تحليل مشروع موازنة العام 2024


نشرت حكومة النظام السوري جميع تفاصيل وبيانات مشروع موازنة العام 2024، التي من المقرر مناقشتها في مجلس الشعب ومن ثم إقرارها بمرسوم رئاسي قبل نهاية العام الجاري.

وما هو لافت في البيان الذي نشرته الحكومة للحديث عن موازنة العام القادم، هو التفاصيل التي نشرتها عن الوضع المالي أو ما يسمى حسابات القطع، خلال العام الجاري، دون أن تشير إلى نقطة شديدة الأهمية، وهو أنه في النصف الثاني من العام الجاري، شهدت الليرة السورية انهياراً كبيراً أمام الدولار، فاق ضعف قيمتها بالمقارنة مع النصف الأول، فلم توضح الحكومة كيف تداركت هذه المشكلة في حسابات الموازنة، سيما وأن هذا الانهيار تزامن مع قرار رفع الرواتب والأجور، الأمر الذي يعني زيادة الإنفاق الجاري، وبما يعادل قيمة موازنة العام الجاري كاملة أو أقل بقليل.

وكشف بيان الحكومة أن إجمالي إنفاق الموازنة العامة للدولة لنهاية الربع الثالث من عام 2023 بلغ 12761 مليار ليرة سورية من أصل الاعتمادات الإجمالية البالغة 16550 مليار ل.س أي بنسبة تنفيذ قدرها 77.11 % موزع إلى مبلغ 11471 مليار ل.س إنفاق جاري بنسبة 84.66 % من إجمالي الاعتمادات الجارية، ومبلغ 1290 مليار ل.س إنفاق استثماري بنسبة 43% من إجمالي الاعتمادات الاستثمارية.

وتطرق بيان الحكومة إلى مراسيم المنح والزيادة في الرواتب والأجور وانهيار سعر الصرف وزيادة الإنفاق الجاري خلال النصف الثاني من العام الجاري، لكنه لم يكشف عن الآلية التي اعتمدتها الحكومة لتغطية الاعتمادات المالية المطلوبة لتغطية هذه الزيادات في الإنفاق، فعلى سبيل المثال لم تذكر شيئاً عن الوفورات المالية التي تم تحقيقها من رفع أسعار المشتقات النفطية في الشهر الثامن من العام الجاري، ولم تذكر شيئاً عن قيمة التحصيل الضريبي أو نتائج رفع أسعار العديد من الخدمات والسلع، وحجمها المالي في موازنة العام الجاري.

مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2024 

قدرت اعتمادات مشروع موازنة عام 2024 بمبلغ 35500 مليار ل.س مقابل مبلغ 16550 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 18950 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 114.5 بالمئة.

حيث قدرت اعتمادات العمليات الجارية في مشروع موازنة عام 2024 بمبلغ 26500 مليار ل.س مقابل مبلغ 13550 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 12950 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 95.57 بالمئة.

تحليل الاعتمادات المقدرة للعمليات الجارية في مشروع موازنة عام 2024 

أوضح البيان أن الاعتمادات المخصصة للرواتب والأجور والتعويضات في مشروع موازنة عام 2024 قدرت بمبلغ 4580 مليار ليرة سورية، مقابل مبلغ 2114 مليار ليرة سورية في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 2466 مليار ليرة سورية وبنسبة زيادة قدرها 116.65 بالمئة.

وذكر البيان أن الاعتمادات المخصصة للنفقات الإدارية قدرت بمبلغ 3620 مليار ليرة سورية، مقابل مبلغ 1379 مليار ليرة سورية في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 2241 مليار ليرة سورية وبنسبة زيادة قدرها 162.51 بالمئة، وقد تركزت معظم هذه الزيادة على الأدوية والمستلزمات الطبية والمخبرية ولاسيما الأدوية السرطانية، حيث زادت الاعتمادات المخصصة بنسبة 201.43 بالمئة عن اعتمادات عام 2023، وكذلك زيادة الاعتمادات المخصصة للمحروقات والمستلزمات التعليمية والأعمال الامتحانية.

النفقات التحويلية 

ومما هو لافت في بيان الحكومة هو تطرقه لموضوع النفقات التحويلية، إذ أنها المرة الأولى، في حدود ما نعلم، الذي تتحدث فيها الحكومة صراحة عن هذا البند، حيث قدرت هذه الاعتمادات بمبلغ 6776 مليار ليرة، مقابل مبلغ 5244 مليار ليرة، في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 1532 مليار ليرة.

