الاقتصاد الإسرائيلي في مرمى نيران الحرب بغزة


نشر موقع "سي إن بي سي عربية" تحليلاً بقلم إحدى محرراته، يتناول كلفة الحرب الإسرائيلية على غزة، من منظور اقتصاد الكيان الإسرائيلي. وحمل التقرير عنوان: هل يتحمل الاقتصاد الإسرائيلي (حرب غزة)؟".

وذهب التقرير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي مرشح بقوة لأزمة واسعة النطاق، جراء كلفة الحرب في غزة، والتي ستفاقم وضعاً مأزوماً بالفعل مع موازنة خلافية أقرت بالكاد قبل بضعة أشهر، وسط توقعات بأن تتأثر الكثير من المدخلات وأن تتخارج رؤوس أموال نتيجة الاضطراب الحالي. 

وبحسب المحلل الاقتصادي الإسرائيلي البارز جوزيف زعيرا، فإن الاقتصاد مقبل على ركود لا محالة، مع تراجع الإنتاجية المتوقع وكلفة الحرب الكبيرة على اقتصاد البلاد.

وقال التقرير إن إسرائيل تحشد قواتها الآن من أجل اجتياح غزة، حيث استدعت 360 ألف جندي من الاحتياط، وهو ما يمثل نحو 77% من قوات الاحتياط البالغة 465 ألف جندي وفق تقديرات موقع "غلوبل فاير باور" الأمريكي، فيما يبلغ عدد القوات الإسرائيلية العاملة 173 ألف عسكري.

وتشير تقارير متخصصة إلى أن كلفة اليوم القتالي تبلغ نحو 200 مليون شيكل (49 مليون دولار)، بما في ذلك نفقات استدعاء الاحتياط والذخيرة والمؤن.

وكانت إذاعة راديو إسرائيل أعلنت في عام 2014 خلال عملية على قطاع غزة أن تكلفة الجندي الواحد من راتب ونفقات غذاء وتشغيل تصل إلى قرابة 129 دولاراً، بحسب المذكور في ذلك الوقت، ما يعني أن حشد نحو 360 ألف جندي يكبد الموازنة نحو 46 مليون دولار يومياً لهذا البند وحده، أو 1.4 مليار دولار شهرياً، دون النظر إلى مقارنة فروق الأسعار بين عام 2014 والآن.

ويضيف التقرير أن هذه الكلفة تضاف إلى النفقات العسكرية التقليدية في الميزانية، لكن هناك كلفة أخرى تأتي من انقطاع جنود الاحتياط عن أعمالهم الأساسية في كافة قطاعات الدولة، ما يؤدي إلى تضرر الاقتصاد بصورة كبيرة إذا طالت فترة الاستدعاء.

ومن جانبها، قدّرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن الحرب مع حماس ستكلف إسرائيل ما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.7 مليار دولار) بحسب توقعات بنك "هبوعليم"، وذكرت في تقرير أن الحرب تأتي في وقت مليء بالتحديات بالنسبة للاقتصاد، إضافة إلى أن صندوق النقد الدولي حذّر من أن الاقتصاد العالمي يواجه حالة جديدة من عدم اليقين بسبب عوامل منها الحرب بين إسرائيل وحماس.

وقال كبير الاستراتيجيين في بنك هبوعليم، مودي شفرير: "سيتم استدعاء جنود الاحتياط للخدمة لفترة طويلة.. في الوقت الحاضر يمكن الافتراض (بتقدير تقريبي للغاية) أن تكاليف الحرب الحالية ستبلغ ما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني زيادة في عجز الموازنة بما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل".

وتستند توقعات بنك هبوعليم جزئياً إلى التكاليف خلال الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل. كما أشار التقرير إلى التجارب السابقة التي تبين أن تأثير الحرب على الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن يظهر بشكل رئيسي في أرقام الاستهلاك الخاص والسياحة، لكن التعبئة الكبيرة للغاية لقوات الاحتياط والتقدير بأن الحرب الحالية ستستمر لأسابيع عديدة، من المتوقع أن تؤدي إلى المزيد من الخسائر.

