رفع الدعم.. من التطبيل إلى التطبيق


بدأ النظام السوري في الآونة الأخيرة بالعزف على نغمة بأن الدعم يتحمل المسؤولية الأكبر فيما تعانيه البلاد من أوضاع اقتصادية صعبة، وبالتالي فإن أي بحث للخروج من هذه الأوضاع لا بد أن يبدأ من إعادة النظر في ملف الدعم.

وقبل بضعة أيام، خرج رئيس النظام السوري بشار الأسد، مع اقتصاديي "البعث"، وبدا واضحاً من خلال اللقاء أنه يفتح الطريق للحكومة للبدء بتنفيذ ملف رفع الدعم، بينما كان قد سبقه تصريحات هنا وهناك لبعض الوزراء، تحدثوا فيها عن أن إعادة النظر في ملف الدعم يجري مناقشته داخل الحكومة، بعدما اتضح بأنه السبب المباشر في العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة.

وسائل إعلام النظام من جهتها، نشطت خلال الأيام الماضية بعمل تقارير كثيرة، استطلعت فيها آراء عدد كبير من الأكاديميين الاقتصاديين، عن وجهة نظرهم في ملف الدعم ومدى مسؤوليته بالفعل عن الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الاقتصاد السوري، وقد أكد أغلبهم، أن الخطأ ليس في الدعم، لأن جميع الدول تدعم مواطنيها، وإنما المشكلة هي في السياسة الحكومية التي تدير ملف الدعم.

"فمقابل تمويل الدعم هناك هدر كبير وسرقات وفساد تحت مظلته وهي بالنتيجة عبء كبير على خزينة الدولة، التي تنتهي بالعجز لذلك لا تستطيع الاستمرار بهذه السياسة"، بحسب حديث الدكتور شفيق عربش لصحيفة "تشرين" التابعة للنظام.

الكثير من الاقتصاديين تساءلوا: إنّ الحكومة تدعم حالياً بشكل كلي، الخبز، وبشكل جزئي المحروقات والكهرباء، بالإضافة إلى الصحة والتعليم.. فما هو المطلوب إعادة النظر به بالضبط؟

الباحثة الاقتصادية رشا سيروب، تحدثت لصحيفة "تشرين" بأن الاقتراب من ملف الصحة والتعليم، سوف يكون خطراً يهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي بذات الوقت، بل على العكس، يجب على الحكومة أن تزيد من دعمها لهذين القطاعين، لأن ذلك سوف يزيد من نسبة النمو الاقتصادي، بحسب قولها.

سيروب كانت تشير بشكل غير مباشر لتصريحات وزير الصحة في حكومة النظام، قبل نحو عشرة أيام، والتي تحدث فيها عن ضرورة إعادة النظر في الدعم المقدم في قطاع الصحة وبالذات المشافي الحكومية، ملمحاً إلى أن هناك مناقشات لإشراك القطاع الخاص في هذه المشافي، ما يعني نهاية عصر الطبابة المجانية، وفقاً لقراءة الكثير من المراقبين.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أكد البعض بأن وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، تدرس فرض رسوم بسيطة على الطلاب، تدفع شهرياً أو سنوياً، بذريعة المساعدة في تأمين تكاليف مستلزمات العملية التعليمية، وذلك بعد أن أعلنت الكثير من المدارس بأنها لا تملك ثمن الأوراق الامتحانية لطلابها ولا ثمن الطباشير التي يستخدمها المعلمون وغيرها من الأدوات.

ويبقى الأخطر في ملف رفع الدعم، هو الخبز، الذي تم رفع سعره مؤخراً من 200 ليرة إلى 400 ليرة للربطة، بينما تقول الحكومة إن تكلفة الربطة عليها تفوق الـ 6 آلاف ليرة، مشيرة إلى أنها تتكبد سنوياً مئات المليارات من الليرات السورية في سبيل دعمه، في تمهيد واضح إلى أن هناك نية مبيته لرفع سعر الخبز مجدداً.

ولا يمكن أن نغفل في هذا المجال، ما كتبته المستشارة في القصر الجمهوري، لونا الشبل، قبل عدة أيام، في الصفحة المنسوبة إليها على "فيسبوك"، والتي أكدت وجود زيادة قريبة على الرواتب، حيث رأى العديد من المراقبين، أن هذا المنشور الذي أتى بالتزامن مع لقاء بشار الأسد باقتصاديي "البعث"، يشير إلى أن النظام ينوي بالفعل إجراء زيادة على الرواتب، لكن مقابل رفع سعر الخبز، ورفع سعر المحروقات الموزعة على البطاقة الذكية، كمرحلة أولى، ومن ثم رفع الدعم تدريجياً عن قطاعي الكهرباء والصحة في المرحلة القادمة.

لا شك، هناك شيء قادم فيما يخص ملف الدعم في سوريا، ويبدو ذلك جلياً من خلال التمهيدات الكثيرة التي يقوم بها النظام، سواء عبر تصريحات الوزراء أو عبر ما تنشره الصحف يومياً، أو من خلال ظهور بشار الأسد بنفسه لكي يعلن ضرورة إعادة النظر بهذا الملف.. وقد يقول قائل، إن النظام السوري ليس بحاجة لذرائع وحجج لكي يرفع الدعم أو يرفع سعر أي سلعة يتحكم بتقديمها، فهو يستطيع أن يفعل ما يشاء دون أن يحاسبه أحد. لكن على ما يبدو أن ما يجري التخطيط له والعمل عليه، سوف يكون موجعاً للكثير من السوريين في مناطق سيطرة النظام.. لذلك وجب التمهيد.

ترك تعليق

التعليق