوع النقدي، فكتب درغام مرة أنه لابد من التغيير في السياسة النقدية، وذلك من خلال الآتي:

"أولاً: تحويل التقاص من يدوي (يستغرق عدة أيام حالياً ولا يشمل إلا العملة المحلية) إلى مؤتمت (قابل للتنفيذ بحدود 15-30 دقيقة). وتتوافر منذ سنوات مقومات تنفيذ هذه المهمة، وتنفيذها يعني الاستغناء عن نسبة كبيرة من الأوراق النقدية، وتجنّب إجراءات مكلفة لكل من التّجار والحكومة والمصارف (بما في ذلك النقل والصيانة والعدادات والتأمين..). وهذا التقاص يمكن له أن يشمل العملات الأجنبية التي تقوم المصارف السورية حالياً بإجراءات المقاصة فيها عن طريق المصارف الأجنبية!.
ثانياً: اعتماد الدفع بالجوال بطرق تسديد سهلة وفعّالة: لن ينجح أي نظام فوترة يتحكم به "البائع"، لأنه في ظروف الفساد والتهرّب الضريبي في سوريا، لن يمنح الفاتورة، وسيفضّل النقود الورقية. لذا لا بد من بنية دفع لا يمكن للبائع تعطيلها أو رفضها، وتتيح لـ"المشتري" التسديد بسهولة عبر ربط رقم حسابه المصرفي برقم جواله. أما البائع (مطعم، مكتب، طبيب..) فيخصّص برقم مميّز يوضع في مكان ظاهر، ويكون مرتبطاً بجواله ورقم حسابه، وعندها يمكن لكل شخص تسديد أي عملية شراء لا يتجاوز مبلغها 10-20 ألف ليرة مثلاً.
أما العمليات الكبيرة فيمكن إجراؤها عبر منظومة تحويل مصرفي سريع خلال سنتين بتكلفة متواضعة (وهي منظومة مختلفة جذرياً عن تجربة الرواتب عبر الصرافات التي يشتكي كثُر منها)، وبذلك لا حاجة لسحب الراتب طالما بالإمكان التسديد لجميع أنواع المدفوعات اليومية، وكذلك التحويل بين الأقارب والأصدقاء. وسيسمح ذلك بفرض نسبة ضريبة مقبولة على المبيعات قابلة للتحصيل الفوري (الحصيلة الجديدة أو الضريبة السابقة أيهما أعلى)، وتُلغى بالمقابل الضرائب الأخرى المكلفة، والتي تتسبّب بتذمر المعنيين من طريقة التقدير والتحصيل، ويمهّد ذلك لسياسة ضريبية ونقدية أسهل وأرخص وأوضح وأكثر فاعلية تجاه أنشطة اقتصاد الظل.
ثالثاً: ليست الأولوية لتبني سياسة ليرة ضعيفة (مصلحة المصدّرين)، أو قوية (مصلحة المستوردين)، وإنما الأولوية لترتيب البيت الداخلي بطريقة تمنع الارتجال بالقرارات، وتسمح بمنظومة معلومات يمكن البناء عليها في أي قرار نقدي أو مالي على مستوى الدولة. وهذا الأمر يتطلّب إعادة هيكلة الكثير من الإجراءات، وتعريف الأولويات التي تناسب سوريا ولا تغرقها في بنى وإجراءات وتقليد أعمى لما يقوم به الخارج في ظروف عيش سليمة وميسورة تخصه".

أما عن زيادة الرواتب، يرى درغام  أن "الجزء الأكبر من السوريين ليس لديهم وظيفة، ومنهم من كان يعيش من التعامل مع القطاعات الحكومية التي انخفضت أنشطتها بشكل حاد. لذا، وعند تنفيذ تغييرات جذرية في الاقتصاد، سيكون بالإمكان زيادة الرواتب دون زيادات تأكلها مسبقاً بالأسعار، أما غياب هذه التغييرات اللازمة لشفافية المنظومة الاقتصادية، فسوف يؤدي إلى فلتان أكبر في الأسعار وسحق لسواد الشعب، وخاصة في ظل حرب لن تعرف حقيقة ما دمّرته إلا بعد أن تضع أوزارها".

ترك تعليق

التعليق