النظام "يفترس" محيط مطار دمشق بحجة إقامة مشاريع كهربائية

لعقود خلت خبر السوريون "الدولة" باعتبارها القوة التي لاجدوى من مقاومتها أو رد أوامر من يمثلونها، فـ"الدولة" تأمر لتطاع فقط، وإذا طلبت من هذا "المواطن" أو ذاك أن يتخلى عن كل ما يملك، من باب "السلبطة" ودون سند قانوني، فإن عليه أن يتخلى، وإلا فإن الدولة قادرة على "قوننة سلبطتها"!

"قوننة السلبطة" وضعت مئات آلاف عقارات السوريين من مبان وأراض تحت تصرف "الدولة"، مقابل تعويضات مبكية- مضحكة، وهي تجربة عايشها الكثيرون، ويعايشها اليوم آخرون، في مناطق مختلفة، بدءاً من حوران التي تخضع لحملة استملاكات شرسة على حدودها مع الأردن، وليس انتهاءً بالعقارات المحيطة بمطار دمشق الدولي.

ظاهره وباطنه
فقد أصدرت حكومة النظام السوري قراراً باستملاك مناطق محيطة بالمطار الواقع في ريف دمشق، بحجة نصب أعمدة وأبراج كهربائية وفتح مسارات لخطوط التوتر العالي.

قرار الحكومة الذي حمل الرقم "18905" نص على استملاك العقارات الواقعة ضمن مسار وحرم خط التوتر العالي 66 كيلو فولت، والممتد بين محطتي تحويل تشرين-مطار دمشق الدولي.

كما نص على استملاك عقارات من مناطق:حران العواميد، قيسا، الجعيدية، الكفرين، الخامسية ، الغسولة، العتيبة، و وديان الربيع. وجميع هذه المناطق تحيط بمطار دمشق الدولي وتبعد عنه بمسافات تتراوح بين 1و6 كيلومترات.

وعدّ القرار العقارات المشار إليها "ذات نفع عام" تتيح للسلطات "المرور في الأراضي غير المنظمة، ووضع الأعمدة والأبراج.. وتمديد الخطوط الكهربائية في الأراضي غير المنظمة وغير المرخصة".
كما أتاح "تمرير الكابلات على جدران الأبنية القائمة، وقطع الأشجار والأغصان التي تعترض شبكاتها عند الضرورة، والإشغال المؤقت لأراضي الغير للمدة التي يتطلبها تنفيذ المشروع، وإنشاء الأنفاق في أملاك الغير خارج التنظيم".

ظاهر القرار إذن تمديد خطوط توتر، ولكن التوتر الذي يسيطر على سوريا عامة، وعلى محيط مطارها الأكبر خاصة، أعطى للقرار الاستملاكي بعداً آخر، وجعل أهالي البلدات المتضررة منه يجزمون بأن القرار يحمل طابعاً انتقامياً واضحاً، يتيح للنظام وأجهزته اقتلاع منازل الأهالي في تلك المناطق المتمردة، وتجريف أراضيهم، كما يعطي قوات النظام مساحة أوسع للمناورة في الدفاع عن المطار، الذي يستميت في سبيل عدم سقوطه، لأن وقوعه بأيدي الثوار سيشكل ضربة قاضية لشرعية النظام من وجهة نظر القانون الدولي.
التنفيذ أولاً!

ويرى ناشطون من أبناء المنطقة المنكوبة بجيش النظام وبقرار الاستملاك معاً، أن القرار الذي صدر في 10 شباط /فبراير الجاري، جاء كرد فعل على تغلغل الجيش الحر في بلدة حران العواميد التي لا تبعد سوى 2 كيلومتر عن المطار.

ونشر أحدهم على صفحة تنسيقة حران العواميد، ما نصه: "بعد المعارك التي دارت في بلدة حران العواميد ودكها من قبل جيش النظام بشتى أنواع القصف الهمجي من طيران ومدفعية وراجمات، هاهو اليوم يقوم بمسحها وبشكل مشرعن وفي غياب كامل عن وسائل الإعلام، حيث أصدر النظام قراراً باستملاك هذه الأراضي وضمها إلى حرم المطار".

وتابع: "عشرات البيوت تم هدمها ومسحها بشكل كامل، أما البيوت الأخرى فقد تمت سرقتها وبشكل ممنهج، فالبيت الذي لا يسرق يحرق.. السيارات تخرج يومياً من البلدة معبئة بالمسروقات من البيوت متجهة نحو المطار" 

ويرى ناشطون أن الجيش كان بحاجة إلى"غطاء قانوني لأعمال التجريف" فكان له ما أراد بقرار حكومي لاستملاك الأراضي.

ولكن آخرين لفتوا إلى أن "أعمال التجريف بدأت قبل نحو 10 أيام من صدور قرار الاستملاك"، وهذا لوحده أعجوبة، حيث يحتاج تنفيذ أي قرار مبرم لأعوام وربما لعقود، في حين أن تنفيذ الاستملاك هنا بدأ قبل إقراره رسمياً!

بالملايين
ويبدي آخرون تعجبهم من حكومة تترنح مالياً، وتعجز عن تأمين الخبز والوقود والكهرباء للناس، بينما تنشغل بإصدار قرارت لها طابع ترفي.. ثم لماذا نصب الأعمدة في هذا الوقت الذي يشهد توتراً أمنياً شديداً، وكيف لعمال شركة الكهرباء أن يمارسوا عملهم في منطقة تستعر فيها الاشتباكات بشكل متواصل؟
وللمفارقة، فإن وزير الكهرباء اشتكى قبل يومين من الصعوبات البالغة التي يعانيها عمال الكهرباء في البلاد، حيث نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية تأكيده بأن "قطاع الكهرباء تصدر قائمة القطاعات الحيوية التي طالها "الإرهاب"، حيث بلغ عدد الشهداء من قطاع الكهرباء حتى نهاية العام الماضي 81شهيداً وبلغ عدد المصابين 157 والمخطوفين 29 شخصاً"والكلام لوزير الكهرباء. 

ولا ينسى ناشطون أن يذكروا الدولة أن مناطقهم مخدمة كهربائياً، وأنه ليس هناك ما يدعو لتوسعة شبكة الكهرباء حالياً، لكن المطلوب فقط إعادة الكهرباء التي منعتها الحكومة عنهم "لأسباب أمنية"!
وفي السنوات القليلة الماضية، أثارت الأراضي الواقعة على طريق المطار والمحيطة به شهية الكثير من المستثمرين، فتوسع معظمهم في إقامة مشروعات ترفيهية وسياحية كبرى، كان لها أثر بالغ في رفع أسعار العقارات هناك، وتحليقها إلى مستويات مليونية.

ترك تعليق

التعليق