وفق أكاديمي سوري – سويسري.. ما أبرز القضايا الإشكالية في النظام الضريبي الجديد لسوريا؟

 

نشرت مجلة "المجلة" السعودية، تحليلاً للباحث والأكاديمي السوري – السويسري، جوزيف ضاهر، تناول "مشروع قانون الضرائب في سوريا"، متسائلاً إن كان يحقق العدالة الاجتماعية؟، مشيراً في العنوان الفرعي لمادته، إلى أن مشروع النظام الضريبي المقترح "لا يراعي صغار المزارعين والشركات الصغيرة ويمنح الأفضلية لأقلية صغيرة وثريّة".

وضاهر، يحمل شهادة الدكتوراه في دراسات التنمية من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن (2015)، ودكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لوزان (2018)، سويسرا. ويعُرف بأبحاثه عن قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها، سوريا. وسبق أن درّس في أكثر من جامعة أوروبية، وله كتاب: "حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله".

ويتناول تحليل جوزيف ضاهر، مشروع النظام الضريبي الجديد في سوريا، والذي أعلن وزير المالية، محمد يسر برنية، عن اكتماله، مطلع الشهر الفائت.

ما هي خصائص النظام الضريبي الجديد؟

وفق ضاهر، فإنه من الخصائص الرئيسية للنظام الضريبي الجديد البنية الضريبية الموحدة وغير التصنيفية، والضريبة المتماثلة على الشركات، التي تطبق بالتساوي على جميع الكيانات التجارية، بغض النظر عن حجمها.

ويبلغ الحد الأدنى للدخل السنوي الصافي الخاضع للضريبة 60 مليون ليرة سورية (نحو 5,455 دولاراً وفقاً لسعر صرف رسمي يبلغ 11,000 ليرة سورية للدولار)، للمؤسسات والعمل على أساس الرواتب.

 تطبق الضرائب الآتية على الدخل المتأتي من الوظيفة:

6 في المئة لكل ليرة سورية من أول 5 ملايين ليرة سورية (455 دولاراً أمريكياً) من الدخل الخاضع للضريبة.

8 في المئة لكل ليرة سورية تتجاوز 5 ملايين ليرة سورية من الدخل الخاضع للضريبة.

في الوقت نفسه، اقتُرحت سلسلة من الإعفاءات الضريبية، بما في ذلك على تحويلات أسهم الشركات، وإعادة تقييم الأصول الثابتة، والعوائد والفوائد على الودائع المصرفية، وعلى الصادرات المحلية للسلع والخدمات، وعلى القطاع الزراعي وجمعياته، بالإضافة إلى إعفاءات أخرى للأفراد متعلقة بالزوجات اللواتي لا يدفعن ضرائب أو أطفالهم فيما يخص النفقات الطبية والتعليم والإيجار والفوائد على قروض الإسكان. كما ينص على خصم ضريبي خاص للتبرعات في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات.

ما هي القضايا الإشكالية في النظام الضريبي الجديد؟

يوضح جوزيف ضاهر أن النقاشات بشأن مشروع قانون الضرائب الجديد لا تزال محدودة نسبياً في الساحة السورية حتى الآن، باستثناء مؤتمر في حلب مع الصناعيين، وآخر في جامعة دمشق قدم فيه مسؤولون سوريون النظام الضريبي الجديد. من هنا، لا بد من طرح بعض القضايا الإشكالية المتعلقة بالنظام الضريبي الجديد، يمكن إيجازها بالآتي:

أولاً، المشاركة العامة خجولة: مع أن وزير المالية السوري شكل في يونيو/حزيران المنصرم لجنة تضم ممثلين عن غرف التجارة والصناعة وأكاديميين جامعيين وخبراء مستقلين لصياغة النظام الضريبي الجديد، إلى جانب استشارة شخصيات مختارة وتحديد بريد إلكتروني لإرسال الملاحظات (حتى 27 أيلول الفائت)، فإن ذلك لا يمكن أن يُوصف المشروع الضريبي الجديد بأنه نهج تشاركي في موضوع على قدر عال من الأهمية. بدلاً من ذلك، كان على السلطات تنظيم مناقشات بشأن النظام الضريبي المستقبلي مع المجتمع المدني في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك نقابات العمال والجمعيات المهنية والجهات الفاعلة الاجتماعية الأخرى، بالإضافة إلى عامة الناس، وألا يقتصر ذلك على الشخصيات التي تختارها السلطات الجديدة أو رجال الأعمال الكبار.

