هل تبخر حلم مرور الغاز القطري عبر الأراضي السورية..؟

 

بتاريخ 23 أيار الماضي، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، عن الانتهاء من ربط خط أنابيب الغاز الطبيعي الممتد من ولاية كلس التركية إلى مدينة حلب، شمالي سوريا، مشيراً إلى أن اختبارات التشغيل جارية تمهيداً لبدء تصدير الغاز خلال الأيام القليلة المقبلة، وأعقب ذلك تصريحات تركية تفيد بنيتها تزويد سوريا بالغاز عبر هذا الخط لتحسين وضع الكهرباء في محافظة حلب تحديداً.. فما قصة هذا الخط وما علاقته بمشاريع الغاز التي لطالما قال عنها رئيس النظام الفار بشار الأسد، إنها السبب التي دفعت الدول لدعم الثورة الشعبية ضده، وبالذات تركيا وقطر..؟

مشاريع أنابيب الغاز تحت الأرض السورية

لقد كتب الكثير عن مشاريع الغاز في سوريا، ويكفي القيام ببحث بسيط عبر الإنترنت لنحصل على عشرات بل مئات المقالات والتحليلات التي أوسعت هذا الموضوع تحليلاً وتشريحاً، وخصوصاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية في مطلع العام 2022، إذ تبين أنه لو تم تنفيذ مشروع خط الغاز القادم من قطر، والذي يحمل معه الغاز الإيراني، عبر الأراضي السورية، لما تعرضت أوروبا لأزمة طاقة خانقة، لا زالت مستمرة إلى اليوم، بسبب توقف إمدادات الغاز الروسي عنها.

لهذا، كانت الدول الأوروبية أول من فكر بهذا المحظور قبل أن يقع، وعملت في فترات مبكرة من مطلع العام 2000، على تشجيع مشاريع الغاز عبر الأراضي السورية، والتي كانت بدايتها مشروع خط الغاز العربي، الذي تم الانتهاء منه بشكل نهائي في العام 2006، وهو يهدف لاستجرار الغاز من منطقة العريش في مصر، مروراً بالأردن ووصولاً إلى سوريا.

أعقب الانتهاء من تنفيذ هذا الخط بروز فكرة أخرى، تقوم على مد خط آخر من قطر، يحمل معه الغاز الإيراني، ويرتبط بخط الغاز العربي، ثم يصل إلى تركيا في منطقة كلس، لكي يلتقي مع خط غاز نابكو، القادم من أذربيجان ومن كازاخستان وتركمانستان، ومن ثم في مرحلة لاحقة من إيران عبر الأراضي العراقية، والذي كان من المقرر الانتهاء منه في مطلع العام 2013، بتكلفة 30 مليار دولار، ثم سوف يمتد هذا الخط إلى أوروبا الغربية، عبر أراضي أوروبا الشرقية.

إلا أن روسيا نجحت قبل أن يكتمل خط غاز نابكو، من إقناع كازاخستان بالانسحاب من المشروع، وعملت معها على مشاريع غاز أخرى، تهدف للوصول إلى الصين بدلاً من أوروبا، ما أفقد مشروع خط غاز نابكو أهميته وأصبح الأمل الوحيد أمامه هو أن يصل الغاز القطري إليه لكي تتحقق الجدوى الاقتصادية منه.

وبالعودة إلى سوريا التي انتهت من تنفيذ خط الغاز العربي في العام 2006 إلى محط دير علي بدمشق، دخلت بعدها بمفاوضات مع تركيا وقطر من أجل إكمال الخط إلى مدينة كلس التركية، لكن واجهتهم مشكلة أن الشركة التي ستنفذ المشروع من دمشق إلى مدينة حمص، يجب أن تكون روسية، لأسباب فنية تتعلق بالبنية التحتية لمشاريع الغاز في سوريا، والتي كانت كلها بتكنولوجيا روسية، لذلك تم تلزيم الخط لشركة ستروي ترانس غاز الروسية، والتي انتهت منه في العام 2008، بطول 200 كيلو متر، من دمشق إلى حمص، وبتكلفة مليار و200 مليون دولار.

