هل ستدفع الـ 8000 دولار؟.. لاجئون سوريون يجيبون "اقتصاد"


أجمع عدد من القانونيين والخبراء الاقتصاديين على أن كلام نظام الأسد حول إلقاء الحجز على أملاك السوريين المتخلفين عن دفع بدل الخدمة الإلزامية لا أساس قانوني له، واصفين الأمر بأنه نوع من "الترهيب" لجعلهم يدفعون البدل المادي لصالح خزينة النظام.

بمقابل ذلك، تباينت آراء عدد من الشباب السوري الموجود في مدينة إسطنبول، حسب ما رصد "اقتصاد"، حول دفع بدل الخدمة الإلزامية من عدمه في ظل التهديدات التي أطلقها النظام على لسان رئيس فرع البدل والإعفاء في شعبة التجنيد العامة التابعة للنظام.

وقال اللاجئ السوري "إبراهيم الحموي": "حقيقة المخاوف كبيرة من مسألة إلقاء الحجز على أملاك أسرتي في مدينة حماة، لكن بشكل عام نثق بكلام كثير من الحقوقيين الذين أوضحوا أن هذا الأمر لا يمكن تنفيذه قانونياً وهو ما أشاع شيئاً من الطمأنينة في نفوسنا، علماً أنه لو كنت أملك هذا المبلغ لما كنت متواجداً في إسطنبول وأعمل في مشغل للخياطة، كنت توجهت به إلى أوروبا منذ بداية وصولي إلى هنا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى 200% من الشباب هنا لا يملكون هذا المبلغ أصلاً، فكيف يريد منّا النظام دفعه؟!".

ووافقه بالرأي، اللاجئ السوري "عبيدة الحلبي" الذي قال: "رغم أن الموضوع أخذ صدى كبيراً بين الشباب السوري وسط حالة الخوف على أملاك أُسرهم والحجز عليها بحجة تخلف أي شاب في العائلة عن دفع بدل الخدمة، لكن بالنسبة لي أرى أن الموضوع مجرد تهديد ووعيد من النظام وأبواقه لدعم خزينته المنهارة، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل أن لدى أي شاب سوري هذا المبلغ 8000 دولار لدفعه للنظام هذا أولاً، وثانياً نثق بما أكده كثير من الحقوقيين أنه لا يجب علينا أن نخاف من تلك التهديدات التي نشرت على وسائل الإعلام، فالأمر قانونياً لا يتيح للنظام ممارسة تهديداته على أرض الواقع، لذلك أنا واحد من الشباب الذين قرروا عدم الالتفات لتلك التهديدات التي لا قيمة لها وسأتابع عملي ولن أكترث بها".

ولم يكن حديث "عبد القادر الحسكاوي" بمختلف عما سبق، إذ أكد أنه "بين الفترة والأخرى يتبين لنا حجم الواقع المتردي الذي يعانيه النظام وحجم التخبط بالقرارات التي يصدرها، وبين الفترة والأخرى يفاجئنا بأفكار وطروحات كان آخرها دعوة اللاجئين للعودة إلى (حضن الوطن) وكان عقد مؤتمر بخصوص ذلك، واليوم يهدد ويتوعد، وأنا أقول له من هنا (لن نخشاك ونخشى تهديداتك، وأصلاً أنت إن أردت الحجز على أملاكي فأنا لا أملك شيئاً، وأسرتي قانونياً لا علاقة لها بي وبتخلفي عن الخدمة أو دفع البدل، ولو كان معي هذا المبلغ كنت سأتوجه به إلى أوروبا لأنعم بحياة مستقرة تُحترم فيها حقوق الإنسان ويتم فيها منحي حقوقي كلاجئ".

أما اللاجئ السوري "همام الشامي"، فكان له رأي مخالف إذ قال إنه "في حال تأكد القرار فإنني مضطر لدفع بدل الخدمة الإلزامية خوفاً من مصادرة أملاكنا، وحتى الآن نحن ننتظر أي تأكيد حول هذا الأمر، لكني سأضطر لدفع مبلغ البدل لأن الأملاك التي سيحجزها النظام ستكون قيمتها أعلى من قيمة البدل".

وأضاف: "من زاوية أخرى هناك من يقول أن النظام سيعمد إلى إسكان بعض العائلات الإيرانية في الأملاك المصادرة وهنا يكمن الخطر في الموضوع".

في حين قال اللاجئ السوري "وائل الحمصي"، إنه "حين يواجه النظام السوري مزيداً من الضغوطات الداخلية فإنه يرمي بورقة زيادة الضغط المادي لإلهاء الناس وردعهم عن مطالبهم، خصوصاً بعد اندحار الشماعة الكبيرة (داعش)، ومع أخبار نية النظام في مصادرة أملاك من يتخلف عن دفع بدل الخدمة العسكرية، فإن المخاوف زادت في أوساطنا، بشكل كبير، إذ لا توجد عائلة في سوريا إلا وفيها أحد الأشخاص المتخلفين عن خدمة العلم".

