أوضاع حلب المحاصرة قبل دخول الباصات الخضراء


في ظل ظروف أصعب من التجربة الأولى في النصف الثاني من شهر تموز الماضي، عادت المناطق المحررة من حلب منذ أيام إلى الحصار من جديد، ولكن مع اهتمام أقل في وسائل الإعلام، في ظل حديث عن وقوعها ضحية صفقة مباحثات روسية أمريكية قد تصل إلى حد نزع السلاح فيها، بالتزامن مع بداية التدخل التركي الأول عسكرياً في ميادين القتال في سوريا.

فمع استمرار توزيع الخبز للعائلة الواحدة مرة واحدة كل ثمانية وأربعين ساعة، لوحظت حالة إغلاق مطردة للأفران العاملة في حلب المحاصرة، بسبب النقص الحاد في مادة المازوت، مع فقدان شبه تام للغاز المنزلي.

وعلى الرغم من أن الباذنجان والكوسا والبقدونس ظلت الصديق الوفي للمدنيين المحاصرين، حيث لم تشهد أسعارها ارتفاعاً محبطاً لهم، إلا أن ارتفاع الزيت إلى /2000/ ليرة لليتر الواحد مع فقدان مادة (السكر) أشعر المدنيين بوقع آخر للحصار الجديد.

وعلى ما يبدو فإن انشغال فصائل إسلامية بجعل فك الحصار عن حلب ليس إلا مرحلة في طريق تحريرها، لم يُحدث فقط هزة استراتيجية للمخطط الأمريكي في إدارة الأزمة السورية ومخاوف غير معلنة للفصائل الموجودة في حلب والمرتبطة بالدوائر الأمريكية المنفذة، بل كان أيضاً على حساب المسعى الذي كان ملحاً للتركيز على ما سبق أن بدا ضرورياً المبادرة بإدخاله لحلب وبأي ثمن، كالطحين والوقود والغاز.

وبالعودة إلى السوق الحلبي المحاصر، وبالتزامن مع إغلاق الأفران المقلق ثمة نضوب مستمر لبضائع تجار التجزئة، حيث يغلق هؤلاء محلاتهم التجارية التي أصبحت شبه خاوية، بينما بقي (الصرافون) خارج إطار المراقبة، ويستغلون الحصار في رفع عوائدهم التي وصلت إلى /20/ دولاراً أمريكياً على كل حوالة بـ/100/ دولار.

سياسياً، فإن لدى الحلبيين المحاصرين أو المهتمين لأمرهم قناعة بأن حلب الشرقية وقعت ضحية الحصار من جديد في إطار صفقة تمخضت عن أحداث وتطورات مهمة.

هذه التطورات بدأت من التقارب الروسي التركي وتطبيق النهج الجديد في التعاطي التركي مع الملف السوري، والذي يشعرون بأنه يتم بتنسيق كامل مع الروس، الذين تكفلوا بدورهم على ما يبدو بانصياع النظام في دمشق بمآلات هذا التنسيق؛ في وقت شكل فيه فك الحصار عن المناطق المحررة من سلطته في حلب ومخاطر خسارتها بالكامل عامل ضغط ثقيل للغاية.

ثم جاءت زيارة (جو بايدن) الأخيرة لتركيا وأحدثت حالة تفاعل بين المخاوف من تحرير حلب على أيدي فصائل إسلامية، ورغبة الحكومة التركية بدخول ميادين القتال في سوريا، من البوابة الوحيدة المتاحة أمريكياً وهي قتال تنظيم الدولة الإسلامية، لينعكس كل ما سبق مباشرة بعملية (درع الفرات) بمشاركة فصائل ثورية مرتبطة بالدعم الأمريكي.

ولا يفصل العديد من الحلبيين المحاصرين - وهو موقف يؤيده محللون وناشطون - بين التمدد في الشمال وتمكن النظام من إعادة مناطقهم للحصار، ولتكون هذه المناطق اليوم أكبر نطاق جغرافي بشري محاصر على وجه البسيطة.

وعلى الرغم من أن القلة القليلة هم الذين يبدون تشاؤماً في توقعهم بأن دخول الباصات الخضراء مسألة وقت وفقاً لسيرورة المباحثات الأمريكية الروسية ومن ينسق معهما، فإن البعض الآخر يبدي أملاً بتحرك عسكري قادم، ينقذ كرامتهم، بعيداً عن الجعجعة والتهديدات الخلبية والتي يطلقها البعض، والتي ساهمت وتساهم في حرمانهم من شاحنات الإغاثة عبر طريق (الكاستلو)، التي يشعرون أنها كانت ستعينهم في صبرهم على هذا الحصار العالمي المفضوح.


ترك تعليق

التعليق