حدث في مثل هذا اليوم


اليوم هو 18 آذار، ولا يعنيني إن كان هو التاريخ الذي بدأت به الثورة السورية أو في 15 آذار.. لكن الأحداث المتسارعة التي مرت في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات، جعلتني وجعلت الكثيرين من الشعب السوري يدركون أن سوريا بعد هذا التاريخ لن تكون كما قبله، لأن كل المؤشرات كانت تدل على أن الاعتصام الذي حدث في ساحة المسجد العمري في درعا بعد صلاة الجمعة من ذلك اليوم، لم تكن مظاهرة طيارة في شارع فرعي من شوارع المدن الكبرى، بل جلس الناس في الساحة متحدين أكثر الأنظمة الأمنية إجراماً في العالم بعد نظام الملالي في إيران.

لقد شاءت الصدف أن أكون في درعا، في ذلك اليوم.. كنت برفقة مدير مكتب سانا في المحافظة وقد بدأ محافظ درعا فيصل كلثوم يتصل به كل ربع ساعة تقريباً ويضعه في صورة التطورات، بينما كان دوامي في مركز الوكالة في دمشق يبدأ الساعة الثامنة مساء، كانت المرة الأولى التي أذهب بها إلى الوكالة قبل بدء دوامي الرسمي.. كنت تواقاً للنظر في الكثير من الوجوه هناك والتي اعتادت أن تقدم نفسها على أنها ذات خلفيات أمنية عريقة. وما أكثرها في سانا..!!

وبالفعل، كانت الابتسامة لا تفارق وجهي رغماً عني، رغم أن الكثير من المقربين نبهوني، إلى أن علائم وجهي لا تناسب المقام الذي أتواجد به، فصالة التحرير في الوكالة كانت أشبه بمأتم.. لكنها المرة الأولى في حياتي التي أشعر أن شرعيتي الثورية أصبحت أقوى بكثير من خلفياتهم الأمنية.

كانت الوجوه مكفهرة في سانا، والبعض اعتراه اصفرار وامتقاع في اللون، كل بحسب الأدوار الوسخة التي كان يؤديها في حياته وعمله، بينما أنا جلست خلف جهاز الكمبيوتر وأخذت أتابع بنهم كل ما كانت تنقله وكالات الأنباء العالمية وبغزارة عن أحداث درعا وتطوراتها.

بحدود الساعة الحادية عشرة ليلاً، وكان العمل في الوكالة شبه متوقف، قفز إلى أجهزة كمبيوتراتنا خبر من ثلاثة أسطر، يلخص الموقف الرسمي من أحداث درعا، إذ يتحدث عن تجمعات محدودة لمواطنين في ساحة المسجد العمري بعد صلاة الجمعة، ودخول مندسين، قاموا بإطلاق النار عليهم وقتل إثنين.

طبعت الخبر وركضت به إلى أمين التحرير في الوكالة، المسؤول عن نشر الخبر، وكان يومها، يوسف دحدل، ابن درعا.. فقلت له بانفعال واضح: "من الذي كتب هذا الخبر؟"، نظر إلي ولم يجب بأي كلمة.. ثم قلت له بانفعال زائد: "هذا الكلام سوف يكسر الدنيا.. الخبر كاذب وأنا متابع للحدث منذ الظهيرة"، أيضاً لم يرد يوسف دحدل واكتفى بحركة بسيطة من يديه، ثم برم شفتيه، دلالة أنه لا يعرف شيئاً.

عدت إلى جهازي الكمبيوتر، وفي الطريق ألقيت نظرة جديدة على الوجوه التي كانت قبل قليل صفراء، فوجدت أن بعضها بدأ يبتسم وقد علا صوتها، كان الزميل علي عيد يجلس ليس بعيداً عني، تبادلنا نظرات استفهامية صامتة، أنهاها بابتسامة ماكرة، وكأنه يقول لي: "الثورة بدأت بالفعل يا أستاذ".

ترك تعليق

التعليق