الدولار يساوي اليورو.. ماذا بعد؟


منذ إصداره في بداية عام 1999، واستخدامه بشكل فعلي في العام 2002، مر اليورو بالكثير من المراحل، هبط في بعضها دون سعر صرف الدولار، وبالتحديد في الفترة الأولى من إصداره، مع أنه تم تسعيره ليكون فوق سعر صرف الدولار بقليل.. وفي مراحل أخرى تجاوز سعر صرف اليورو، الدولار ونصف، وذلك في العام 2008، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، أو ما يعرف بأزمة الرهن العقاري الأمريكية.. وصولاً إلى المرحلة التي أصبح فيها اليورو مساوياً لسعر صرف الدولار، أو أكثر منه ببضعة سنتات، مع توقعات بأن ينخفض دون سعر صرف الدولار من جديد، بسبب مساعي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة أكثر من مرة، للتغلب على تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.

تراجع سعر صرف اليورو، يثير اليوم الكثير من القلق في الأسواق العالمية، ويضع الاتحاد الأوروبي في مأزق جديد، شبيه بذلك الذي حدث إبان إعلان بريطانيا الانسحاب من الاتحاد في العام 2016، والذي أدى إلى تراجع سعر صرف اليورو مقابل الدولار، إلى ما دون 1.10 بعد أن كان يراوح بين 1.17 و 1.20، حيث ظل على هذا الوضع حتى بعد إنسحاب بريطانيا بشكل فعلي من الاتحاد الأوروبي في العام 2019.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد استطاع امتصاص صدمة خروج بريطانيا منه، فإنه اليوم، بحسب الكثير من المحللين الاقتصاديين، يعاني من التخبط، بسبب زيادة فاتورة الاستيراد من الطاقة، بعد تخفيض مستورداته من النفط والغاز الروسي، واضطراره لاستيرادها من أسواق بعيدة بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى أن موازنات الدول الأوروبية تعاني بالأساس من عجز يفوق النسبة المسموح بها، وهي 3 بالمئة، وذلك بسبب جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، وهو ما زاد من كلفة الدعم الاجتماعي، الذي لازال مستمراً حتى اليوم، في وقت تعاني فيه الأسواق الأوروبية من تضخم كبير لم تشهده منذ عدة عقود..

بلغة أكثر بساطة، إن انخفاض سعر صرف اليورو، يشكل ضربة إضافية لاقتصادات الدول الأوروبية، لم تكن بالحسبان، وخصوصاً بعد أن بدأت هذه الدول بتعويض مستورداتها من الطاقة الروسية، من خلال السوق الأمريكية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في الإنفاق وأجور الشحن، سيما وأن الدولار هو العملة التي يتم بها تسعير المواد الأولية حول العالم.. أي على سبيل المثال ما كانت هذه الدول تستورده بقيمة مليار يورو، بات اليوم، ولنفس السلعة والكمية، بحاجة إلى أكثر من مليار و200 مليون يورو، بعد إضافة أجور الشحن الجديدة وتراجع سعر صرف اليورو.

هذا الواقع بدأ يفرض على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الكثير من الضغوط، سوف يضطرها لضخ المزيد من السيولة النقدية، ما سيدفع عملتها للمزيد من التراجع، وفقاً لرأي العديد من المحللين الاقتصاديين الدوليين..

لكن هناك من يرى أن دول الاتحاد الأوروبي لاتزال تملك الكثير من الأدوات، التي تجعلها قادرة على السيطرة على هذه الخضة الاقتصادية، من خلال توظيف انخفاض عملتها في زيادة صادراتها.. وهو ما سوف يؤدي إلى إعادة التوازن إلى اقتصادها، ومن ثم استقراره..

أصحاب هذا الرأي يعترفون بأن ذلك بحاجة لفترة زمنية ليست بالقصيرة، قد تستغرق حتى نهاية العام القادم، مستبعدين بنفس الوقت فكرة تفكك الاتحاد الأوروبي، التي بدأ يروج لها البعض، لأن هذه الدول بحسب قولهم، لاتزال تملك اقتصادات كبيرة ومخزونات هائلة من الذهب، تجعلها قادرة على مواجهة أي أزمة قد تتعرض لها.

ترك تعليق

التعليق