رغم تدمير بعض المواقع..النظام يطمئنا: الضرر بآثار سوريا1% والنهب محدود

المتاحف السورية أحكمت إغلاق أبوابها على آلاف الكنوز الأثر لحمايتها

نقل آلاف اللقى التي تغطي 10 آلاف سنة من التاريخ إلى مخازن خاصة

عبدالكريم: سيطرة اللصوص على كنوز المتحف الوطني سيكون الفناء النهائي لسوريا

فقدان تمثالا برونزيا يعود إلى ألفي سنة تمت سرقته من حماة

طمأن أعلى مسؤول في قطاع الآثار السورية إلى أن ما أصاب آثار البلاد حتى الآن لا يعدو أن يشكّل "ثلما بسيطا" في الجسم الأثري السوري، الضخم والمتشعب، رغم إقرار هذا المسؤول بالدمار الكامل لبعض المواقع المهمة مثل أسواق حلب السبعة. 

ويؤكد مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف أن نشاط عصابات الآثار "ما يزال على نطاق ضيق حتى الآن"، وأن المتاحف السورية أحكمت إغلاق أبوابها على آلاف الكنوز الأثرية القديمة في مسعى لحمايتها من أعمال النهب والتدمير، لكن تراث الإنسانية الثقافي النادر يبقى محاطا بخطر عظيم.

أفرغنا المتاحف
ويصف عبد الكريم عمل مديريته بأنه معركة للحفاظ على وجود الأمة، مضيفا: أفرغنا متاحف سوريا.. لقد صارت فعلا قاعات فارغة، باستثناء القطع الكبيرة التي يصعب تحريكها.

وفي مقابلة له مع "رويترز" في العاصمة الأردنية، يؤكد عبد الكريم أن عشرات آلاف اللقى التي تغطي 10 آلاف سنة من التاريخ تم نقلها إلى مخازن خاصة؛ لتفادي المأساة التي عصف بمتحف بغداد من قبل اللصوص قبل حوالي عقد من الزمن، في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق.

وفيما يمزق النزاع المسلح المستمر منذ 23 شهرا البلاد إربا، يزداد مستوى المخاوف الدولية على مصير أحد أغنى وأكثر المجموعات التاريخية تنوعا، حيث ترى منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) أنها معنية بمصير 6 مواقع تراث عالمية أهمها: المدينة القديمة في كل من دمشق، وحلب، علاوة على أثار مدينة بصرى الشام.

واقعيا، فإن الكثير من هذه المواقع باتت ساحات حرب بين الثوّار وقوات النظام، وتتعرض لقصف عشوائي لا تخطئ العين ما يسببه من دمار.

ويرى عبد الكريم أنه "إذا وضع اللصوص أيديهم على كنوز المتحف الوطني، فإن ذلك سيكون مؤشرا على الفناء النهائي لسوريا"، مضيفا: إذا وصلوا إلى هذه الأماكن فإنني أعتقد أن سوريا لن تكون بعدُ موجودة.. ستكون الإشارة المنذرة بنهاية النهاية.. سوريا التي نعرف ستكون في خبر كان.

ويوضح المسؤول السوري أن من أهم القطع التي تعرضت للضياع منذ بداية النزاع كانت تمثالا برونزيا يعود إلى حوالي ألفي سنة تمت سرقته من مدينة حماة، ووضعته الشرطة الدولية على قائمة القطع "الأكثر طلبا" قبل سنة، وهناك أيضا قطعة رخام نهبت من حديقة متحف أفاميا.

أما القطع الثمينة في معرة النعمان فقد تم إنقاذها، عبر مبادرة السكان المحليين، التي حفظت الكنوز الفسيفسائية النادرة بعيدة عن الآثار المدمرة للاشتباكات العنيفة. وفي حماة أيضا، تولى شبان من المدينة حماية تماثيل المتحف الرومانية والبيزنطية من اللصوص، حتى تم نقلها إلى مكان آمن.

دبابات وأعمدة!
ويقر عبد الكريم أن العشرات من المواقع الآثارية استهدفت بالتنقيب غير الشرعي والتهريب، ومع ذلك فهذا يشكل أقل من 1% من أصل 10 آلاف موقع تغطي جميع أنحاء البلاد.

يركّز حفارو الآثار بشكل رئيس على المواقع التي كانت منذ فترة طويلة بؤر تهريب، مثل المدينة القديمة لأفاميا، شمال حماة، هذه المملكة التي عاشت حضارة مزدهرة خلال الحقبة الرومانية والبيزنطية، والتي تشتهر بصف من الأعمدة الأثرية يمتد على طول ألف و850 مترا.