وأضاف: "من جهة ثانية النظام لن يهتم بأملاك الناس وخصوصاً أن الشاري موجود سلفاً، هذا الخوف سيجعل الناس أمام خيارين الأول هو دفع البدل، والثاني البيع طواعية وتحويل ثمن الأملاك إلى خارج سوريا".

ورصد "اقتصاد" آراء عدد من القانونيين والاقتصاديين المهتمين بالشأن الداخلي السوري، الذين وجهوا عدداً من النصائح للشباب السوري اللاجئ بعدم الخوف من تهديدات النظام التي يتوعد بها المتخلفين عن دفع بدل الخدمة.

وقال الحقوقي "عبد الناصر حوشان": "القرار أولاً من الناحية الدستورية باطل، ولكن النظام يستخدم هذه القوانين للاستيلاء على أموال السوريين، إذ لجأ النظام إلى منح وزارة المالية تحصيل البدل وفق قانون تحصيل الأموال العامة وذلك عن طريق الحجز التنفيذي والبيع بالمزاد العلني".

وأضاف أن "كلام رئيس شعبة البدل فيه نوع من الترهيب لحث المكلفين على الدفع، وهو ما يثير الخوف عندهم فيدفعهم لبيع أملاكهم بأسعار بخسة لتجار محسوبين على شبيحة النظام أو دفع البدل لخزينة النظام".

وتابع: "لكن أنا أنصح بعدم الخوف وعدم الدفع، لأن هذه الإجراءات باطلة وقابلة للإلغاء في المرحلة الانتقالية حتى لو تصرف النظام بالأموال".

بدوره، قال المستشار القانوني "علي رشيد الحسن": "لا يوجود نص قانوني يمكن الاستناد إليه لحجز أموال ذوي المكلف المتخلف، إضافة إلى أن التصريح خالف نصوص العهود والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحق الملكية".

وأضاف: "أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في (المادة 17) على أن لكل فرد حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً، كما نصت مبادئ بينيرو على توفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها النازحون داخلياً وراءهم".

وأوضح أنه "يمكن فقط الحجز احتياطياً على أموال المكلف الذي لم يدفع بدل فوات الخدمة، استناداً إلى القانون 39 لعام 2019 وليس حجزاً تنفيذياً".

وبيّن: "يُعرّف الحجز الاحتياطي بأنه: وضع مال المدين تحت يد القضاء، لمنعه من القيام بأي عمل قانوني أو مادي من شأنه أن يؤدي إلى استبعاده أو استبعاد ثماره من دائرة الضمان العام للدائن الحاجز".

وأكد أن "الهدف من التصريح هو فقط من باب التهديدات من جهة ومن أجل رفد خزينة النظام بالمال من جهة ثانية".

وتابع موضحاً أن "عقوبة الحجز التنفيذي على أموال المكلف أو أموال من يخصه، سواء كانت له أو لأهله أو ذويه أو أي أحد يخصه فيها مخالفة جسيمة للدستور المعمول به حالياً في سوريا، وبالتالي المادة 15 من الدستور تنص على أن الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس الآتية: المصادرة العامة في الأموال ممنوعة، لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون، ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم، و تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل".

وأضاف: "كما تنص أنه يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية".

وقال أيضاً "بذلك تكون هذه التصريحات والقوانين والمراسيم الصادرة عن النظام السوري هي لترسيخ التغيير الديمغرافي، وسرقة موصوفة لأموال السوريين وسرقة ممتلكاتهم، وهي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية يجب وقفها وإلغاء أدواتها ومحاسبة النظام على ذلك".

وختم قائلاً "الشباب السوري الذين هم في مناطق النزوح أو دول اللجوء لهم مبرارات لخوفهم على أملاكهم وذويهم، كونهم يعلمون باستبداد وديكتاتورية هذا النظام الذي مازال يسرق حلمهم في مستقبل مشرق، ولكن ننصح الشباب السوري عدم الانجرار وراء هذه الترهات اللاشرعية وغير القانونية وعدم إقدام أي شخص على دفع البدل أو بيع ممتلكاته لأن هذا هو هدف النظام، سرقة أملاك السوريين وتجريدهم من ممتلكاتهم".

أما المهتم بالشأن الخدمي السوري "مصطفى النعيمي" فقال: "مما لا شك فيه أن القانون بحد ذاته انتهاك للحقوق المدنية ويخالف القانون الدولي الذي يمنع بشكل قاطع الحجز إلا على أموال الشخص المكلف، وكما يتيح القانون الدولي وكما يتيح القانون السوري الحجز على أموال الزوجة في حالات خاصة ولا يطال أهل المكلف كوالديه وإخوته".

