حملة التطهير السعودية تخبو لكنها تثير الكثير من الأسئلة


 توجه الأمير الوليد بن طلال الى صحراء الملكة العربية السعودية حيث الكثبان الرملية البنية اللون خلال عطلة نهاية الأسبوع في أعقاب استجوابه والتحقيق معه واحتجازه لمدة ثلاثة أشهر تقريبا في حملة استثنائية لمكافحة الفساد في المملكة.

الأمير السعودي الثري والمستثمر نشر صور له وهو يمتطي الخيل مع أحفاده ومسترخيا على سجاد فارسي الطراز، وثمة صقران يحطان ببطء أمامه على ركائز خشبية. وشوهد أكثر من عشرة رجال، بعضهم جاء لتحيته وآخرون لخدمته جالسين أو واقفين من حول الأمير فيما هو يتطلع الى الصحراء.

الصور التي نشرها على تويتر تعرض صورة رجل لا يزال يمسك بزمام أمور إقطاعتيه، رجل لا يزال بمقدوره عقد "مجلسه" - لاستقبال أناس يصطفون لطلب حسناته ومساعداته.

لكن احتجاز الأمير لمدة تزيد عن 80 يوما يكشف عن تسلسل هرمي جديد في المملكة ويركز على نحو حاد على ضآلة السلطة التي يحظى بها حتى أغنى أفراد العائلة المالكة في مواجهة الشاب السعودي، عاهل المملكة المستقبلي.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نجل الملك ووريثه البالغ من العمر 32 عاما، أشرف على حملة غير مسبوقة على ما لا يقل عن 11 أميرا والعشرات من كبار رجال الأعمال والمسؤولين الذين يمثلون معا منظومة النخبة التي تحيط بأسرة آل سعود الحاكمة والشبكات الواسعة التي ترعاها. ولكن الآن ثمة تساؤلات حول قدرة الأمير على النجاح في جهوده الرامية الى تركيز السلطة في يده والقضاء على الفساد.

عملية التطهير انتهت الآن، او تنتقل الى مرحلة جديدة في الأقل. أكثر من 300 شخص من الذين احتجزوا تم الإفراج عنهم، مع ان 56 آخرين لا يزالون قيد الاحتجاز وقد يواجهون المحاكمة. ومن المقرر أن يعاد فتح فندق ريتز كارلتون الفاخر في الرياض، حيث تم احتجاز معظم الشخصيات فيه، أمام الجمهور في الرابع عشر من الشهر الجاري.

كان من بين المحتجزين الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان ينظر اليه كمنافس على العرش. وفي ليلة اعتقاله تمت اقالته من منصب رئيس الحرس الوطني القوي، وهو منصب كان يشغله والده الملك الراحل عبد الله. وأثار اعتقاله المخاوف من أن عملية التطهير كانت سياسية الدوافع.

في فندق ريتز كارلتون، حيث كان الأمير الوليد والأمير متعب وغيرهم كثيرون محتجزين، كان محققون بثياب مدنية وتحت إشراف بعض وزراء الحكومة يستجوبون المحتجزين عن تعاملاتهم المالية.

ومع حراس على باب الغرف، كان بإمكان المحتجزين الاتصال بخدمة الغرف ومشاهدة تلفاز تتوفر فيه القنوات الفضائية.

وقالت الحكومة إن حملة مكافحة الفساد أفضت عن مصادرة أكثر من 106 مليارات دولار في إطار تسويات مالية خلف الأبواب المغلقة مع المحتجزين الذين يتوقون لتجنب زيادة فترة احتجازهم والحرج والمحاكمات.

التسويات تضمنت أصولا عقارية، وكيانات تجارية، وأوراقا مالية، ومبالغ نقدية. لكن الرياض لم تقدم تفاصيل دقيقة بشأنها.

وباعتبارها واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، فإن عملية التطهير السعودية كررت ما فعلته دولة أخرى من المنتجين الرئيسيين للنفط: إنها روسيا.

فعلى غرار حملة ضد فساد مزعوم أطلقها فلاديمير بوتين قبل سنوات، كان ينظر إلى حملة ولي العهد السعودي على أنها انتقائية للغاية، واستهدفت أشخاصا ربما انتقدوه أو ترددوا في تأييد صعوده إلى السلطة.

احتجز بن سلمان في وقت سابق عشرات الأشخاص الذين يزعم أنهم لم يدعموا قراراته بحماسة شديدة، أو انتقدوا سياساته المتشددة إزاء اليمن وقطر.

لم تعلن الحكومة رسميا عن أسماء 380 شخصا تم استجوابهم في إطار الحملة ضد الفساد، رغم أن أسماء العشرات منهم سربت من قبل وسائل إعلام مرتبطة بالحكومة.