لكن هذا الصف الأثري النادر، لم تشفع له روعته وقيمته التاريخية، من أن تتموضع دبابات النظام بقربه، كما أظهر شريط فيديو صور السنة الماضية، ووثّق بتقرير من قبل عالمة الآثار "إيما كونليف".
ويرى عبد الكريم أن "التخريب في أفاميا ظاهرة قديمة ولم ينشأ أثناء الأزمة، لكن اللصوص الآن ينشطون أكثر في هذه المنطقة، حيث وجدوا حرية أكبر لممارسة أعمالهم خلال هذه الأزمة".

وينتقل عبد الكريم للحديث عن منطقة أخرى غنية بالآثار، وتحديدا حلب، قائلا إن الضرر الأعظم لحق بمجموعة الأسواق السبعة القديمة في حلب، والتي لانظير لها في الشرق الأوسط، حيث دمرتها النيران كما أتلفت مسجد أمية في المدينة أيضا.

ويعقب مؤكدا: "فقدنا الأسواق السبعة بالكامل، وإلى الأبد"، علما أن القتال المستمر يمنع أيّ لجنة من تقييم مدى الضرر في تلك المواقع.

أما في شمال شرق سوريا، فهناك مواقع قديمة مثل تل موزان قرب القامشلي، تم حمايتها جيدا من قبل المجموعات الكردية التي سيطرت على المنطقة، وفقا لعبد الكريم.

المؤرخ الأمريكي جورجيو بوتشيلاتي، الذي عمل في تل موزان، ويتفحص صور مراقبة الموقع يوميا على الإنترنت، يجزم تماما أن هذا الموقع لم يتعرض لأي عملية نهب.

على نطاق ضيق
وإلى جنوب سوريا، حيث أتلف قصف جيش النظام بعض البيوت القديمة، لكنه بقي بعيدا عن آثار بصرى، التي تضم أحد أفضل المسارح الرومانية المحفوظة. هذا ما أوضحه عبد الكريم، وأكده لاحقا لاجىء سوري فر من هذه البلدة التاريخية.

يقول عبدالله الزعبي إن الجيش قصف الحي التاريخي في المدينة، وحدثت أضرار في كنيسة قديمة، لكن المسرح الروماني، في القسم المسيطر عليه من قوات النظام لم يعان أي ضرر.
ويعود المسؤول السوري إلى لهجته المطمأنة موضحا: آثار ما يمكن اعتباره المدينة الأولى في العالم في تلّ قرب الحدود السورية العراقية يدعى تل براك، تم إنقاذها حتى الآن على الأقل، بينما توقفت عمليات التنقيب غير الشرعي في تدمر.

في الحقيقة، فإن حفاري الآثار غير الشرعيين يتوقفون عن عملهم، لأن اللصوص –ببساطة- يخفقون في تحديد مكان اللقى والكنوز، كما حدث في موقع إيبلا بعد أن حفر أولئك فتحات في فناء القصر الملكي.

أكثر من 4 آلاف قطعة، تتضمن عملات معدنية تماثيل ولوحات فسيفساء، سلمتها الجمارك السورية السنة الماضية إلى مديرية الآثار، علما ان هناك شكوكا بأن ثلث تلك القطع المسلّمة قد يكون مزيفا.

مديرية الآثار تعمل مع "اليونسكو" و"إنتربول" لتعقب 18 قطعة فسيفساء، هرّبت إلى لبنان.

يبقى مجموع الخسائر التي لحقت بقطاع الآثار حتى الآن مجرد كسر بسيط في مجموعة سوريا الثمينة، حسب عبد الكريم، الذي يستدرك محذرا من أن "تزايد العنف وتواصله يمكن أن يكون فاتحة لحالة من الفوضى والسرقة".

وأخيرا يرى المسؤول السوري في قطاع الآثار أن "العصابات واللصوص يعملون حتى الآن على نطاق ضيق، ولم تظهر عصابات دولية منظّمة على السطح، لكن ما يسبب الرعب بأن تكون رؤوس الأعمدة والأعمدة نفسها عرضة للنهب والتهريب خارج سوريا.. إذا حدث هذا، لا سمح اللّه، فنحن نقترب من بداية التدمير المأساوي لماضينا ومستقبلنا"

ترك تعليق

التعليق