هل تتدخل روسيا لإنقاذ الليرة السورية؟


رغم السقوط المدوي لقيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، والمؤشرات على تفاقم للأوضاع المعيشية، ونذر ثورة جديدة بدأت تلوح في أُفقِ مناطق سيطرة النظام، إلا أن الدور الروسي لا زال يسجل غياباً تاماً عن التطورات الأخيرة.

وتشهد العملة المحلية انهياراً متواصلاً، إذ تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 3000 ليرة سورية، قبل أن يعاود الهبوط إلى حدود 2700 ليرة، وذلك على الرغم من عدم دخول قانون "قيصر" الأمريكي حيز التطبيق بعد.

وفي خضم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يواجهها النظام السوري، تعالت الأصوات الموالية للأخير، مطالبة الحليفة روسيا بالتدخل لدعم الليرة، ومحاولة تثبيت قيمتها، كما ثبتت النظام، ومنعت سقوطه بالتدخل العسكري المباشر.

من جهته، يؤكد الأكاديمي والباحث بالشأن الروسي، محمود الحمزة، في حديث خاص لـ"اقتصاد" أن روسيا غير قادرة على التدخل الاقتصادي لوقف انهيار الليرة، لأن الموضوع مرتبط بالوضع الاقتصاد السوري كاملاً.

وأوضح أن الانهيار الحاصل في قيمة الليرة لم يحدث مصادفة، وإنما هو نتيجة للصراع الذي تشهده البلاد، وكذلك نهب الثروات، وتهريب الأموال إلى الخارج، إلى جانب التأثير الكبير لقانون "قيصر".

وحسب الحمزة، فإن روسيا لا تستطيع انتشال اقتصاد النظام السوري من أزمته، وهي بالكاد قادرة على تقديم مساعدات بسيطة، نظراً لما تعانيه أيضاً على المستوى الاقتصادي.

الحل السياسي

وحسب الباحث بالشأن الروسي، فإن روسيا قادرة على تدارك الوضع الاقتصادي للنظام في حالة واحدة، موضحاً: "روسيا قادرة على تحريك الحل السياسي، بزيادة الضغط على النظام لعدم وضع العراقيل أمام مسار الحل السياسي، نزولاً عند الرغبة الأمريكية، وحينها فقط قد يتحسن الوضع الاقتصادي السوري".

وقال إن وقف العمليات العسكرية، وإخراج المعتقلين، وإعادة اللاجئين، وإخراج إيران، إجراءات كفيلة بوقف قانون "قيصر"، وعودة الاقتصاد السوري إلى التعافي.

وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، قد عرض على النظام السوري عرضاً للخروج من الأزمة الاقتصادية، وقال قبل يومين: "واشنطن تريد أن ترى عملية سياسية ومن الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، فهي تطالبه بتغيير سلوكه وعدم تأمين مأوى "للمنظمات الإرهابية، وكذلك عدم تأمين قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة".

ومن هنا، لم يستبعد الحمزة أن تكون الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد، جزء من خطة أمريكية-روسية، للضغط على النظام السوري، لفرض حل سياسي يقبله الأسد مجبراً.

لكن الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد، اعتبر في حديثه لـ"اقتصاد"، أن روسيا مستفيدة من الانهيار الاقتصادي للنظام السوري، لأن ذلك سيساعدها على الاستحواذ على مزيد من المقدرات السورية، مقابل مساندة اقتصاد النظام.

وقال: "روسيا تريد ثمن مساعدتها للنظام المزيد من الامتيازات، والنظام حتماً لن يعارض ذلك، وخصوصاً إذا غرق في الأزمات أكثر".

محددات التدخل الروسي

وفي إطار الحديث عن الأسباب التي أدت بروسيا إلى عدم التدخل في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام السوري، تحدث الباحث الاقتصادي في مركز "جسور للدراسات"، خالد تركاوي، عن محددات التدخل الروسي لإنقاذ الليرة السورية.

وعلى صفحته الشخصية "فيسبوك"، قال: "نستطيع القول أن هناك أربعة قيود ترسم حدوداً أولية يرى الجانب الروسي أن عليه تجاوزها ليتدخل"، موضحاً: "هناك قيد داخلي يتعلق بقدرة روسيا على تأمين مبلغ التدخل، وهذا المبلغ لا يعد كبيراً وهو غالباً سيكون متاحاً في حالة الاقتصاد الروسي, فرغم أزمته الأخيرة، فإن الاقتصاد الروسي يمتلك احتياطات نقدية بقيمة 560 مليار دولار أميركي مما يغطي وارداته لعامين تقريباً, ويبقى كيفية إخراجه هل ستكون على شكل دين أو هبة أو غير ذلك".

وأضاف: "كذلك هناك قيد فني يتعلق بقدرة روسيا على ضمان أن هذا المبلغ سيستخدم للمساعدة عملياً في وقف تدهور الليرة وليس لأغراض أخرى, وهذا الأمر يتطلب عدداً كبيراً من الفنيين وقدرة أكبر على الإشراف والتحكم بالأجهزة الحكومية الاقتصادية".

ورأى تركاوي، أن روسيا تخشى من استفادة الأطراف الأخرى من هذا التدخل, مبيناً أنه "في حالة الجنوب السوري، على سبيل المثال نجد أن كثيراً من الدعم والإنجاز الروسي صب في صالح إيران، وفي حال ساعدت روسيا نظام الأسد اقتصادياً فالاحتمال الأكبر أن يستفيد حلفاء الأسد وميليشياتهم بشكل كبير نظراً لحجم انخراطهم ووجودهم على الأرض".

كما أشار إلى أن "قانون قيصر يستهدف كل من يدعم النظام, ويتوقع أن روسيا لا تزال في مرحلة تدرس فيها خياراتها ومدى هذه العقوبات وتأثيراتها عليها في حال تدخلت أكثر".

وبالبناء على ما سبق، استبعد الباحث أن تقوم روسيا بالتدخل لإنقاذ الليرة السورية، على المدى القريب.

ترك تعليق

التعليق