"الفريكة".. مصدر دخل لبعض الأسر الحورانية، وتتفوق بأسعارها على أغلى أنواع الرز


عادت "الفريكة"، التي كانت تعتبر قديماً، من المواد الأساسية في الأكلات الشعبية الحورانية، إلى مؤونة المطبخ الحوراني من جديد، وذلك بعد غيابها عن موائد الطعام، وتراجع الإقبال عليها، مع ظهور البدائل الجاهزة، كالرز، والبرغل، لتحتل صناعتها في الوقت الحالي مكانة مرموقة، وتصبح من مدرات الدخل الجيدة لبعض الأسر.

و"الفريكة" كما يقول المهندس الزراعي عدنان القاسم، هي "حبوب القمح الخضراء المشوية، والتي يتم إنتاجها عبر طقوس ومراحل خاصة"، مشيراً إلى أن القمح الحوراني، الذي يتميز بقساوته، هو القمح الأنسب من بين جميع أنواع القمح لصناعة الفريكة.

ولفت إلى إن أهالي حوران، وعبر تاريخهم الطويل، اعتادوا على صناعة الفريكة في منازلهم، وعلى البيادر، لأنها كانت من مكونات مطبخهم الأساسية، التي تخزن إلى جانب البرغل والعدس وباقي حبوب المؤونة الأخرى، التي تصنع منها أشهر الأكلات الشعبية، مع المرق وقطع اللحم.

وأضاف أن الاهتمام بالفريكة، كان قد شهد تراجعاً ملحوظاً بسبب صعوبة تصنيعها، ولتوفرها جاهزة بالأسواق وبأسعار مقبولة نسبياً موضحاً أن الإقبال عليها خلال العامين الماضيين، نشّط سوقها من جديد، ودفع بعض المزارعين، إلى العودة لإنتاجها بكميات كبيرة، بعد أن باتت مطلوبة في سوق الاستهلاك، وأصبحت تحقق أرباحاً جيدة.

وأشار إلى أن "الفريكة" تحضر من سنابل القمح الخضراء الممتلئة، حيث يتم حصادها خضراء، ونشرها في الهواء ليوم أو يومين أو أكثر ومن ثم يتم تجميعها، وفردها على قضبان حديدية ممدودة بالهواء على شكل قفص، ويتم إشعال النار فيها، مع تقليبها "بالشواعيب" حتى لا تحترق، وبعد أن تشوى، وتسقط السنابل من سوق القمح، تؤخذ السنابل وتنشر في مكان جاف بعيداً عن أشعة الشمس لعدة أيام.

وأضاف، أنه بعد مرور عدة أيام على تجفيفها، تؤخذ السنابل المجمعة ويتم دراستها على "الدراسة" المخصصة للقمح، حيث يتم فرز حبات الفريكة عن القش.

وقال: "بعد تنظيفها من الشوائب تنقل إلى الجاروشة، لجرشها والحصول على حبات الفريكة خضراء اللون، المقسمة والجاهزة للطهي"، مبيناً أن عمليات تخليص القمح المشوي من السبلات، كانت تتم سابقاً وقبل ظهور "الدراسات الآلية" "بالطب أو بـ "الضرب" بعصي الخشب أو "المخابيط" وهي عصي ذات مقابض تستخدم لسحن السبلات ومن ثم يتم "تذريتها" في الهواء للتخلص من الشوائب والقش.

ويشير "أبو مازن"، 43 عاماً، وهو تاجر حبوب، في الريف الغربي، إلى أن الفريكة، تشهد إقبالاً على استهلاكها، رغم أسعارها المرتفعة.

وبين أن سعر الكغ منها، يباع في المحال التجارية بحوالي 1000 ليرة سورية، فيما يباع في مناطق أخرى بـ 1200 ليرة سورية، لافتاً إلى أن مبيعاته من الفريكة، كانت في العام الماضي نحو واحد طن، حقق منها ربحاً صافياً تجاوز الـ 150 ألف ليرة سورية.

وأضاف أن هناك عائلات تمتهن صناعة الفريكة، منذ عدة سنوات، وتحقق من هذا العمل أرباحاً جيدة، مشيراً إلى أن هذه العائلات تقوم بصناعة أطنان من هذه المادة كل عام، وتبيعها في أسواق المناطق المحررة، ومناطق النظام.

ويقول شاهر الحسين، 55 عاماً، وهو معلم متقاعد، إنه يقوم كل عام بصناعة أكثر من واحد طن من الفريكة، تصل أرباحها إلى أكثر من 700 ألف ليرة سورية، وهي تعادل أرباح عشرات الدونمات المزروعة بالقمح، لافتاً إلى أن تكاليفها لا تتعدى المئتي ألف ليرة سورية، وتشمل أجور النقل والحصيد وعمليات الجرش.

فيما أشار سالم العيسى، 35 عاماً، وهو مزارع، إلى أن دونمين من الفريكة، حققا له ربحاً صافياً تجاوز الـ 300 ألف ليرة سورية العام الماضي، موضحاً أن الأسعار يبدو ستكون أرخص هذا العام، بسبب إقبال الناس على صناعة الفريكة، ما يعني توفر كميات كبيرة منها في الأسواق.

فيما أكد الشاب سهيل المحمد، 25 عاماً، وهو عامل حر، أنه امتهن صناعة وحرق الفريكة بالأجرة، مشيراً إلى أنه اكتسب خبرته في هذا المجال، عن طريق والده، الذي علمه بعضاً من أسرارها.

وأضاف أن أجرة تحويل كل دونم من القمح إلى فريكة تبلغ نحو 1500 ليرة سورية، وأنه ينجز يومياً تفريك نحو 4 دونمات، مشيراً إلى أن العمل يحتاج إلى خبرة، وصبر، وتحمل الدخان والشحار الأسود، الذي يصبغ كامل الجسم.

يشار إلى أن "الفريكة" تعتبر من الأكلات الشعبية، التي تلقى أطباقها مع اللحم والمرق إقبالاً كبيراً في المنازل والمطاعم، وذلك نظراً لطيب مذاقها وفوائدها الصحية، وغناها بالألياف والنشويات والأحماض والبروتينات والمواد الأخرى المفيدة لصحة الجسم.


ترك تعليق

التعليق