النظام يبني آمالاً اقتصادية كبيرة على الصين.. ما هي الحقيقة؟


تحاول وسائل إعلام النظام أن تروي نصف الحقيقة، من خلال عرضها للفوائد الاقتصادية التي ستجنيها سوريا، عبر ما وصفتها بالشراكة الاستراتيجية مع الصين، التي وقع اتفاقياتها رئيس النظام السوري بشار الأسد مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.. بل إن القارئ لآراء المحللين الاقتصاديين على تلك الوسائل سوف يعتقد بأن الصين عبارة عن جمعية خيرية كبيرة، ولديها الكثير من الصناديق التنموية التي لا شغل لها سوى تقديم المساعدات للدول الطامحة والراغبة بالخروج من الهيمنة الغربية.

ويرى هؤلاء المحللون أن سوريا تنطبق عليها المواصفات الصينية بحذافيرها، فهي تدعو منذ سنوات طويلة لأن يكون هناك أكثر من قطب واحد يقود العالم، وقد دفعت بحسب قولهم، ثمناً باهظاً لهذا التوجه، الذي دفع الغرب للتآمر عليها لإسقاط نظامها، لكن النظام السياسي نجح، ليس في وقف هذا المشروع فحسب، وإنما بإفشاله بالكامل.

جريدة "الوطن" الموالية للنظام، استطلعت آراء عدد من المحللين الاقتصاديين المتبنين لوجهة النظر السابقة، وعلى رأسهم الدكتور حيان سلمان، الذي بالغ في توصيف قوة الصين الاقتصادية بحيث جعلها القوة الأكبر في العالم: "إنها تعد الاقتصاد الأول إذا ما قيست بالأسعار الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي، حيث وصل ناتجها في عام 2023 إلى حدود 18 تريليون دولار، كما أنها استطاعت أن تتجاوز الدول السبع الصناعية بأكملها باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، لكن إذا ما قيس الناتج الإجمالي المحلي بأسعار المستهلك فيمكن القول: إنها تتجاوز أميركا أيضاً".

سلمان لم يكتف بهذا القدر من المبالغة، بل اعتبر بأن الصين تنظر إلى سوريا على أنها هدف استراتيجي مهم في مشروع إعادة إحياء طريق الحرير أو ما يسمى بمبادرة "الحزام والطريق"، عندما قررت إدخال سوريا في هذا المشروع في العام 2021، على اعتبار وقوعها عند نهاية البحار التي تسعى الصين للوصول إليها، لكنه تجاهل الحديث عن سيطرة روسيا على البحر المتوسط السوري بالإضافة إلى سيطرة إيران على الطريق الدولي القادم من العراق إلى السواحل السورية.

كما تحدث سلمان عن الصناديق المخصصة للتنمية التي تملكها الصين ويمكن لسوريا أن تستفيد منها، كصندوق التنمية الجديد الذي أسس عام 2014 برأسمال قدره 50 مليار دولار، والصندوق الاحتياطي بقيمة 100 مليار دولار، دون أن يذكر شيئاً عن واقع هذه الصناديق والتي كانت سبباً في دمار اقتصاديات كثيرة في أفريقيا وآسيا، فبعدما عجزت تلك الدول عن سداد الديون لتلك الصناديق، قامت الصين بالسيطرة على أصول كبيرة في تلك البلدان، مثل كينيا وسيرلانكا وباكستان وبنغلاديش والمالديف وغيرها الكثير من الدول، ما دفع الكثير من المحللين لوصف تلك السياسة بأنها استعمار جديد أخطر من الاستعمار الغربي، كونه يستخدم دبلوماسية الديون وفخ الإغراء بالأموال.

من جانبه، اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور أحمد صالح في تصريح لذات الصحيفة، أن سوريا لديها مقومات لتحتضن مشروعات الصين الكبيرة وتكون شريكة فيها، فموقعها الجيو اقتصاد سياسي يؤهلها لتكون عقدة للمواصلات الاقتصادية والثقافية والحضارية، إضافة إلى أن سوريا تمتاز بامتلاكها عمقاً حضارياً ورأسمالاً بشرياً كبيراً يمكن أن يسهم في تعزيز هذه العلاقات، ويستفاد أيضاً من سوريا لكونها نافذة الشرق على دول الغرب.

وقلل صالح من أهمية العلاقة الاستراتيجية مع الصين في التخفيف من العقوبات الغربية الاقتصادية على سوريا وفك الحصار الاقتصادي عنها، مستشهداً بتصريحات لرئيس النظام السوري بشار الأسد، يعترف فيها بأن العقوبات ليست هي المعوق الوحيد الذي يقف في وجه التنمية في سوريا وإعادة البناء، وإنما الاحتلالات الأمريكية والتركية والصهيونية على حد قوله، والتي تلعب دوراً كبيراً في استنزاف الثروات والموارد الاقتصادية.

كما استطلعت الصحيفة آراء بعض التجار، حيث قال عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق بأن الصين بدأت مؤخراً بالاستغناء عن الكثير من الصناعات لأسباب إستراتيجية وجغرافية كما أن تكلفة اليد العاملة فيها أصبحت مرتفعة جداً، لذا تعد سوريا قادرة من خلال موقعها الجغرافي المتميز أن تستفيد من تلك الصناعات وتوطينها في سوريا بشكل ما، وأساس العمل في هذه الصناعات هو توافر حوامل الطاقة، وعندما توجد هذه الصناعات في سوريا فإن اليد العاملة فيها تكون أرخص وبالتالي فهي تعطي ميزة تفضيلية، إضافة إلى أن أجور النقل إلى دول الشرق الأوسط التي كانت تعاني منها الصين ستكون أقل في سوريا.

وتأمل حلاق أيضاً بإعادة تفعيل الموقع الجغرافي لسوريا والاستفادة من موانئها لتكون مركزاً للاستلام والتواصل والتسليم، معتبراً أن كل الاتفاقيات الاقتصادية التي سيتم توقيعها هي مهمة لا شك، ولكن يبقى الدور الكبير ملقى على عاتق القوانين السورية، فمثلاً تحتاج بيئة العمل في سوريا إلى مرونة أكبر لجذب هذه الاستثمارات، مؤكداً أن قانون الاستثمار يعد اللبنة الأساسية ولكنه غير كافٍ.

ترك تعليق

التعليق