السوق السوداء حلقات فسادٍ تبدأ بموظف وتنتهي بوزير وتمتهن كرامة المواطن

الخبز والمازوت يقصمان ظهر السوري الذي يشتريهما بأسعارٍ مضاعفة

النظام يقلل من حجم الفساد وكأنه يعيش في كوكب آخر 


تكاثرت الأسواق السوداء في سوريا خلال العامين الفائتين، وباتت كل متطلبات المواطن لا سيما تلك المحتكرة من قبل الدولة "كالمحروقات والخبز"، شحيحة بأسعارها الرسمية إن لم تكن مفقودة، ومتوافرة في بورصة السوق السوداء، التي تقوم أساساً على حلقات فسادٍ تبدأ بموظفٍ صغير وتنتهي بوزير، اكتمالاً لدورة الفساد السياسي والاقتصادي في البلاد.

الملفت أن السوق السوداء تراها كيفما اتجهت في سوريا فجانب المخابز الاحتياطية على سبيل المثال حيث من المفترض أن يباع الخبز بـ 15 ليرة، تجد الأطفال والنساء يبيعونك الربطة بـ 75 ليرة ووصلت في ذروة الأزمة في دمشق إلى 125 ليرة، ومقابل إحدى محطات الوقود"الكازيات" التي أغلقت أبوابها لعدم توافر مادتي البنزين وسعر ليتره "55 ليرة" والمازوت "36 ليرة" تجد من يبيعك "الغالونات" الممتلئة بالبنزين بسعرٍ لا يقل عن 80 ليرة، وكذلك المازوت بما لا يقل عن 120 ليرة، وفي مراكز توزيع الغاز نفسها لا تجد من يبيعك اسطوانة الغاز بـ 450 ليرة وهو سعرها الرسمي، حيث لا يمكنك الحصول على طلبك بأقل من 2800 ليرة.


طوابير ذلٍ يومية
وكما هي العادة المعنيون في حكومة النظام يقللون من حجم السوق السوداء، ويتركون المواطن يغمس في العسل وكأنه يعيش في كوكبٍ آخر، ففي ذروة أزمة الخبز خرج معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام عماد الأصيل وأكد أن حجم السوق السوداء لا يتعدى أن يكون واحد بالألف من حجم السوق، وهو ما يؤكد عكسه الواقع اليومي الذي يعيشه المواطن.

عند الرقم 154 توقفنا عن إكمال عد الطابور الذي يقف عند أحد الأفران ويطول لأمتارٍ عديدة، وصاحب هذا الرقم يقف منذ ثلاث ساعات ويخبرنا أنه كان دائماً يشتري خبزه من السوق السوداء، وعن سبب ذلك يقول: لم أكن قادراً على الوقوف في طوابير الخبز لست ساعاتٍ يومياً، كما لم أكن قادراً على رؤية عناصر الأمن و"اللجان الشعبية" يحصلون على حصصهم من الخبز دون التوقف لحظةً واحدة، ففي ذلك تكريس لامتهان الكرامات الذي يتعرض له المواطن يومياً، إلا أنني مضطر لذلك، فالخبز يتضاعف ثمنه ستة أضعاف في السوق السوداء.

تجار سوداءٍ صغار
هذا هو حال المواطن السوري، يدور يومياً في حلقات فسادٍ تمتهن كرامته وتستنزف جيوبه، وعلى الطرف الآخر أحد الأطفال لا يتجاوز عمره 15 عاماً يحمل أكياس الخبز، يعرض علينا شراء الربطة بـ 75 ليرة "تازة"، و50 ليرة "بايتة"، ووفقاً للقانون لا يحق للشخص أن يحصل على أكثر من ثلاث ربطات خبز يومياً، لنسأله عن من يمده بهذا العدد من الخبز يومياً، لا إجابة لديه سوى أنه وأخوته يعملون في هذا المجال.
مصادر الفرن تخبرنا أن لكل مسؤولٍ حصته من الخبز المباع في السوق السوداء، ومراقبون حماية المستهلك، يقبضون شهرياُ من الباعة، وطوال هذه الفترة لم يحرر أي ضبط تمويني ولم يحاول أحد أن يمنع الأطفال ومن خلفهم من بيع الخبز بالأسعار المرتفعة.

الكل "قبضان"
وليس الخبز وحده أزمة المواطن السوري، فالبينزين والمازوت قصما ظهر المواطن أيضاً، الذي غالباً ما يشتريهما بأسعارٍ مضاعفة، وطيلة أسابيع لا تصل المخصصات من المحروقات حتى للمناطق الآمنة والحجة الجاهزة هي مشاكل النقل، ليتساءل أحد المواطنين لـ "اقتصاد"، كيف إذاً تصل ليد بائعين السوق السوداء؟، وجواب ذلك عند أحد المتاجرين في البنزين وهو من اللجان الشعبية في أحد المناطق الآمنة، ويسرد تفاصيل العملية أنه عند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل يتجهون لمحطات الوقود العامة ويحصلون على المازوت والبنزين ولكل محطة حصتها مما نبيع، التي أساساً تحصل على مخصصاتها بعد أن تدفع نصيب المعنيين، والمرابح ليست بالقليلة ففي كل ليتر هناك مربح ما يقارب 30 ليرة للبنزين وللمازوت يصل إلى 100 لير، وآخر يخبرنا أنه يأخذ البنزين والمازوت من الشركة العامة للمحروقات "سادكوب" مباشرةً ويبيعها في السوق السوداء، وحول كيفية تغطية الأمر يوضح أنها تذهب لمحطات مغلقة أصلاً، وليس هناك من يتابع أو يراقب، لأن الكل "قبضان".

ترك تعليق

التعليق