ثم بعد ذلك، قامت شركة ألمانية بإكمال تنفيذ الخط من حمص إلى الأراضي التركية، إلا أن العمل توقف به في أعقاب قيام الثورة السورية في العام 2011، بأمر من بشار الأسد، بعد أن وصل بعيداً عن مدينة كلس التركية مسافة 70 كيلو متر، وظل العمل متوقفاً فيه إلى أن أعلن وزير الطاقة التركي قبل أكثر من شهر ونصف، وكما ذكرنا في البداية، الانتهاء من تنفيذ الخط، ليكتمل بذلك مشروع الخط القادم من قطر إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.

هل لا زالت قطر مهتمة بإيصال الغاز إلى أوروبا؟

كما ذكرنا في الفقرة السابقة، بأن مشروع خط الغاز القطري إلى أوروبا أصبح شبه جاهز، بدليل أن قطر بدأت قبل نحو ثلاثة أشهر بتزويد سوريا بالغاز عبر الأراضي الأردنية لتحسين واقع الكهرباء في البلد، وبدعم من البنك الدولي، الذي قدم منحة بقيمة 146 مليون دولار، الهدف منها إصلاح الخط في الأراضي السورية بالإضافة إلى إصلاح شبكة الكهرباء الواصلة بين درعا ومحطة دير علي بريف دمشق، لكن على ما يبدو أنه لم يتم حتى الآن إصلاح الخط الواصل بين محطة دير علي ومدينة حمص، ومن ثم إلى حلب، بدليل أن تركيا سوف تضخ الغاز إلى حلب فقط، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الخط من حلب إلى حمص غير صالح للاستخدام، وإنما لم يتم الكشف عن مدى صلاحيته للعمل حتى اليوم.

لكن على صعيد آخر، هناك من يقول إن قطر لم تعد راغبة بضخ غازها إلى أوروبا عبر الأنابيب، مع التطورات التقنية في مجال الغاز الطبيعي المسال، الذي يمكن شحنه بسهولة أكبر عبر السفن، وهو ما جعل خطوط الأنابيب أقل أهمية.

وكشف مصدر سوري في مطلع العام الجاري لمنصة الطاقة التي تصدر في واشنطن، أن قطر ترى مشروع خط الأنابيب هذا غير مُجدٍ لها تماماً، أولاً، لارتفاع تكلفته، ثانياً، لأن اهتمامها واضح بالغاز المسال الأرخص تكلفة، وأسهل في عمليات النقل، وهو الأوسع انتشاراً وطلباً في الوقت الحالي، على مستوى العالم.

وأكد المصدر أن "مشروع خط أنابيب الغاز القطري هو حلم بالنسبة لسوريا، لكننا نعلم أنه لن يتحقق.. هذا قولاً واحداً".

هرطقات بشار الأسد حول رفضه مرور أنابيب الغاز في سوريا

قال بشار الأسد مرة في أحد لقاءاته، إن ما يتعرض له نظامه من عقوبات وحصار ودعم للثورة من قبل الدول الغربية، سببه بالدرجة الأولى، رفضه مرور خط أنابيب غاز قطري عبر سوريا ومنها إلى أوروبا، ضمن مساعي تلك الدول للاستغناء عن الغاز الروسي.

وأكدت العديد من المصادر القطرية هذا الأمر ناقلة عن بشار الأسد في حينها أن سبب تحفظه على المشروع، لأنه يضر بالمصلحة الروسية، بالإضافة إلى أن رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية في عهد النظام البائد، فارس الشهابي، كتب في العام 2022 منشوراً على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، قال فيه، في معرض مهاجمته للموقف الروسي من القصف الإسرائيلي المتكرر على دمشق: "نذكّر الحليف الروسي أنه لولا رفض سوريا مرور الغاز القطري عبر أراضيها إلى أوروبا، لكان حلف الناتو على أعتاب موسكو، ولما استطاعت روسيا غزو أوكرانيا ولا ابتزاز الغرب بالغاز".

وأضاف الشهابي: "الدين السوري في رقبة روسيا كبير جداً جداً جداً، وأهم بكثير من حماية بضعة إسرائيليين يحملون الجنسية الروسية"، على حد وصفه.

ونحن من جهتنا نسأل: لماذا رفض بشار الأسد مثل هذا المشروع، الذي كان سيحقق لسوريا مليارات الدولارات سنوياً، بالإضافة إلى أنه كان سيؤمن حاجة البلد من الغاز، دون أن يؤثر ذلك على سيادتها، بل سيجعلها لاعباً مهماً على الساحة الدولية..؟ هل بالفعل أن مصلحة روسيا عنده كانت أهم من مصلحة بلاده..؟

 

 

ترك تعليق

التعليق