العاملات المنزليات السوريات.. الحلقة الأضعف في صفحات القوانين الحكومية


انخفض عدد العاملات المنزليات الأجنبيات "من غير العرب" في سوريا منذ مطلع العام 2012، بنسبة كبيرة جداً، بحيث باتت لا تتجاوز الواحد بالمائة، كنتيجة طبيعية لظروف الحرب وغياب الاستقرار والأمان وارتفاع نسبة الخطورة.

بدأت العاملات الأجنبيات بالتوافد إلى سوريا من "سيرلانكا والفيليبين وفيتنام واندونيسيا وبنغلادش ونيبال" منذ مطلع العام 2000، بتخديم أكثر من 35 مكتباً غير مُرخص حينها. وتطور استقدامهن إلى أن بلغ عددهن في المحافظات السورية في عام 2006 ما يُقارب الـ 180 ألف عاملة، الأمر الذي دفع "الحكومة السورية" حينها، لإصدار القانون رقم 81 للحد من استقدام العاملات بشكل غير قانوني، ووضعت ضوابط التشغيل وصيغة العقد بين أطراف العمل "المكتب والعاملة المُستقدمة والأسرة المُستفيدة"، بما يشمل مدّة عمل وحقوق وواجبات، والتوثيق لدى التأمينات الاجتماعية، وتكاليف الاستقدام بدءاً من رسوم بطاقة الطائرة والفحوصات الطبية ورسوم المغادرة والبالغة في أقصاها شاملةً "حصة الحكومة" والمكتب 3000 دولار أمريكي.

وتناقص عدد العاملات الأجنبيات إلى 900 عاملة في مطلع العام 2012 بتخديم 16 مكتباً لا أكثر، مما فتح المجال للعاملات السوريات النازحات من مناطق الصراع والمُتضررات بالدرجة الأولى من آثار الحرب الدائرة واللواتي وجدن أنفسهن وحيدات أمام تحمل أعباء الحياة الصعبة وأخذن مكان نصف العاملات الأجنبيات على أقل تقدير.

العمل كخادمة "فرصة قد لا تتكرر"!

"أم راجي" تبلغ من العمر 38 عاماً، لا تحمل أيّة شهادات دراسية، تنحدر من محافظة الرقة، لجأت إلى دمشق باعتبارها أكثر المناطق السورية أمناً بعد أن فقدت زوجها في القتال تاركاً لها ثلاثة أطفال. أجبرتها الظروف وتكاليف الحياة المُرتفعة ورعاية أبنائها على البحث عن عمل تلجأ إليه. ولم تجد أمامها سوى مهنة "الخادمة المنزلية" أو المُربية، كما يُسميها البعض، بحسب ما قالت لـ "اقتصاد".

وتحصل "أم راجي" على 50 ألف ليرة سورية أجرة عمل 25 يوماً في الشهر بثمانية ساعات عمل في اليوم الواحد.

وأردفت أنّها تسمع بين الفينة والأخرى بوجود قانون يُنظّم عمل العاملات السوريات في المنازل لكنّها إلى الآن لا تعرف أيّة تفاصيل عنه.

وعن كيفية إيجاد عملها قالت "أم راجي" إنّها لجأت لمكتب مُخصص لتأمين العمل وسجلت لديه وانتظرت دورها، وبعد أربعة شهور اتصل بها أحد كوادر المكتب وأخبرها بأنّ المكتب وفّر لها عملاً يبعد عن منزلها مسافة 5 كيلو متر وتقاضى المكتب لقاء ذلك أجرة شهر كامل.

وأشارت "أم راجي" أنّها بحثت كثيراً عن أي عمل "في المطاعم والمصانع والمعامل والمحلات التجارية"، إلّا أنّها لم تُوفّق لأنها لا تحمل أيّة شهادات دراسية.

وعن عقد العمل، أجابت "أم راجي" أنّه بالرغم من انعدامه، إلّا أنّها مُضطّرة للعمل بسبب كثرة السيدات المُسجلات، مُعتبرةً وظيفتها "فرصة قد لا تتكرر".

لم تعلم أم راجي التي تمسكت بحيائها وتحفّظت عن ذكر أسباب أخرى لعدم قبولها بأعمال المعامل والمصانع والمحلات التجارية، إن كان المكتب الذي لجأت إليه، يحمل رخصة مُزاولة لعمله أو لا، وتأكد "اقتصاد" من وجود أكثر من خمسة مكاتب تُزاول مهنة تأمين الأعمال للسيدات السوريات في العاصمة دمشق دون حصولها على ترخيص.

قانون بلا مُستفيد

نظراً لهجرة الشباب خارج البلاد وزج المُتبقين في جبهات القتال والعدد الكبير للوفيات، باتت السيدة السورية الأكثر احتياجاً لعملٍ يحفظ كرامتها. وأصدرت "حكومة النظام" القانون رقم "10 لعام 2014" الخاص بتشغيل العاملات المنزليات السوريات وتعليماته التنفيذية التي تُنظّم في بنوده الإجراءات الإدارية للمكاتب على حساب حقوق العاملات، حيث ركّز القانون على مُستحقات الحكومة من المكاتب كالبدل النقدي الواقع على كنف طالب الترخيص والبالغ 150،000 ليرة سورية في المرة الأولى و50،000 ليرة سورية لتجديد الترخيص السنوي أو افتتاح فرع جديد، وكفالة نقدية أو مصرفية مشروطة غير قابلة للإلغاء مقدارها 5،000،000 ليرة سورية تُقتطع بحكم قضائي.

