"العلوية" الإعلامية


عندما كنت أعمل في وكالة "سانا" قبل نحو ست سنوات، كان يقول لي زميلي العلوي في القسم: "العمى بقلبو هالمدير.. ولك يعملو شوية تشكيل برؤساء الفترات والأقسام والدوائر".. كان يقول هذا الكلام تعليقاً على أن 99 بالمئة من رؤساء الفترات والأقسام والدوائر كانوا من الطائفة العلوية، بالإضافة لمدير التحرير وأربعة من أصل خمسة من أمناء التحرير.. علماً أن الخامس مسيحي..!!
 
فإذا كان العلوي ذاته شعر بالمفارقة، فما حالنا نحن..؟!

قصة "علونة" الإعلام، ليست بالجديدة، فقد بدأها حافظ أسد في أول عهده، عندما كان وزير إعلامه على الدوام من الطائفة العلوية.. ولم يكن يقصد حافظ أسد من هذه الحركة سوى تدجين وسائل الإعلام وتفريغها من محتواها الحقيقي وجعلها خاضعة بالكامل لسيطرة وتوجيه السلطة السياسية والحكومية..

  غير أن القصة مع بشار الأسد أخذت منحى مختلفاً.. فهو بالاضافة إلى أنه كسر تقليد والده وعين وزراء إعلام من غير الطائفة العلوية، فإن المؤسسات الإعلامية في عهده امتلأت بأبناء الطائفة، سواء في القطاع العام أو الخاص..
 
كنت في البداية أعتقد أن القصة مرتبطة بالمكاسب، في زمن بشار، حيث أن الإعلام بدأ يدر دخلاً معقولاً، وكانت وكالة سانا بعد أن تسلم مديرها العام، عدنان محمود،  "علوي"، أصبحت الأعلى دخلاً للصحفيين بعد التلفزيون، وذلك بعد أن كانت الأقل.. وكان رؤساء الأقسام والفترات والدوائر يحظون بالدخل الأعلى.. لذلك حاولت أن أقرأ الأمر من هذه الزاوية..

وأما على مستوى القطاع الخاص، فقد بدا واضحاً كذلك أن التراخيص الإعلامية في أغلبها كانت تذهب لأبناء الطائفة حصراً بما فيها المواقع الإعلامية، وعندما يحاول أحد من خارج الطائفة الدخول إلى عالم الإعلام، كان يتم التضييق عليه وملاحقته وإجباره على الإغلاق..

 حدث ذلك مع الكثير من وسائل الإعلام في القطاع الخاص، كـ قناة "شام"، وقناة "الأوروينت" وغيرها الكثير من المشاريع الإعلامية التي لم تستمر سوى لفترة بسيطة..

 وفي المقابل تم دعم أبناء الطائفة من أصحاب المشاريع الإعلامية "التافهة" ومدهم بالإعلانات التي تساعدهم على الاستمرار والتطور..
 
أما المؤسسات الإعلامية في القطاع الخاص لغير أبناء الطائفة التي استطاعت العمل والاستمرار، كتلفزيون الدنيا مثلاً، والذي تعود ملكية أسهمه بأغلبيتها لـ نجيب ميقاتي ومحمد حمشو وأيمن جابر، فقد سيطر النظام عليها عبر الكوادر الإعلامية من أبناء الطائفة، حيث تم فرض أعداد كبيرة منهم للعمل داخل التلفزيون دون أن يكون لديهم المؤهلات الكافية لهذا العمل.. وكان هؤلاء يمارسون أدواراً مخابراتية على العاملين والإدارة في التلفزيون أكثر منها إعلامية.

وأذكر عندما كنت أعمل رئيساً للقسم الاقتصادي في تلفزيون الدنيا قبل نحو سبع سنوات، اشتكت علي المذيعة التي كانت تتبع لقسمي أنني أحاربها لأنها علوية، وهمت بالاتصال بأجهزة المخابرات، لولا لطف الله وتدخل المدير العام الشامي "السني"، الذي قال لي بالحرف: "يا أخي، منشان الله، أعطيها ما تريد..!!".

عندما بدأت الثورة السورية في العام 2011، تبين أن مشروع بشار كان إعداد البنية التحتية والفوقية للإعلام السوري، استعداداً لمثل هذا اليوم.. غير أن الكوادر الإعلامية العلوية التي كانت منتشرة في المؤسسات الإعلامية، لم تكن مؤهلة لقيادة الحرب الإعلامية.. لقد ألهتها المزايا المالية لهذا العمل عن المزايا المهنية، كالجيش تماماً، لذلك عاش ولايزال إعلام النظام تخبطاً كبيراً في مواجهة الثورة، وهو ما دفعه للاستعانة بوسائل إعلام حليفة كقناة المنار والميادين، التي استطاعت أن تخلق خطاباً إعلامياً للنظام، خاصاً به، نجح إلى حد كبير في الترويج لوجهة نظره تجاه الأزمة..

الجديد اليوم على صعيد هذا الموضوع، هو التغييرات الإعلامية الكبيرة التي بدأت تشهدها مؤسسات النظام منذ مجيء عماد خميس رئيساً للوزراء قبل نحو شهرين، وتعيين رامز ترجمان وزيراً للإعلام.. حيث عمد هذا الأخير إلى إجراء حركة تغييرات وتنقلات كبيرة في إدارة المؤسسات الإعلامية كافة، الواضح منها حتى الآن هو تثبيت سيطرة العنصر العلوي على وسائل الإعلام، من خلال الاستعانة بصحفيين من أبناء الطائفة، يعتقد أنهم تدربوا بشكل كافي خلال الخمس سنوات الماضية من أجل قيادة العمل الإعلامي الحربي.. وهي تغييرات وإن لم تتضح نتائجها بعد، إلا أنها تدل على أن النظام ماض في مشروعه في "علونة" كل شيء في سوريا، بدءاً من الحجر والبشر وانتهاء بالهواء والعلاك المصدي..

ترك تعليق

التعليق