اقتصاديات.. حب الوطن من القطاع العام
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 03 آذار 2017 --
- 0 تعليقات
قبل أكثر من ثلاثين عاماً، دق الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني، ناقوس الخطر من تزايد حالات الاعتدء على الممتلكات العامة في الدول العربية، ورأى أن ذلك مؤشر على حالة ضعف الإنتماء لدى المواطن العربي تجاه بلده، الأمر الذي يدفعه لاستباحة وسرقة وتخريب حتى مرافق الخدمة العامة التي يستفيد منها كشبكة الهاتف والمياه والكهرباء والحدائق..
الغيطاني وقتها لم يقل أن الأنظمة السياسية العربية هي التي تتحمل المسؤولية كاملة عن هذا الأمر، وإنما وزع المسؤولية على الجميع من باب أن السلطة هي انعكاس للمجتمع الذي تحكمه..
وفي الحقيقة أن العديد من الدول العربية فيما بعد قاومت هذا الشعور لدى مواطنيها وكل حسب مقدراته، فمثلاً هناك دول زادت من كمية الأغاني الوطنية التي تؤلفها وتبثها على محطات التلفزة والراديو، وبعض الدول لجأت إلى حضارتها القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، محاولة استنهاض همم شعوبها التي أعياها الجوع والقرف من كل شيء.. ودول أخرى أغرت شعوبها بالمال.. أما الشيء الوحيد الذي لم تقم به هذه الدول للتغلب على هذا المرض الوطني الخطير، هو إشراك الشعب في السلطة والقرار..
في سوريا، لم يقم النظام بأي من تلك الأفعال السابقة، بل على العكس، زاد من شعور مواطنيه بضعف الإنتماء لبلدهم، ومن ثم زج بمعارضيه بتهمة التسبب بها.. وأكثر من ذلك أسهم أيما إسهام في إيصال فكرة للسوري بأن هذه البلد ليست بلده، وإنما هم يسمحون له بالعيش فيها مكرمة منهم.. لهذا انحصر مفهوم الوطن عند السوري بحدود البيت والأهل والأقارب وبعض الغنمات والدجاجات التي كان يملكها..
أما ردة فعل السوري تجاه هذا الشعور فكان يتحمل عواقبها القطاع العام بكل مرافقه ومؤسساته.. لقد نشأت أجيال بكاملها، وبعضهم تولى مناصب عليا، لا تميز بين المدرسة والمشفى والمركز الثقافي، وبين فروع المخابرات.. لهذا كان التخريب في البنية الأساسية لهذه المؤسسات، بدءاً من المتعهد الذي يقوم ببنائها وانتهاء بالمواطن الذي تخدمه، مروراً بالمسؤولين الذين يتولون إدراتها.. لم يكن يشعر أي من هؤلاء أن هذه المؤسسات والمرافق هي لخدمته، وإنما كان لدى الجميع شعور أنها سرعان ما ستتحول إلى معتقلات وأماكن للقمع وفي أي لحظة.. وهو ما حدث بالفعل عند انطلاق الثورة السورية..
لكل من يتبجح اليوم بالصراخ بأنه يجب أن نحمي مؤسسات الدولة، والتي يقصد بها القطاع العام الحكومي، نقول له، إنه لم يكن في سوريا سوى أماكن مؤقتة وهشة، كان يستخدمها النظام طالما هو على رأس السلطة، وعندما كانت تخرج هذه الأمكنة عن سلطة مخابراته وتعود للناس، لم يتوان عن تهديمها..
فكيف سينشأ حب الوطن والإنتماء إليه لدى الناس، إذا كان النظام السياسي هو من أسس لكرهه وعمل عليه طوال حكمه..؟!

التعليق