وإجراءات عقابية تُفرض على المكاتب المُخالفة للقانون تبدأ من التنبيه الخطي والإنذار ووقف مؤقت للترخيص وإلغاءه، وغرامة مالية قدرها 100،000 ليرة لكل مكتب مارس الوساطة في تشغيل العاملات لصالح مكتب غير مُرخص، وغرامة قدرها 50،000 ليرة لتغيير مقر المكتب ولمن يفتتح فرعاً آخر دون رُخصة، و25،000 ليرة سورية في حال عدم تقديم تقارير سنوية دورية، وعدم تنظيم سجل لكل عاملة مُستفيدة، و15،000 ليرة لكل مكتب يُوظّف عاملاً لتسيير المعاملات دون الحصول على موافقة الوزارة.

كما يُعاقب بموجب القانون المُستفيد الذي يُخالف التزامات العقد مع المكتب بغرامة قدرها 50،000 ليرة سورية، و25،000 لمخالفة العقد مع العاملة.

وتعود الغرامات الناجمة عن المخالفات لخزينة "الدولة العامة" بنسبة 70% ونسبة 30% لحساب التشغيل وإحداث فرص العمل
إلّا أنّه وبالرغم من إصدار هذا القانون لم يتقدم أحد بطلب الترخيص حتى يومنا هذا.

تقارب في أجور الأجنبيات والسوريات
   
الأسرة السورية كانت تُفضّل العاملة المنزلية الأجنبية على العاملة السورية لعدّة عوامل، أهمها المُستحق الشهري، حيث كانت تكلفة العاملة الأجنبية ما بين 100 إلى 150 دولار أمريكي وفي أحسن الحالات 200 دولار أمريكي شهرياً حين كان سعر صرف الدولار الواحد 50 ليرة سورية فقط لا غير، بالإضافة إلى ندرة العاملات المنزليات السوريات بحكم العادات والتقاليد وغياب القانون الناظم للعمل.

وفي هذا السياق قالت لـ "اقتصاد"، الصيدلانية (ق ، م)، أنه بالرغم من التقارب الكبير بين أجور العاملات السوريات والأجنبيات إلّا أنّها ما زالت تُفضّل العاملات الأجنبيات عن السوريات لعدة أسباب أهمها احتفاظ العاملة السورية بهامش كبير من الحرية بالإضافة لعدم تحملها الاستفزازات وضغط العمل، ورفضها المبيت خارج منزلها وفصلها لأعمال التنظيف عن أعمال رعاية الأطفال.

بينما وبحسب السيدة (ق ، م)، فإن العاملة الأجنبية تُقدّم كافة الخدمات دون تمييز بدءاً بالتسوق والطبخ ومروراً بالتنظيف وصولاً لرعاية الأطفال، بالإضافة لعدم تدخلها في شؤون الأسرة أو حتى تقديم رأيها بشأنٍ ما.

جنون تكلفة ترخيص استقدام الأجنبيات

كانت "حكومة النظام" قد عدّلت القوانين المُتعلقة باستقدام العاملات الأجنبيات لمرات عديدة كان آخرها القانون رقم 40 لعام 2017 الذي رفع من تكلفة ترخيص مكاتب الاستقدام إلى سقف كبير وصل إلى 3،000،000 ليرة سورية عند الترخيص لأول مرة، و1،000،000 ليرة أثناء تجديد الترخيص السنوي، وتكليف صاحب المكتب بكفالة نقدية غير مشروطة قيمتها 15،000،000 ليرة سورية تُقتطع بموجب حكم قضائي.
 
وفرض القانون مُخالفات عديدة تبدأ من 5،000،000 ليرة لمزاولة المهنة دون ترخيص، و2،500،000 ليرة عن كل عاملة تُستقدم على اسم وهمي، و2،000،000 ليرة عند امتناع المكتب من تسجيل التنازل عن خدمات العاملة من المستفيد الأول إلى الثاني وأثناء امتناع المكتب عن إتمام ترخيص عمل المُستقدمة وإقامتها خلال 30 يوماً من تاريخ دخولها البلاد، و 1،000،000 ليرة في حاول مُزاولة المكتب أنشطة غير مُرخصة والقيام بأعمال وساطة استقدام خادمات لصالح مكاتب غير مُرخصة أو استقدام عاملات مُخالفة للشروط، و500،000 ليرة لكل مكتب يفتتح فرعاً آخر، و250،000 ليرة في حال امتناع المكتب عن تأمين بديل العاملة في حال إصابتها بأمراض سارية ومُعدية، وفي حال امتناع المكتب عن تقديم تقرير سنوي دوري للوزارة وسجلات خاصّة بالمستفيدين والعاملات.

كما نص القانون على استيفاء مبلغ 500،000 ليرة على المستفيد لقاء تشغيل العاملة لمدة أربعة أعوام، وفرض عليه غرامة 1،000،000 ليرة في حال تشغيل العاملة لمدّة تزيد عن أربعة أعوام، و500،000 في حال التنازل عن حق تشغيل العاملة للعمل لديه لمُستفيد آخر خلافاً للشروط، و 200،000 ليرة على المُستفيد المُمتنع عن تسديد الرسوم الواجبة عليه قانوناً.

بين قانون وآخر تُحافظ "حكومة النظام" على نصيبها من المُستحقات المادّية، وتبقى العاملة السورية الحلقة الأضعف في تقديم الواجبات، وسط غياب الحقوق القانونية، وابتزاز أرباب العمل، ناهيك عن الحاجة المُلحّة في تأمين أبسط مُقومات الحياة.

ترك تعليق

التعليق