رغيف الخبز: السلاح الذي يكاد يفلت من قبضة نظام الأسد


 أرجع تقرير اقتصادي جديد حول الخارطة الزراعية السورية الراهنة والمستقبلية، تراجع إنتاج سوريا من المحاصيل الاستراتيجية إلى "تعاطي نظام الأسد السيء مع عملية الإنتاج الزراعي"، موضحاً بالأرقام وبالمؤشرات أن تراجع الإنتاج السوري للمحاصيل الاستراتيجية، يعود لمرحلة ما قبل الثورة إلى العام 2008، أي لم يكن من تجليات الثورة السورية، كما يشيع النظام.

وبحسب التقرير الصادر عن "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، فإن نظام الأسد استورد في العام 2010 شحنات قمح فاسدة (غير صالحة للاستهلاك الآدمي) مصدرها أوكرانيا، بهدف تأمين رغيف الخبز للسوريين، علماً بأن كمية استهلاك السوق الداخلي السنوية للقمح تتجاوز بقليل حاجز الـ2 مليون طن، بينما كان يبلغ متوسط إنتاج البلاد من القمح ما بين 4- 5 مليون طن سنوياً، قبل أعوام قليلة.

سيرة الصراع بين الفلاح والنظام

 ويرى الخبير والأكاديمي الزراعي، عبد العزيز ديوب، أن نظام آل الأسد منذ وصوله للسلطة في سوريا في العام 1970، نجح بفعل منهجية محددة في السيطرة على كافة شرائح المجتمع السوري في المدن، من خلال التحكم بمعامل القطاع الحكومي، والتوظيف وفق الولاء الحزبي، وسلطة الأجهزة الأمنية، والاتحادات والنقابات المهنية، باستثناء الأرياف السورية التي بقيت خارج السيطرة، على حد تقديره.

ويوضح ديوب وهو معد التقرير، في حديث خاص لـ"اقتصاد"، "لم يكن بمقدور النظام توظيف الفلاح والسيطرة عليه، لذلك عمد إلى اتباع سياسة "كسر عظم الفلاح"، من خلال رفع أسعار أدوات الإنتاج الزراعي (محروقات وبذار وأسمدة)، بالاضافة إلى ضعف الخدمات، بغية الإبقاء على حالة عوز للفلاح، حتى يضمن حاجته للتعامل مع المصارف، ويضمن حاجته لتوظيف المؤهلين من ذويه.

ثورة أرياف

 كان لا بد لكل تلك السياسات الجائرة، من أن تجعل هذا الريف بيئة صالحة لاندلاع أي انفجار جماهيري ضد هذا النظام، وفقاً للخبير ديوب، الذي أضاف "لكل الثورات أسباب مباشرة وغير مباشرة، وفي الحالة السورية كانت حادثة تعذيب أطفال درعا السبب المباشر، أما الأسباب غير المباشرة، فكان من أهمها الجذور الاقتصادية".

وأضاف ديوب وهو رئيس قسم كلية الزراعة في جامعة حلب سابقاً، "لذلك نجد أن الريف السوري كله اشتعل مع بداية تفجر الثورة السورية في العام 2011، مع وجود استثناءات في مدينتي حمص واللاذقية لأنهما مسرح سابق لاحتقان طائفي منذ عقود".

 وقال، "إن التتبع لخارطة الحراك والانفجار الجماهيري، يجعلنا نعتقد أنها ثورة أرياف".
 
رغيف الخبز سلاح ضد الفلاح والمواطن

 يذهب ديوب إلى وصف سياسة النظام في التعامل مع محصول القمح بأنها "سياسة مطابقة لسياسات الاحتلالات التي تعاقبت على سوريا"، مبيناً أن النظام كان يحتكر شراء مادة القمح من الفلاح، عن طريق "قسرية التسليم للحكومة" مقابل أسعار مادية زهيدة، لا تتناسب مع الأسعار العالمية للقمح.

ويقول في هذا السياق، "إن النظام هو أيضاً محتل داخلي، ولذلك مارس سياسة المحتل على الفلاح، وعلى المواطن الذي كان دائماً ما يشعر بأن رغيف الخبز نعمة وهبة من النظام، للوصول بالمواطن إلى قناعة مفادها بأن الضامن الوحيد لبقاء رغيف الخبز هو النظام".

وعن مدى قدرة النظام على التحكم برغيف الخبز إلى اليوم، يقول ديوب "كلنا نعرف بأن النظام يعاني اليوم من تقطع الأوصال، وبالتالي غابت الأذرع الحكومية، وهو اليوم يتسول المحروقات من إيران والقمح من روسيا".

 لكن إلى متى يستطيع النظام تأمين رغيف الخبز للموالين له على الأقل، يرد ديوب "لقد فقد النظام سيطرته على مناطق إنتاج القمح في الحسكة وحلب والرقة، وحتى إن كان يسيطر على جزء منها فهو غير قادر على توفير مستلزمات الإنتاج، بالتالي فإن الجواب على هذا السؤال تحدده روسيا وإيران فقط"، ويستدرك "قد يكون رغيف الخبز هو بمثابة السلاح الذي كاد يفلت من قبضة نظام الأسد".

ترك تعليق

التعليق