وأضاف: "أعتقد أن القانون يندرج ضمن سلسلة قوانين الطوارئ التي بحد ذاتها تصادر حقوق المدنيين، إذ لا يوجد سند قانوني سوى المقطع المرئي الذي بثه النظام السوري، وأعتقد أن مؤسسات النظام لم يعد لديها القدرة التقنية والتنفيذية على إدارة قراراته التنفيذية في ظل الفوضى المستمرة لمراكز القرار السوري والتدخل السافر للميليشيات الإيرانية في سوريا ودول الجوار".

وأكد أنه "في حال بيع الضرورة أو بيع الإجبار، يجب متابعة توثيق هذه الحالات لغاية محاسبة المجرمين، وبدورها المنظمات الحقوقية في مرحلة ما بعد الأسد ستقوم بإعادة الحقوق إلى أصحابها وتعويض المتضررين، وفي حال بيع الإضطرار تحت تهديد السلاح أو السجن أو مصادرة الأرض، على من سيقوم بيع أملاكه للنظام أو وكلائه يجب أن يدرك أنه لا يمكن محاسبتهم مستقبلاً إلا في حالات خاصة تثبت أنهم قد وقّعوا تلك العقود مع أشخاص أو تجار يتبعون للنظام وأن تلك الأملاك قد بيعت بغير سعرها".

وشدد أنه "يجب على السوريين الاحتفاظ بالوثائق التي تثبت ملكيتهم للعقارات والأراضي التي قد بيعت في ظروف الحرب والتهديد، مع الاحتفاظ بوثائق الواقعة مع الشهود وتوثيق الحالات وذلك لتقديمها للجنة المساءلة والعدالة في سوريا المستقبل".

أما الخبير الاقتصادي، الدكتور "محمد حاج بكري" فرأى أنه "لا يوجد نص قانوني يؤيد هذا الحجز، وبالتالي القانون 39 لعام 2019 يؤكد على حجز أموال المكلف فقط، ولايمكن قانونياً السير في إجراءات الحجز أو البيع في المزادات العلنية دون نصوص وتشريعات قانونية".

وتابع قائلاً "لا يوجد في قانون خدمه العلم أو قوانين الجباية العامة للأموال أي نص يسمح لوزير الماليه بإلقاء الحجز على أي فرد من أفراد عائلة المكلف الممتنع عن التسديد، ويقتصر الأمر فقط على أموال المكلف".

وأكد أن "النظام السوري يبحث عن العمله الأجنبية لتأمين المستلزمات التي تمكن بشار الأسد من الاستمرار في حربه على الشعب السوري، ويفرض الإتاوات على السوريين ويستغل حاجتهم للوثائق والثبوتيات، ليثبت للعالم أجمع أنه دولة مافيا حقيقية يرأسها لص وقاتل ومجرم".

ويوم (أمس) الثلاثاء، نفى مدير الإدارة القنصلية في وزارة الخارجية والمغتربين التابع للنظام، المدعو "حسن خضور"، ماقاله رئيس فرع البدل والإعفاء في شعبة التجنيد العامة، حول إمكانية الحجز على أموال وأملاك ذوي المتخلفين عن دفع بدل الخدمة 8000 دولار، مدعياً أنه لا صحة لذلك على الإطلاق، ومتهماً منصات التواصل الاجتماعي بالترويج لذلك، دون أن يتطرق لما قاله رئيس فرع البدل والإعفاء أو يوجه اللوم له، الأمر الذي اعتبره موالون أنه "تخبط وكذب وفساد" داخل حكومة النظام، مؤكدين أنهم "لا يصدقون" هذا النفي من المدعو "خضور".

ومطلع شباط/فبراير الجاري، أعلن رئيس فرع البدل والإعفاء في مديرية التجنيد العامة التابعة للنظام، إلياس بيطار، في لقاء متلفز مع إحدى وسائل إعلام النظام، أن على السوريين عدم التهرب من دفع بدل الخدمة الإلزامية وقيمته 8000 دولار.

وقال إن "هناك قوانين صارمة سيتخذها القضاء أو وزارة المالية أو الهيئة العامة للضرائب والرسوم التابعين للنظام، تقوم بموجبها بالحجز التنفيذي بموجب كتاب صادر من شعبة التجنيد على ممتلكات وأرزاق كل من لا يدفع بدل الإعفاء من الخدمة، أو الحجز التنفيذي على أموال أهله أو ذويه".

واستنكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هذا الإعلان، مشيرة في تقرير لها صدر قبل أيام، إلى أن "الحكومة السورية، كما يظهر في التسجيل الذي نشرته، تحاول تحصيل الأموال كيفما استطاعت حتى عبر مصادرة أملاك أشخاص يتخلفون عن الدفع لعدم قدرتهم على ذلك".

وأضافت: "ليست هذه سوى الخطوة الأخيرة في سلسلة قوانين وسياسات كان هدفها معاقبة معارضين سياسيين مفترضين والسوريين الذين هربوا، وإغناء الحكومة المترنّحة من أموال السوريين المحبطين الذين يواجهون أصلاً مجموعة أزمات".

ترك تعليق

التعليق