والمقصود بالنفقات التحويلية في الموازنة العامة للدولة، هو دعم النشاطات التطويرية التي لا علاقة لها بالسلع والخدمات، بينما لم يفصّل بيان الحكومة آلية إنفاق هذا المبلغ، لأنه أحياناً يتم استخدامه في دعم أنشطة اجتماعية وسياسية خارج اختصاص الحكومة.. ومن جهة ثانية فإن المبلغ المخصص لهذا البند كبير جداً، ما يقارب 7 تريليون ليرة، أي ما يعادل أكثر من سدس الموازنة العامة للدولة..!!، فلماذا تم إغفال ذكر تفاصيل إنفاق المبلغ..؟!

ما دفعنا لإثارة الأسئلة حول هذا البند في مشروع موازنة 2024، هو بند آخر تم تخصيصه لتثبيت الأسعار تحت مسمى "الدعم الاجتماعي"، حيث قدرت الاعتمادات المخصصة له بمبلغ 6215 مليار ل.س مقابل مبلغ 4927 مليار ل.س في موازنة عام 2023، بزيادة مقدارها 1291 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 26.20 بالمئة.

أي أن مبلغ النفقات التحويلية أكبر من مبلغ الدعم الاجتماعي في موازنة العام 2024..!

وذكر البيان أنه لم يتم رصد أي اعتمادات لدعم الطاقة الكهربائية والبالغة 14500 مليار ليرة سورية وإنما ستتم معالجته وفق سلسلة التشابكات المالية بين الجهات العامة.

عجز الخبز 

اعترف بيان الحكومة أن لديه عجز في الدقيق التمويني بسبب ارتفاع سعر شراء القمح المسلم من الفلاحين إلى المؤسسة السورية للحبوب لموسم عام 2024 إلى 4.2 مليون ل.س للطن الواحد للقمح القاسي والطري بدلاً من 2.8 مليون ل.س.

كذلك ارتفاع سعر الصرف من 3000 ل.س إلى 11500 ليرة سورية مما انعكس على ارتفاع أسعار وسطي عقود القمح الطري الخبزي المستورد (361.36 دولار أمريكي للطن أي 4155640 ل.س).

ومن الأسباب أيضاً زيادة الرواتب والأجور والتعويضات وارتفاع حسابي المستلزمات السلعية والخدمية لاسيما أسعار المشتقات النفطية وقطع الغيار ومواد التعبئة والتغليف والصيانة وارتفاع أجور الطحن ونقل الأقماح.

عجز المشتقات النفطية 

في هذا البند تحديداً، نستطيع أن نكتشف بأن حكومة النظام حققت وفورات مالية كبيرة من رفع أسعار المشتقات النفطية، فعلى الرغم من ارتفاع سعر الصرف وارتفاع أجور الشحن والنقل وزيادة الرواتب والأجور والتعويضات وارتفاع المستلزمات الإنتاجية (قطع الغيار- الصيانة) وأجور النقل بالصهاريج وغيرها، فقد انخفض عجز المشتقات النفطية لدى شركات محروقات من 3000 مليار ل.س في عام 2023 إلى 2000 مليار ل.س في عام 2024، وقد قدرت وزارة النفط والثروة المعدنية إنتاجها من النفط في عام 2024 بـ94618 برميلاً يومياً، مقابل 93981 برميلاً يومياً في عام 2023، أي بزيادة مقدارها 637 برميلاً يومياً، كما قدرت الخطة الإنتاجية للغاز الخام في عام 2024 بـ14 مليون متر مكعب يومياً، مقابل 14.5 مليون متر مكعب يومياً في عام 2023، أي بانخفاض قدره /0.5/ مليون متر مكعب يومياً.

الديون 

من يقرأ بيانات مشروع موازنة العام 2024، لا بد أن يقع في حيرة، وخصوصاً عند الوصول إلى بند الديون، حيث قدرت الحكومة الاعتمادات المخصصة لهذا المبلغ بـ 11494 مليار ل.س مقابل مبلغ 4801 مليار ل.س في موازنة عام 2023 أي بزيادة مقدارها 6693 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 139.41 بالمئة.

و بلغة بسيطة، فإن ثلث الموازنة المقدرة بـ 35500 مليار ليرة، مخصص تقريباً لسداد الديون.. أي أن الموازنة في حقيقتها تبلغ 24 تريليون ليرة إذا استثنينا بند الديون، منها 9 تريليون ليرة للمشاريع الاستثمارية، ونحو 13 تريليون ليرة للنفقات التحويلية والدعم الاجتماعي، وهو ما يعادل قيمة الموازنة كاملة.. فمن أين سيتم تغطية باقي الاعتمادات للنفقات الجارية..؟! وخصوصاً أن العجز المقدر في الموازنة يبلغ أكثر من 9 تريليون ليرة..!

الإيرادات المقدرة لمشروع موازنة عام 2024 

قدرت إجمالي الإيرادات العامة في مشروع موازنة عام 2024 بمبلغ 26096 مليار ل.س مقابل مبلغ 11690 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 14406 مليار ل.س وبنسبة زيادة مقدارها 123.23 بالمئة.

