بالصور: شاب سوري ينقل "حلاوة الجبن" الحمصية إلى شارع العرب في برلين


من حي الميدان في حمص، وبعد استهداف محله الشهير فيها، هاجر الشاب "تميم السقا" إلى مصر منذ أربع سنوات، ومنها إلى ألمانيا، حيث افتتح هناك محلاً لبيع الحلويات في حي "نويكولن" شارع "زونن آلي"، أو ما بات يُعرف بشارع العرب في برلين، أطلق عليه اسم "دمشق".


 وغير بعيد عن محلات أخرى تقدم الأطعمة العربية تبدو واجهة المحل الذي يعمل فيه مع أخوته وهي تشع بالأضواء وتظهِر خلف واجهاتها الزجاجية الأنيقة حلويات متعددة الأشكال والألوان تجذب المارة من ألمان وعرب على حد سواء.


 وهناك بدا السقا الذي ينتمي لعائلة اشتهرت بصناعة الحلويات منذ سنوات منشغلاً داخل محله الفسيح بتحضير حلاوة الجبن الحمصية التي لطالما اشتهرت بها المدينة الخالية من أهلها اليوم، وهي عبارة عن جبن عكاوي ممزوج بالسميد والسكر ومحشو بالقشطة.
 

ويتحدث تميم لـ "اقتصاد" بحماس عن إقبال الألمان على شراء هذا النوع من الحلويات التي لم يتخيل أن يقبلوا عليها بشدة، ولكنها خلال فترة وجيزة حققت انتشاراً كبيراً وأصبحت تُباع بكميات غير متوقعة.


 ولم يكتف تميم بصناعة حلاوة الجبن بل دأب على صنع مختلف الحلويات الشرقية الأخرى التي اشتهرت بها مدينته، ومنها –كما يقول- "البقلاوة بأشكالها وأنواعها والكنافة والمبرومة والبلورية والفطائر بجوز وبقشطة والشعيبيات والكنافة بأشكالها قشطة وجبنة والنابلسية والمبرومة والأصابع وكول وشكور والمعجنات الشرقية كالبرازي والغريبة والبتي فورات".
 

انتقل تميم من حمص إلى دمشق أواخر عام 2012 بعد أن تعرّض محله لضرر جرّاء الحرب نظراً لأنه كان في منطقة تماس بين الثوار وقوات النظام، ومن ثم إلى مصر التي اضطر لتركها بعد أن تأزمت الأوضاع لينتقل مع عائلته بفيزا جماعية إلى ألمانيا ويحصل على لجوء هناك.


 ولم يشأ تميم الاعتماد على راتب اللجوء، بل آثر الإعتماد على نفسه وإنشاء مشروعه الخاص في المهنة التي توارثها مع أخوته.


وكشف محدثنا أنه في بداية مشروعه كان يشعر بالقلق والخوف من إخفاق المشروع لأنه-كما يقول- لم ير أصنافاً جيدة من الحلويات في ألمانيا وجلّ ما يُباع منها أصناف تجارية، رغم أنها غالية الثمن إذ يصل ثمن كيلو البقلاوة –كما يؤكد- 6 يورو.


 ولذلك كان الشاب الحمصي يشعر بالإحباط ويتساءل بينه وبين نفسه إن كانت الأصناف الجيدة ستلقى إقبالاً هنا.

 وكان الأمر بالنسبة له-كما يؤكد- بمثابة تحدٍ لذلك لم ينشىء مصنعاً كبيراً بل مطبخاً صغيراً، وكانت النتيجة غير متوقعة.

(تميم السقا يقدم حلويات للرئيس الألماني)

 ولفت محدثنا إلى أنه اهتم بالزبون الألماني رغم أن الألمان من مرتادي المحل لا يشترون بكميات كبيرة ولكنهم زبائن كثر.

 وحرص السقا -كما يقول- على صنع حلويات قليلة السكر والدسم نزولاً عند رغبة زبائنه، فبعضهم كما يؤكد يأتي من مسافة 50 كم ليتذوق ويشتري الحلويات التي يصنعها ويقدمها لهم.
 

وحول توفير المواد الأولية المستخدمة في الحلويات التي يصنّعها أشار محدثنا إلى أنه لاقى صعوبة بداية الأمر في الوصول إلى المتاجر والمحال التي تبيع هذه المواد وخاصة السمن العربي وكذلك الطحين الذي يتوفر منه أكثر من 100 شكل مثلاً وكذلك السميد، أما السمن العربي فاستعاض عنه بالسمنة الهولندية أو ما يُدعى بـ "سمن البقرة الحلوب" الذي لم يكن من السهل الحصول عليه أيضاً.

وحرص السقا-كما يشير- على أن تكون العمالة في مشروعه سورية من الألف إلى الياء–حسب وصفه- مشيراً الى أن من بين هذه العمالة حماصنة ودمشقيون، ليس تعصباً-حسب قوله- ولكن نظراً لحاجته لعمالة تملك الخبرة وتناسب المصلحة وبخاصة أن أهل دمشق وحمص اشتُهروا بتصنيع الحلويات ذات الجودة العالية والطعمة المميزة.


وقبل أن ينتقل تميم إلى برلين اعتاد على تقديم وصفة لنوع من الحلويات بشكل شهري لمجلة في إحدى المقاطعات الألمانية، وكان-كما يقول-يقدم الحلويات للمدعوين في كل حفل يقام هناك ليعكس صورة مشرّفة عن السوريين وعن سوريا وعن ديننا وحالنا بشكل عام.

وامتدح تميم ألمانيا فهي–كما يقول-بلد مفتوح تسوده العدالة والمساواة بين المواطنين واللاجئين على حد سواء، مضيفاً أن "قيمة الإنسان هنا بما يعمله وليس من خلال جنسيته أو دينه أو عرقه".

 ولفت محدثنا إلى أن "الاستثمار ليس صعباً في ألمانيا" وقد يكون نظام العمل والعمالة صعباً نوعاً ما بالنسبة للسوريين، كونهم اعتادوا على الفوضى والرشوة، بينما في بلد مثل ألمانيا ما يحكم هو النظام ودفع الضريبة قبل أي شيء ونظام العمالة وما تبقى من أمور تبدو في منتهى اليسر والسهولة.
 

خلف واجهة محله البلورية وقف تميم وهو يسكب القطر فوق حلواه الشهية قبل أن يغلفها ليقدمها للزبون، متذكراً مدينته البعيدة القريبة في آن معاً والمكبلة بأصفاد الطغيان التي أطعمت العالم "حلاوة الجبن"، فأذاقها مرارة الجبن والخنوع.


ترك تعليق

التعليق