لماذا يسود الفول والبازلاء موائد أهالي الغوطة؟


يعتبر المطبخ السوري من أغنى المطابخ العربية وربما العالمية، وذلك بسبب تنوع مصادره وطريقة تحضيره، ولكن ما لبث هذا المطبخ أن تغير بتغير الظروف المحيطة بالسوريين، وحين نتحدث عن الظروف فإننا نقصد بظروف الحصار والضائقة المادية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني على امتداد الجغرافية السورية.

السيدة "فاطمة"، إحدى سكان بلدة مسرابا في الغوطة الشرقية، تتحدث لـ "اقتصاد" عن تشكيلة المطبخ السوري مؤكدةً أن المطبخ السوري عموماً والغوطاني على وجه الخصوص لم يعد اليوم كما عهدته ربات البيوت، غني بما لذ وطاب من أنواع الأطعمة بمختلف أوقات السنة، فموائد الغوطة أصبحت في هذه الأيام تتبع للمنتج الموسمي الذي يتم إنتاجه من أراضي الغوطة وفلاحيها، وإذا كان هذا المحصول الموسمي رخيص وأسعاره مقبولة للناس نوعاً ما، تجد حينها أن الموائد قد تزينت بهذه المأكولات. كما هو الحاصل اليوم بالنسبة للبازلاء والفول.

فمع بدء اقتراب جني المحاصيل الزراعية التي تنتجها أراضي الغوطة نرى أن المطبخ السوري يضطر للتزين بهذه الخضار ليس من باب التنوع وإنما من باب الإضطرار، فالفول والبازلاء، أصبحتا من الأكلات التي لا يخلو منزل غوطاني منها وبشكل يومي، فرب الأسرة لا يبحث في هذه الأيام العصيبة عن تنوع مأكله ومشربه وإنما بات يبحث عن الأطعمة الأوفر من الناحية المادية، حتى وإن بات يكررها بشكل يومي ولمدة شهر أو أكثر.

يقول "أبو عبد الرحمن" أحد سكان مدينة دوما، إن مائدته منذ أسبوعين وحتى الآن، يتناوب عليها الفول والبازلاء من غير أرز، وذلك بسبب توافر هاتين المادتين في الأسواق وبسعر معقول، فالغوطة غنية بزراعة المحاصيل الشتوية والصيفية. ولعل إنتاج الفول والبازلاء ساهم بشكل مباشر في تخفيف عبء الحصار على الأهالي بحسب "أبو عبد الرحمن".

ويضيف "أبو عبد الرحمن" أن تكلفة وجبة الغداء لعائلة مكونة من 6 أشخاص والتي تحتوي على "مقلى بفول" لا تتجاوز 1200 ليرة سورية بكافة مكوناتها، و 2000 ليرة سورية لـ "شوربة البازلاء"، موضحاً: "أما إذا أردت أن أطبخ (رز بفول) أو أي مادة أخرى تحتوي على الأرز والسمنة واللحم فإنني سأضطر إلى دفع أكثر من 3500 ليرة سورية باليوم الواحد، وهذا ما جعل معظم المطابخ في العائلة الغوطانية تتأثر مكونات الطبخ التقليدية لديها وتُقبِل على الطبخ الأقل تكلفة".

من جهة أخرى في ظل غلاء تكاليف سقاية المزروعات وإنتاج هذه الخضار الموسمية في الغوطة الشرقية، كان لا بد أن نقف عند مصدر إنتاج هذه الخضار وهو الفلاح الغوطاني.

يقول "أبو بشار مياسا" وهو فلاح يعمل في أرضه داخل الغوطة الشرقية، إنه يبيع محصول الفول بخسارة كبيرة جداً، ولا سيما أن آخر مراحل ري المحصول قد كلفته ثمناً باهظاً نظراً لغلاء أسعار المحروقات، لكنه مضطر لجني المحصول لتعويض شيء من خسارته في هذه الزراعة، لافتاً إلى أن هناك عدداً من الفلاحين قد قاموا بجني المحصول قبيل نضجه من أجل جني ربح أكبر، كون أسعار الفول كانت بحدود 450 ليرة سورية في بداية الموسم.

وأكد "مياسا" أن كلفة إنتاج المحصول لا تتوقف على الري فقط، فهناك أجرة حمولة ونقل وثمن مبيدات بالإضافة إلى أسمدة للتربة وأوعية (كراتين) لنقل المحصول، مما يجعل الكلفة مضاعفة على الفلاح، ومن هنا تأتي الخسارة، فثمن الكيلو الواحد من الفول أو البازلاء لا يغطي نفقات زراعته فقط.

لعل هذا الأمر هو من المفارقات العجيبة التي تطبق مقولة "مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ"، فموسم الفول والبازلاء تسبب للفلاح الغوطاني بخسارة كبيرة في بعض الأحيان، أما الأهالي فقد عاد موسم الفول والبازلاء عليهم بمزيد من توفير المال والبحث عن الأكلات الأقل تكلفة مادياً، ليقع بذلك أطياف المدنيين بين نار الحصار وسندان الخسارة المادية.

ترك تعليق

التعليق