لا مكان للموتى في حلب السورية


امتلأت مقبرة حلب القديمة بساكنيها من الموتى والقتلى قبل عام، والجديدة امتلأت الأسبوع الماضي هي الاخرى، والآن لا مكان لدفن القتلى الذين يسقطون في شوارع الجزء المحاصر من المدينة فلم يعد أمام الأهل سوى دفنهم في باحات منازلهم أو تكتظ بهم المشارح.

المسؤولون الطبيون تمكنوا من تأمين موقع آخر لدفن الموتى، لكنهم يقولون إنهم لا يستطيعون حفر قبور في ظل اقتحام قوات النظام للمواقع التي تسيطر عليها المعارضة في حلب الشرقية، ويقصفون المدنيين وهم يفرون، ويجبرون الآلاف على التزاحم في جيب من الأحياء الفوضوية المدمرة.

يقول الخبير الجنائي محمد كحيل أبو جعفر رئيس هيئة الطبابة (الطب) الشرعية الحرة في حلب :" لم يعد لدينا متسع".

هيئة الطبابة (الطب) الشرعية الحرة امتلأت عن آخرها، والطاقم تعهدوا معه بعدم إدخال أي جثث أخرى.

وقال خلال مقابلة عبر الهاتف:" حتى لو فكرت في المقابر الجماعية، فإني لا املك المعدات للقيام بالحفر".

كرامة الموت ضاعت مع انهيار تلك الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة وصمدوا في الدفاع عنها طوال أربعة أعوام.

قوات النظام واصلت قصف المنطقة طوال أسبوعين وقتلت أكثر من 310 مدنيين بينهم اثنان وأربعون طفلا ونحو 220 من مقاتلي المعارضة بحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ثم اجتاحت القوات البرية الأسبوع الماضي ذلك الجيب الذي تتجاوز مساحته بقليل سبعة وعشرين كيلو مترا مربعا واستولت على نصفه وتتقدم للاستيلاء على ما تبقى منه.

ستيفن اوبراين وكيل الامين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ناشد كافة الأطراف الأربعاء للدخول لحلب الشرقية التي يقيم بها نحو 275 ألف مواطن "قبل أن تصبح مقبرة ضخمة".

كلمات أوبراين أصبحت حقيقة بطريقة أو بأخرى، فالجثث بالفعل تركت تتعفن في الشوارع.

سيارات الإسعاف والإنقاذ لا يمكنها الوصول لها لأنها تتعرض للاستهداف أو لنفاد الوقود بها.

ومع اقتراب القوات، تتزايد أعداد الجثث، إذ أصبح العديد من الجبهات أكثر خطورة من أن يقترب منها أحد.

سكان الحي الجنوبي القريب من توغل قوات الأسد عرفوا أن جثة ملقاة في أحد الخنادق عندما بدأت قطة تأكل من الجثة.

وقال ابو جعفر وهو يحبس أنفاسه:" سيدة من الحي أتت وأبلغت المشرحة عنها.. لا زلت أجهل جثة من".

"أقسم بالله بكيت، وأنا شخص معتاد على المشاهد المروعة".

الامدادات والطعام على وشك النفاد في حلب الشرقية التي تخضع للحصار منذ يوليو/ تموز .

قبيل الاجتياح البري ضربت غارات مقاتلات الأسد كل المنشآت الطبية السبع في الجيب المحاصر بما في ذلك خمس منشآت مجهزة لعلاج الجروح إضافة لوحدات عناية مركزة.

ومع تقدم قوات النظام بات المجمع الطبي الذي يضم أربعة مستشفيات على بعد عدة مئات من الأمتار فحسب من القوات.

المستشفيات أخليت، والأطباء تفرقوا حول القطاع المحاصر وأقاموا مراكز طبية سرية صغيرة تحت الأرض تجنبا للرصد والقصف لكنهم لا يستطيعون تقديم أكثر من الحد الأدنى من الرعاية الطبية.

يقول زكريا امينو نائب رئيس المجلس المحلي في حلب الشرقية "كل مصاب هو مشروع شهيد".

