خبير اقتصادي ينتقد "حذف الأصفار" في العملة السورية
- بواسطة اقتصاد --
- 25 آب 2025 --
- 0 تعليقات
انتقد الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور سمير العيطة، قرار مصرف سوريا المركزي، بطباعة عملة جديدة وحذف صفرين، موضحاً: "لفهم تداعيات إجراء طبع عملة جديدة مع إلغاء صفرين، ما يهم هو الإجابة على ماهية المشكلة التي يهدف إلغاء الأصفار إلى حلها".
وفي حديث مع صحيفة "عنب بلدي"، توجّه العيطة بعدد من الأسئلة للمصرف المركزي، بالقول: هل المشكلة، هي الرغبة في التخلّص من صورة الأسد على أوراق العملة؟ (فئة الألفي ليرة سورية) أم أن أكبر ورقة عملة ورقية حالياً هي خمسة آلاف ما يخلق مشاكل للمواطنين، على الصرافات الآلية، وفي دفع المبالغ؟ أم أنها مشكلة نقص السيولة المزمن بالعملة السورية منذ سقوط "النظام البائد"؟ أو كبح التضخّم وانهيار سعر الصرف؟
والعيطة هو رئيس منتدى الاقتصاديين العرب ورئيس التحرير السابق للنشرة العربية من "لوموند ديبلوماتيك".
ووفق "عنب بلدي"، قدّم العيطة مجموعة من الإجابات على الأسئلة المطروحة.
بالنسبة للسؤال الأول المتعلق بصورة رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، أجاب العيطة أنه يكفي إصدار أوراق نقدية جديدة دون صورة الأسد، أو دون تكلفة الطبع مع وضع ختم من المصرف المركزي على الصورة، كما كان يجري في بداية إنشاء الليرة السورية- اللبنانية.
والليرة السورية- اللبنانية هي ما كان يسمى رسمياً بـ "الليرة السورية" حتى عام 1924، وهي عملة ورقية تم إنشاؤها في 31 من آذار 1920 بموجب الأمر "رقم 129" للمفوض السامي غورو لتحل محل الجنيه المصري خلال الانتداب الفرنسي في بلاد الشام.
وقد تم منح امتياز إصدارها بموجب هذا المرسوم إلى بنك سوريا ولبنان (الذي كان يسمى آنذاك "بنك سوريا")، وتم تحديد قيمتها بـ 20 فرنكاً فرنسياً تدفع بشيك في باريس.
وفيما يتعلق بالمشكلة الثانية الأساسية التي يشير إليها حاكم مصرف سوريا المركزي في تصريحه لـ "العربية" حول حجم الأموال الكبير، على الصرافات الآلية، أو لشراء سلعة واحدة، قال العيطة إنه يكفي طبع أوراق نقدية من فئات أكبر، مثلاً 10 آلاف و20 ألفاً و50 ألفاً وحتّى 100 ألف، وهكذا تتم إراحة التعاملات في المصارف وعلى الصرافات الآلية، بالترافق مع سحب تدريجي للأوراق الصغيرة.
يمكن أيضاً استخدام العملات الصعبة، كما في لبنان، بعد أن سُمح بالتداول بها في سوريا بشكل واسع، إلا أن ذلك يستوجب على إلغاء الصفرين في هذه الحالة جهداً تقنياً كبيراً من المصارف والمركزي لتحويل الحسابات إلى العملة الجديدة، وسيكون أمراً مكلفاً، عدا عن الزحمة التي سترافق استبدال الأوراق والإشكاليات في تحويل المدخرات في كافة المناطق، وفق ما ورد في حديث العيطة لـ "عنب بلدي".
وبالنسبة للتساؤل الثالث، أكد العيطة وجوب أن يكون هناك وضوح وشفافية من قبل المصرف المركزي السوري حول أسباب نقص السيولة المزمِن بالعملة السورية منذ كانون الثاني الماضي، والتي كانت حوالي 35 تريليون ليرة سورية في تشرين الثاني من العام 2024.
وأشار إلى أن الحجة المتداولة بأن هناك احتجازاً لهذه السيولة لدى رجالات "النظام البائد" أو في دولٍ أخرى كالعراق أو لبنان أو الإمارات، هي حجة غير مقنعة، خاصة بعد استلام شحنتين من الأوراق المالية من روسيا في الأشهر الماضية.
وتعد مشكلة السيولة أكبر من ذلك، وفقاً للعيطة، فمن أين يأتي الصرافون غير الرسميين المنتشرون في شوارع العاصمة اليوم بالسيولة؟ وما هو مجموع النقد المُصدَر اليوم، والنقد في الخزينة، والنقد خارج المصارف والمؤسسات المالية النظامية؟
يتوجب على المركزي الإجابة على التساؤلات عمّا إذا سيترافق إلغاء الأصفار مع تحديد للتداول بأوراق العملات الأجنبية في سوريا، نقداً خارج المصارف وشركات التحويل، أي الرقابة على القطع، كما كان الأمر في فرنسا التي أُخِذَت كمثال في تصريح الحاكم.
ورابعاً، ينبغي على المركزي توضيح السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية في المرحلة القادمة، أوضح العيطة، مضيفاً أن الميزان التجاري الحالي لسوريا سلبي، إذ لا صادرات تذكر مقارنةً مع الاستيراد المحرر على عقاله، وميزان المدفوعات الحالي أيضاً سلبي، رغم تحسن تحويلات المغتربين وإنفاق العائدين بالعملة الصعبة في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، والحركة الاقتصادية ضعيفة لما تعانيه المصانع والشركات السورية.
وكذلك فإن العقوبات لم تُرفع حتى الآن سوى لفترة ستة أشهر وليس بشكل كامل، وتستمرّ إجراءات الإفراط بالامتثال (Over-Compliance) من قبل المصارف والشركات الأجنبية، يتابع العيطة، وقد تمّ رفع الأجور قليلاً ولكن ما زالت عدالة سلم الأجور في الدولة تحتاج إلى جهود كبيرة، إضافة إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية دون سياسات حماية اجتماعية، في بلد ما زال الفقر يصيب أكثر من 80% من السكان حسب الأمم المتحدة.
وأكد أن كل ما تقدم يتم دون وضوح وشفافية حول الموازنة العامة وقدرتها على الاستثمار وكيفية تمويل عجزها، كما لم يأتِ أي دعم حقيقي للمصرف المركزي للمساعدة بهدف كبح التضخم وضبط أسعار الصرف.
ووفق "عنب بلدي"، يرى رئيس منتدى الاقتصاديين العرب أن إلغاء الأصفار ليس سوى علاج تقني وسطحي، فيما تكمُن القصة في حل اختلال ميزان المدفوعات وفي الثقة بالاقتصاد السوري ومستقبله، (وليس حقاً بالعملة السورية التي مازال السوريون يثقون بها) وكذلك في إصلاح الموازنة العامة وإيضاح سبل تمويل العجز غير طباعة النقود.
ويجب أن يسبِق حذف الأصفار، إصلاح هيكلي قوي للاقتصاد وترسيخ الاستقرار على الإصلاح النقدي، كما كان الأمر في فرنسا عام 1958 وفي تركيا عام 2005، ويجب بناء احتياطات بالنقد الأجنبي في المصرف المركزي قبل أي إصلاح نقدي.
ويختتم العيطة بالقول "الإصلاح الاقتصادي هو الدواء، وإلغاء الأصفار ليس سوى غلافٍ تجميلي".
التعليق