النظام السوري يقتص من الطاقة للتخفيف من خسائره المالية


بدأت سلسلة رفع أسعار حوامل الطاقة تنطلق من قطاع لآخر، بالتزامن مع إعلان النظام السوري عن مبلغ الدعم المخصص للمحروقات في مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، والبالغ 2700 مليار ليرة، "ما يعادل 770 مليون دولار"، حيث تم رفع سعر المازوت الصناعي مساء السبت الماضي، من 650 ليرة إلى 1700 ليرة -الدولار يساوي 3500 ليرة-، وبعدها بيوم تم رفع سعر الغاز خارج البطاقة الذكية، ليصبح  سعر الأسطوانة المنزلية سعة 10 كغ بـ 30600 ليرة، والأسطوانة الصناعية والتجارية سعة 16 كغ بـ 49000 ليرة سورية.
 
أما الجديد في سلسلة رفع الأسعار هذه، ما كشفت عنه صحيفة "الوطن" الموالية للنظام السوري، عن نية وزارة الكهرباء رفع أسعار الكهرباء المستجرة للمنازل والفعاليات الاقتصادية كافة، بنسبة تصل إلى 50 بالمئة.

وبينت الصحيفة أن مؤسسة الكهرباء ستبدأ برفع تدريجي لأسعار الطاقة الكهربائية لمختلف القطاعات الاقتصادية، بنسبة 50 بالمئة للقطاع الصناعي و20 بالمئة للقطاع الزراعي، إضافة للشرائح العليا من الاستهلاك المنزلي التي يزيد استهلاكها على 1500 كيلوواط ساعي في الدورة الواحدة البالغة شهرين.

وسيشمل التعديل على تعرفة الكهرباء مستخدمي اللوحات الضوئية وعموم المشتركين من تجاري وحرفي وري وزراعة وغرف تبريد ودوائر رسمية، ومعابد وإنارة عامة، بهدف تخفيض الخسائر المالية بنسبة 50 بالمئة من الدعم، وفقاً للصحيفة ذاتها.

ويأتي الحديث عن رفع أسعار الكهرباء، بعد عدة تصريحات لوزير الكهرباء في حكومة النظام، غسان الزامل، خلال الأيام الماضية، والتي أعلن فيها عن مجمل خسائر قطاع الكهرباء خلال السنوات العشر السابقة، مقدراً إياها بأكثر من 100 مليار دولار، كما تحدث في تصريحات لجريدة "الثورة" التابعة للنظام، بأن الوزارة تقوم بمشاريع لإعادة تأهيل وصيانة محطات التوليد في عدد من المحافظات بقيمة 918 مليون يورو.

بدوره رأى المحلل الاقتصادي، أحمد المسالمة، أن الظاهر في قرارات رفع الأسعار التي يقوم بها النظام على حوامل الطاقة، أنها تخص الصناعيين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، من أجل إيصال رسالة بأن رفع الأسعار لم يقترب من ذوي الدخل المحدود أو المواطن العادي، لكن من جهة ثانية، فإن المتأمل في هذه العملية سوف يلاحظ أنها تخص المنتجين، أي أن ذلك سوف ينعكس حكماً على أسعار السلع التي ينتجونها، والتي في النهاية يشتريها المواطن ذو الدخل المحدود.
  
وأشار المسالمة في تصريح لـ "اقتصاد"، إلى أن الأسعار بدأت تتحرك في الأسواق منذ إعلان النظام رفع أسعار المازوت يوم السبت الماضي، وبعدها بيوم رفع أسعار الغاز، لافتاً إلى أن الأسعار سوف ترتفع أكثر في حال تم رفع سعر الكهرباء على الفعاليات الاقتصادية كافة، لأن المنتجين بكل بساطة سوف يقومون بتحميل أي زيادة بالسعر على المنتج.

ونوه المسالمة إلى أن خطة رفع أسعار حوامل الطاقة، تم قراءتها في مشروع الموازنة العامة للدولة، لدى إصدارها قبل نحو أسبوع، من خلال مبلغ الدعم المخصص للمحروقات والبالغ 2700 مليار ليرة، مبيناً أن هذا المبلغ يشير بوضوح إلى أن النظام سوف يبدأ بالتنصل من التزاماته تجاه دعم المحروقات، تحت ذرائع الخسائر الكبيرة التي يتكبدها، جراء اضطراره لاستيراد أكثر من 80 بالمئة من حاجته من النفط من الأسواق الخارجية بالعملة الصعبة، بعد أن كان الإنتاج المحلي يغطي كامل حاجته قبل العام 2011.
 