هروب الرساميل والشركات

في يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان مؤشر "TA-35" في بورصة تل أبيب مستقراً عند مستوى 1830 نقطة، لكن المؤشر تراجع بعنف ليصل إلى 1651 نقطة في 15 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن يتحسن قليلاً إلى 1669 نقطة مع إغلاق السوق في 19 أكتوبر/تشرين الأول، وقريباً من أدنى مستوى في 52 أسبوع الذي سجل 1650 نقطة. وحتى الآن، فإن المؤشر متراجع على أساس سنوي بنسبة 12.43%.

وفي سوق العملات، لا يزال الشيكل يعاني مع تراجعه الكبير مقابل الدولار الأمريكي، حيث انحدر إلى مستوى أكثر من 4 شيكل للدولار، وهو متراجع بنحو 12.75% على أساس سنوي. ويتجه نحو تسجيل أدنى أداء سنوي منذ أكثر من 20 عاماً، وذلك بعدما تراجع لأدنى مستوى في 8 أعوام. 

ويأتي تراجع الشيكل رغم بدء "بنك إسرائيل" ضخ ما يصل إلى 45 مليار دولار بالسوق المحلية، للحفاظ على استقراره، وتلبية أي طلب متزايد على الدولار، يتضمن بيع 30 مليار دولار وتخصيص 15 ملياراً إضافية من خلال أدوات المبادلة، بهدف تقليل تقلبات العملة.

أما عن عناصر الدخل الخارجي، فإن إسرائيل تعد دولة قوية في قطاع الخدمات التكنولوجية، لكن الاضطرابات الأخيرة دفعت لتخارج عدد كبير من المستثمرين، وهروب كثير من العاملين بالشركات الأجنبية مع غموض آفاق الأوضاع في غزة وإسرائيل معاً.

ومن جهة أخرى فإن حركة السياحة توقفت تماماً منذ بدء التوتر في قطاع غزة، وهي رافد أخر هام للدخل القومي في إسرائيل.

احتمالية خفض التصنيف

ومما يزيد من رجاحة تقديرات المخاطر، أعلنت وكالتا موديز وفيتش أنهما وضعتا تصنيف الديون السيادية الإسرائيلية الطويلة الأجل المصنفة حالياً في مستوى "A1"، "قيد المراجعة"، وذلك تمهيداً لاحتمال خفضه بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس.

ولم يسبق من قبل خفض تصنيف إسرائيل من جانب أي من وكالات التصنيف الثلاث الرئيسية وهي ستاندرد اند بورز غلوبال وموديز وفيتش.

وأعلنت "موديز" هذا القرار في بيان الخميس بعد يومين على خطوة مماثلة قامت بها وكالة فيتش التي وضعت تحت المراقبة السلبية علامة الدين السيادي لإسرائيل الطويل الأجل والقصير الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية.

وبررت "فيتش" احتمال خفض التصنيف يوم الثلاثاء "بتزايد خطر اتساع النزاع الحالي في إسرائيل ليشمل اشتباكات عسكرية واسعة مع جهات فاعلة عديدة، لفترة طويلة". بينما قالت "موديز" إنّ "هذه المراجعة تقرّرت بسبب النزاع المفاجئ والعنيف بين إسرائيل وحماس"، محذّرة من أنّ التداعيات الأخطر لهذا النزاع هي "كلفته البشرية"، وأكدت أن هذا الإعلان "مرتبط بتداعيات الحوادث الأخيرة على الائتمان"، بحسب وكالة فرانس برس.