وقالت ممرضة تعمل في عيادة أقيمت تحت الأرض إن بعض الجرحى لقوا حتفهم وهم ينتظرون تلقي الرعاية الطبية وبسبب نقص الدماء.

بنك الدم بالمنطقة المحاصرة تعرض للقصف وأغلق والأسوأ أن بعض من اجريت لهم العمليات الجراحية لم ينجوا بسبب البرد.

وعندما سيطرت قوات النظام وحلفاؤها على الجزء الشمالي من المنطقة، فر أكثر من 30 ألف شخص الى مناطق خاضعة للنظام والاكراد بالمدينة.

وفر آلاف آخرون إلى ما تبقى من المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها المعارضة، بسبب محدودية ونقص الإمدادات.

وخلال طريق الفرار، قتل 50 شخصا على الاقل في قصف للنظام خلال الأيام القليلة الماضية.

صور الجثث الملقاة على الأرض وسط الحطام والحقائب أعادت إلى الأذهان تلك الطبيعة القاسية للصراع الذي يدخل الآن عامه السادس.

وقال أبو جعفر "هناك مصابون في كل مكان، أشعر بالخوف من دهسهم خلال السير."

ومع نقص المرافق الطبية، لا يعرف اللاجئون أين يدفنون القتلى.

قال أبو جعفر إنهم يخشون من تسبب الجثث المكدسة في معرفة المواقع السرية للعيادات.

وأضاف "هناك مخبرون ومتعاونون مع النظام في كل مكان."

وفي السنوات الأربع الماضية، قتل أكثر من 20 ألفا من سكان حلب، أكثر من 80 بالمائة منهم في مناطق تسيطر عليها المعارضة، وفقا للمرصد السوري لحقوق الانسان.

وكانت المقبرة القديمة بالمدينة ممتلئة بشكل كامل حتى قبل سيطرة المعارضة على المنطقة عام 2012.

لكن يستمر استخدامها وسط قتال عنيف وقصف للنظام، بينما يبحث المسؤولون عن قطعة أرض أخرى.

وعثر المسؤولون على أرض العام الماضي، لكنها تعرضت لقصف عنيف هذا الصيف.

لكن منذ اشتعال الحرب، تعين على سكان شرق حلب اللجوء إلى مناطق قريبة لتكريم موتاهم.

وقال أحد المسؤولين، ويدعى أمين، "لقد دفنا موتانا في حدائقنا لفترة من الوقت". وعند هدوء الوضع ينقل الأقارب جثث موتاهم إلى الطبابة، أو الجهة الصحية التي يديرها أبو جعفر والتي تدير المشرحة وقضايا متعلقة بالموتى، وفقا لأمين.

ويعد توثيق حالات القتلى أمرا مستحيلا، فمنذ يوم السبت الماضي، هناك 20 جثة مجهولة في مشرحة بعد قصف عدد من الفارين.

ولا تزال هناك 70 جثة أخرى مجهولة الهوية جراء غارات جوية سبقت الهجوم البري.

ونشر أبو جعفر صورة لطفلة عمرها 5 أشهر عثر عليها تحت الانقاض في مدينة حلب منذ يومين. ويعتقد أن والديها قتلا، وفقدت الفتاة الصغيرة ساقها. وهي الآن في عيادة طبية تحت الأرض.

"مع اكتظاظ سيارات الإسعاف، تطوع مواطنون في جهود الإنقاذ"، وفقا لأبو جعفر.

ويعتقد أن جميع الجثث لمدنيين. ويدفن المقاتلون قتلاهم بشكل مستقل.

وقال أبو جعفر إن أوضاع الأحياء في حلب قد تكون أسوأ من الأموات.

وقال أحد الموالين السابقين للنظام، الذي انضم للمعارضة، إنه يخشى من استعادة النظام للسيطرة على حلب.

وأضاف "من الأسهل بالنسبة لي أن ينهار منزلي فوق وأموت عن تسليم نفسي لهذه الحكومة."

ترك تعليق

التعليق