وختم المسالمة تصريحاته بالقول: "إن حاجة النظام من المحروقات من الأسواق الخارجية، بين نفط وغاز، تصل إلى نحو 15 مليار دولار سنوياً، فيما حدد مبلغ الدعم بـ 770 مليون دولار في موازنة العام 2022، أي أقل بكثير من 6 بالمئة"، مشيرا إلى أن "الفارق الكبير بين الرقمين، يؤكد بأن النظام يخطط  للمزيد من رفع أسعار الطاقة خلال العام القادم، أو التقتير كثيراً في استخدامها، وكما هو حاصل خلال الفترة الحالية".

ويعاني قطاع الكهرباء في سوريا، من أزمات كثيرة، تتمثل بالدرجة الأولى، بحسب تصريحات سابقة لوزير الكهرباء، بنقص الوقود اللازم لتشغيلها، أو بسبب التخريب الذي تعرضت له وحاجتها للإصلاح والترميم، حيث أشار الوزير غير مرة، عن الحاجة لأكثر من 25 مليون متر مكعب يومياً من أجل تشغيل محطات التوليد لتعمل بكامل طاقتها، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الفيول، بينما المتوفر لا يتجاوز الـ 9 مليون متر مكعب من الغاز.
 
وهو ما دفع وزارة الكهرباء إلى وضع برنامج تقنين جائر على المناطق السورية كافة، يتمثل بخمس ساعات وصل مقابل ساعة قطع واحدة، غير أنه على أرض الواقع، تصل ساعات القطع إلى أكثر من هذه الأرقام بكثير، وقد يستمر القطع لعدة أيام.  

وفي المقابل يرى مراقبون، أن أزمة قطاع الكهرباء في سوريا، يحاول النظام أن يختصرها في الفترة بعد العام 2011، من أجل تحميل المسؤولية للثورة، حيث يشير المهندس، نعيم عواد، الذي كان يشغل سابقاً مديراً لإحدى فروع شركات الكهرباء التابعة للدولة، أن قصة خسائر قطاع الكهرباء في سوريا، تعود إلى ما قبل هذا التاريخ بكثير، عندما كان المسؤولون يقدرون خسائر هذا القطاع بـ 10 مليار دولار سنوياً، ثم يقولون إن هذه الخسائر تتحملها الحكومة في سبيل دعم المواطنين.

ويؤكد عواد في تصريحات خاصة بـ "اقتصاد" أن سبب هذه الخسائر يعود بالدرجة الأولى إلى تقصير الدولة بعدم بناء محطات تحويل كافية، والتي تربط بين محطات التوليد ومناطق الاستهلاك، كاشفاً بأن المسافة القانونية بين محطة تحويل وأخرى، يجب أن تكون على الأقل 45 كيلو متراً، من أجل التخفيف من الفاقد الكهربائي، بينما في سوريا، فتصل المسافة أحياناً إلى أكثر من 100 كيلومتر، وهو ما يؤدي حسب قوله، إلى ضياع الطاقة الكهربائية، والتسبب بخسائر كبيرة للدولة، أما النظام فكان على الدوام يعتبرها جزءاً من عمليات الدعم التي يقدمها للمواطنين.

ولفت عواد إلى أن وزارة الكهرباء كانت قد تعاقدت مع شركة إيرانية لبناء عدد من محطات التحويل بعد العام 2002، بقيمة 450 ألف يورو، لكن بعد إنجاز بعضها، تبين أن بها أعطال كثيرة، وهو ما دفع الوزارة قبيل العام 2011، للتعاقد مع شركة صينية لبناء محطات جديدة بتكلفة 550 ألف يورو للمحطة، إلأ أن هذه الشركة لم تباشر أية أعمال بسبب قيام الثورة السورية.

وأكد عواد في ختام تصريحاته، أن المشكلة الأكبر التي يواجهها قطاع الكهرباء في سوريا هو قدم محطات التوليد، والتي يعود بعضها إلى أكثر من خمسين عاماً، بينما البعض الآخر تم بناؤه وفقاً لمواصفات بدائية لم يعد معمولاً بها اليوم، مثل محطة تشرين الحرارية بالقرب من دمشق، والتي تحتاج إلى عشرات ملايين الدولارات من أجل إصلاحها وتعديل مواصفاتها الفنية. 

ترك تعليق

التعليق