وإذ ذكّرت موديز بأنّ توقعاتها للديون السيادية الإسرائيلية "كانت في السابق مستقرّة"، قالت إنّها ستدرس خلال المراجعة مستقبل الحرب الراهنة وتداعياتها. وقالت إنّها ستقوم خلال هذه المراجعة "بتقييم ما إذا كان من الممكن أن يتحرّك النزاع باتجاه حلّ أو ما إذا كان هناك احتمال لتصعيد كبير ولفترة طويلة".

وأوضحت موديز أنّ "المراجعة ستركّز على المدّة المحتملة للنزاع ونطاقه، وعلى تقييم آثاره على المؤسّسات الإسرائيلية، ولا سيما فعالية سياساتها وماليّتها العامة واقتصادها". وأشارت إلى أنّ "فترة المراجعة يمكن أن تكون أطول من الأشهر الثلاثة المعتادة".

ولفتت موديز بشكل خاص إلى الطبيعة غير العادية لهذه الحرب بالمقارنة مع سابقاتها. وحذّرت من أنّه "كلّما كان النزاع العسكري أطول وأكثر حدّة، كلّما زاد تأثيره على فعالية السياسات والمالية العامة والاقتصاد" في إسرائيل.

وأضافت "موديز" أنه "حتى إذا كان النزاع قصير الأمد يمكن أن يكون له تأثير على الائتمان، كلما كان النزاع العسكري أطول وأكثر حدة، كلما زاد تأثيره على فعالية السياسات والمالية العامة والاقتصاد".

وقالت فيتش إنه قد لا يتم خفض التصنيف إذا جرى "خفض للتصعيد مما يحد من مخاطر التأثير المادي طويل الأمد على الاقتصاد والمالية العامة" لإسرائيل.

وسجلت تكلفة التأمين على ديون الحكومة الإسرائيلية باستخدام ما يعرف بمبادلات مخاطر الائتمان السيادي قفزة كبيرة. ويستخدم المستثمرون مبادلات مخاطر الائتمان إما كأداة للحماية أو للمضاربة، وفي الأسبوع الماضي ارتفعت تكلفة شراء المبادلات لإسرائيل 80%، بحسب وكالة فرانس برس.

وفي تقرير حديث، قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إن التجار زادوا من رهاناتهم ضد الشيكل الإسرائيلي، ما يضغط على بنك إسرائيل لإبقاء أسعار الفائدة دون تغيير وتحقيق الاستقرار في العملة التي شهدت مرحلة انهيار غير مسبوقة. مشيرة إلى أن "المراكز المكشوفة" مقابل الشيكل ارتفعت بشكل حاد خلال الأسبوع، وفقًا لأبحاث دويتشه بنك.

قال روهيني غروفر، استراتيجي العملات في دويتشه بنك: "في هذا العام، وصلت المراكز المكشوفة على الشيكل إلى مستوى قياسي"، مضيفًا أنه خلال الأسبوعين الماضيين ارتفعت الرهانات ضد الشيكل أكثر من أي عملة أخرى يتتبعها البنك.

وأوضحت الصحيفة أن انخفاض العملة يضع بنك إسرائيل في مأزق، فمن ناحية، من المرجح أن تتعرض لضغوط لتحفيز الاقتصاد من خلال خفض تكاليف الاقتراض في مواجهة صدمة النمو، بينما من ناحية أخرى، ستكون حذرة من أن يؤدي ضعف العملة إلى قفزة في أسعار السلع المستوردة.

وقال ليام بيتش، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس: "إن بنك إسرائيل يشعر بالقلق بشأن ضعف العملة والذي يغذي التضخم، لكنها تدرك أيضاً أنهم إذا حاولوا دفعها في اتجاه معين، فقد ينتهي بهم الأمر إلى حرق احتياطياتهم".

وتابعت الصحيفة أن "سيتي بنك" أوصى باتخاذ موقف قصير الأجل على الشيكل هذا الأسبوع، محذراً من أن التكاليف المرتبطة بالحرب قد تتصاعد قريباً، وأن البنك المركزي الإسرائيلي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً.

ترك تعليق

التعليق