كما قدرت الإيرادات الجارية 2024 بمبلغ 15041 مليار ل.س مقابل مبلغ 7266 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 7775 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 10701 بالمئة.

طبعاً لم يذكر البيان أية تفاصيل عن هذه الإيرادات ومن أين ستأتي، وإنما هي أرقام تم وضعها كـ "دوكمة"، بل الغريب أن البيان تحدث عن زيادة الإيرادات الاستثمارية لمؤسسات القطاع العام الاقتصادي، وقدم أرقاماً كبيرة، من أجل أن يوحي بعودة النشاط الاقتصادي لهذه المؤسسات في الوقت الذي تشير فيه جميع التقارير إلى أن القطاع العام الاقتصادي شبه متوقف عن النشاط وهو خاسر بالإجمال.

بكل الأحوال قدرت الحكومة الإيرادات الاستثمارية المحققة من مؤسسات القطاع العام الاقتصادي في مشروع موازنة عام 2024 بمبلغ 11055 مليار ل.س مقابل 4424 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 6631 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 149.89 بالمئة.

وعزا بيان الحكومة أسباب الزيادة إلى زيادة الفوائض الاقتصادية المقدرة لمؤسسات وشركات القطاع العام الاقتصادي من مبلغ 2879 مليار ل.س في عام 2023 إلى مبلغ 7415 مليار ل.س في عام 2024، أي بزيادة مقدارها 4536 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 157.57 بالمئة.
 
وبررت الحكومة هذه الزيادة بتحسن واقع الإنتاج في تلك المؤسسات والشركات مما انعكس إيجاباً على زيادة إيراداتها. إضافة إلى زيادة إيرادات الفنادق التي تمتلكها الدولة وحق الدولة من حقول النفط والثروات المعدنية وشركات عقود الخدمة من مبلغ 1545 مليار ل.س في عام 2023 إلى مبلغ 3640 مليار ل.س في عام 2024، أي بزيادة مقدارها 2095 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 135.6 بالمئة.

طبعاً كما هو ملاحظ، الكلام السابق بدون أية تفاصيل..!

العجز المقدر في مشروع موازنة عام 2024 

بلغ العجز المقدر في مشروع الموازنة العامة للدولة حسب البيان بمبلغ 9404 مليار ل.س مقابل مبلغ 4860 مليار ل.س في موازنة عام 2023، أي بزيادة مقدارها 4544 مليار ل.س وبنسبة زيادة قدرها 93.5 بالمئة، إلا أنه انخفضت نسبة العجز المقدر من إجمالي اعتمادات الموازنة من 29.37 بالمئة في موازنة عام 2023 إلى 26.49 بالمئة في مشروع موازنة عام 2024 ويعود سبب ذلك إلى زيادة الإيرادات العامة 123.23 بالمئة بنسبة أكبر من زيادة اعتمادات الموازنة 114.5 بالمئة.

المخاطر المالية لمشروع الموازنة لعام 2024 

ولم ينسَ بيان الحكومة في الختام، التطرق إلى المخاطر المالية التي سوف تواجه موازنة العام 2024 في محاولة استباقية لتبرير حدوث أي خلل مالي في العام القادم، والتي يأتي على رأسها، استمرار التقلبات في سعر الصرف مقابل الليرة السورية وارتفاع معدلات التضخم ومخاطر تأثيره على العديد من بنود الموازنة في جانب النفقات من خلال تغير وانحراف أسعار السلع الأساسية (مشتقات نفطية- قمح- أدوية…).

ومن المخاطر التي ذكرها البيان: "عدم كفاية ما يؤول من إيرادات للخزينة المركزية وفق ما هو مخطط له، نتيجة لتراجع التحصيلات الضريبية أو الفوائض الاقتصادية بسبب انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في ضوء استمرار الحصار الاقتصادي والعقوبات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، وهناك مخاطر من استمرار النزاعات العالمية والإقليمية والسياسية التي يشهدها العالم ومن التقلبات المناخية والبيئية وآثارها الكارثية على قطاعي الزراعة والموارد المائية".

خاتمة 

مما سبق، يمكن ملاحظة بأن أرقام الموازنة لعام 2024، لم تراع الشفافية المطلوبة في تبيان النفقات والإيرادات، وكيف سيتم تغطية هذه الأرقام التضخمية بالمقارنة مع موازنة العام 2023، وكأن من أعد الموازنة أحد فروع المخابرات وليس فريق اقتصادي مختص.. فهي أرقام بحسب وصف أحد المراقبين، كأنه تم وضعها بلعبة نرد..!

ترك تعليق

التعليق