كما لم تفصح الحكومة عن الاتهامات التي يواجهها المحتجزون أو كيفية محاكمتهم، ما أدى لمخاوف بشأن الشفافية والإجراءات القانونية الأساسية.

"العملية برمتها أحيطت بالسرية منذ البداية. وأن يطلب من المعتقلين التنازل عن أصولهم مقابل الإفراج عنهم فهذه عملية تشبه الابتزاز، وهو فساد بحد ذاته"، حسبما قالت مروة فطافطة - منسقة الشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية.

وفي مؤشراتها حول مؤشر الفساد، قالت منظمة الشفافية الدولية إن السعودية سجلت 46 نقطة العام الماضي، وهو ما يعتبر دليلا على ارتفاع معدلات الفساد بالبلاد.

يقول منتقدون ومراقبون إن حملة الأمير محمد كانت محاولة سياسية للضغط على رجال الأعمال والأمراء الذين لم يدعموا ما يسمى ب "رؤية 2030"، وهي خطة تهدف لإعادة هيكلة البلاد وعدم الاعتماد على عائدات النفط.

بينما يقول مؤيدو ولي العهد إن حملة مكافحة الفساد نجحت لأنها حافظت على سرية التسويات والادعاءات التي واجهها المحتجزون.

وقال علي شهابي، الرئيس التنفيذي للمؤسسة العربية، التي تقدم استشارات للحكومة السعودية ومقرها واشنطن، إن العديد من المعتقلين ما زالوا أثرياء جدا، وأعربوا عن ولائهم للملك وولي العهد "لأنهم يفهمون ديناميات السلطة في البلاد."

وأضاف أن الحكومة بعثت برسالة واضحة إلى أي شخص يتورط في الفساد على مستوى عال بأن الطرق القديمة في مزاولة الأعمال لن يتم التسامح معها.

وتابع "من الواضح أن ذلك حقق نجاحا، وكان الهدف هو تغيير السلوك...الآن، هل يشعر البعض بمرارة؟ لا يمكن معرفة ذلك أبدا ... هذه مخاطرة دائما."

قبل ساعات قليلة من إطلاق سراحه، أعرب الأمير الوليد عن دعمه لولي العهد في مقابلة مع رويترز من جناح الفندق الذي كان محتجزا فيه.

وقال ولائي ليس مطروحا على الطاولة... للملك ولولي العهد وللسعودية، إنه غير قابل للتفاوض."

يقول ريان بول، وهو محلل بشركة "ستراتفور" الاستخباراتية الأمريكية الخاصة لشؤون الشرق الأوسط، لأن الشعب السعودي يدعم على ما يبدو الجهود الرامية إلى القضاء على الفساد، فمن الصعب على النخب الذين قد يتطلعون إلى مواجهة ولي العهد إيجاد الكثير من المؤيدين.

يضيف بول: "الشباب مع ولي العهد، ليس فقط لأنه هو نفسه شاب، بل أيضا لأنه يتخذ قرارات تحظى بشعبية كبيرة جدا أو طال انتظارها."

وفي الشهر الماضي، تم احتجاز 11 أميرا بدعوى محاولة اقتحام أحد القصور الملكية للشكوى من إلغاء بعض الامتيازات الملكية، حيث يعمل ولي العهد على إصلاح الاقتصاد في مواجهة انخفاض أسعار النفط.

وتم إرسالهم على الفور إلى سجن شديد الحراسة على مشارف الرياض، بانتظار المحاكمة، وفقا لتقارير وسائل الإعلام الحكومية. وتمت إقالة أمير آخر، والذي أفرج عن تسجيل صوتي يصف الأسباب التي تسوقها الحكومة لاعتقالهم ب"الكاذبة" و "غير المنطقية"، من منصبه كرئيس لإحدى الاتحادات الرياضية في المملكة.

كشفت الحادثة عن بعض التوترات المتصاعدة داخل العائلة المالكة، بعد أقل من عام على تولي ولي العهد منصبه خلفا للأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، الذي هو أكبر منه سنا وأكثر خبرة.

وقالت فطافطة، وهي من منظمة الشفافية الدولية، إن ولي العهد "نجح في خلق ثقافة الخوف" دون ضمان تغيير مستدام من خلال اتخاذ تدابير مثل الميزانية الأكثر شفافية واستقلال القضاء.

وأضافت "إذا أردت أن تكون هناك مساءلة حقيقية، فإن الجميع، بمن فيهم ولي العهد والملك، يجب أن يكونوا مسؤولين...في هذه الحالة، كيف تتأكد من أن ولي العهد لا يسيء استخدام سلطته بينما يحاول إبقاء العائلة المالكة تحت السيطرة؟"

ترك تعليق

التعليق