اقتصاديات.. الفلاح "الهامل"
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 07 كانون الأول 2016 --
- 0 تعليقات
فكرة أن الفلاح شخص "هامل" و"سرسري"، وليس شخصاً نشيطاً، هي أول انقلاب قام به بشار الأسد على فكر والده، وكان ذلك في العام 2005 عندما خرج محمد ناجي عطري رئيس الوزراء الأسبق وأخذ يتحدث عن ضرورة وضع النقاط على الحروف، بأن الفلاح ليس كما الصورة المطبوعة في أذهاننا، بأنه يكد ويكدح من أجل أن يطعم الآخرين، بل الحقيقة التي لابد من قولها أنه ينتظر بفارغ الصبر أن يحصل على قيمة محاصيله من الدولة من أجل أن يصرفها على ملذاته الشخصية في الكباريهات ودور اللهو..
لقد شكلت هذه الفكرة انقلاباً في موقف النظام الفعلي من الفلاح واتضح فيما بعد أن عطري لم يقل هذا الكلام على سبيل المزاح كما بدا في المرة الأولى، بل سرعان ما تحول إلى قرارات اقتصادية جعلت الفلاح يهجر أرضه ويتسول على أبواب المدن، باحثاً عن فرصة عمل أخرى في الباطون أو الحراسة..
أهم ما تم اتخاذه من قرارات في تلك الفترة، هو تغيير الخطة الزراعية وإجبار الفلاحين على زراعة محاصيل لم يتعاملوا معها من قبل ومنعهم من زراعة محاصيل كانت تدر عليهم أرباحاً طائلة كالقطن مثلاً، بحجة أنها تستهلك كميات كبيرة من المياه، تفوق قيمتها الفعلية والاستراتيجية.
وكانت أول كارثة تعرضت لها سوريا نتيجة تغيير هذه الخطة، أنها تحولت إلى مستورد للقمح في العام 2007 ولأول مرة منذ سنوات طويلة، عندما قام النظام بمكافحة الزراعة المروية لنفس حجة المياه وجعل الفلاحين ينتظرون رحمة رب العالمين من المطر.
الفكرة التي كان النظام يسعى إليها من وراء هذا الأمر، هو تغيير طبيعة النشاط الاقتصادي في البلد، الذي بدأ يتحول إلى اقتصاد العائلة والأقارب والمعارف، وبالشكل الذي يجبر عدداً كبيراً من ملاكي الأراضي الزراعية على بيع أراضيهم بأثمان بخسة، لأصحاب رؤوس الأموال من أجل أن يقيموا عليها مشاريعهم..
وقد نجحت هذه الخطة كثيراً في ريف دمشق تحديداً.
أما الأمر الآخر الذي سعى إليه بشار الأسد، وهو اعتقاده بأن والده بالغ كثيراً في تدليل الفلاح، الذي كان يعتقد أن الفلاح من العوامل التي ساعدته على إرساء حكمه وحماية عرشه، لأن حافظ أسد كان يرى أن ابن الريف إذا ثار فإنه سوف يذهب إلى السلاح مباشرة، بينما فكرة بشار كانت تقوم على الاستخفاف بهذه الطبقة من المجتمع وأنه يستطيع أن يحمي عرشه وحكمه من خلال طبقة رجال المال المحيطين به في المدن.
من خلال زياراتي المتكررة للمنطقة الشرقية من العام 2004 وحتى العام 2007 والتي تجاوزت العشر زيارات، كنت ألاحظ تغيرات كبيرة على وضع الفلاح هناك، فهي كانت في انحدار مستمر..
وصدف مرة أن كنت في دير الزور وقد احتدم النقاش بين مجموعة من الفلاحين في مبنى اتحاد فلاحي المحافظة.. فقال أحد "الأخوة" الفلاحين الذي وصل لمرحلة النزق: "باختصار قيادتنا عقلها خفيف.."، وكان يقصد أن الرئيس عقله خفيف.. فخيم الوجوم على الجموع .. ويدأوا ينفضون الواحد تلو الآخر..

التعليق