ووفق ضاهر، تعكس هذه الطريقة للحكم الديناميكيات والأنماط التي تتبعها السلطات الجديدة منذ سقوط نظام الأسد. ومع أن هناك وزراء ومسؤولين أعربوا في كثير من الأحيان عن استعدادهم لإشراك عامة الناس بشأن اتجاه البلاد ومضمون قراراتهم، فإن ذلك يظل سطحياً. وفي الوقت نفسه، يجب أن تكون الجهات الفاعلة السياسية المعارضة والمجتمع المدني أكثر نشاطاً في تقديم الانتقادات وتنظيم التوعية بشأن هذا الإصلاح الضريبي.

ثانياً، العبء الضريبي: فمحتوى النظام الضريبي الجديد مثير للمشكلات. فالبنية الضريبية الموحدة وغير التصنيفية، والضريبة المنخفضة والمتماثلة على الشركات التي تطبق بالتساوي على جميع الكيانات التجارية، بغض النظر عن حجمها، تضعف القدرة على توسيع قاعدة إيرادات الدولة كما أنها غير متكافئة في جوهرها. فلا يمكن مقارنة شركة كبيرة تراكم أرباحاً ضخمة بمؤسسة عائلية صغيرة ذات إيرادات متواضعة، وتشكل الفئة الأخيرة الغالبية العظمى من القطاع الخاص الوطني.

في الوقت نفسه، لا يأخذ في الحسبان إعفاء القطاع الزراعي من الضرائب تنوع هذا القطاع. فلماذا يعفى من الضرائب كبار ملاك الأراضي المنخرطين في القطاع الزراعي، الذين يوظفون عدداً كبيراً من العمال، ويحققون أرباحاً طائلة؟ لقد بررت وزارة المالية الإعفاء الضريبي في هذا القطاع بوصفه محاولة لتعزيز القطاع، لكن ذلك لا يراعي التحديات الهيكلية التي تواجه صغار المزارعين مثل ارتفاع نفقات الإنتاج، ومحدودية وصولهم إلى المدخلات.

يضيف ضاهر أنه لا توجد على العموم خطة شاملة لدعم القطاع الزراعي في المستقبل القريب. لذا لن يعالج الإعفاء الضريبي تلك التحديات، ما يؤدي إلى تخلي مزيد من صغار المزارعين والفلاحين عن أراضيهم لعدم قدرتهم على تحمل تكلفة الإنتاج المرتبطة بإدارة أراضيهم وزراعتها. وسيفاقم هذا الوضع اعتماد سوريا على الجهات الخارجية لاستيراد المنتجات الغذائية الأساسية ويقلل القدرة على (إعادة) بناء بعض أشكال السيادة الغذائية، ومن ثم يرفع سعر السلع في السوق، بما في ذلك الخبز.

ويقول ضاهر إن تخفيض الضرائب على المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تشكل أكثر من 95 في المئة من القطاع الخاص، لن يعزز أيضاً قدراتها على تحديث بنيتها التحتية، أو الحصول على المساعدة المالية، أو خفض تكاليف إنتاجها. كما أن التحرير المتسارع للتجارة الذي تنتهجه الحكومة يهدد وجود تلك المؤسسات ويعرض الإنتاج الوطني السوري للخطر. وثمة حاجة هنا أيضاً إلى سياسات أكثر شمولاً، بدلاً من خفض الضرائب أو منح إعفاءات صغيرة على رسوم استهلاك الكهرباء وجميع الرسوم المالية والإدارية والصناعية، وتخفيض أسعار المحروقات المستخدمة للأغراض الصناعية، كزيت الوقود بنسبة 14 في المئة، والغاز بنسبة 23 في المئة.

كما أن الإعفاءات الضريبية على رأس المال مثل إعادة تقييم الأصول الثابتة، والعوائد والفوائد على الودائع المصرفية، وعلى الصادرات المحلية للسلع والخدمات، تصب في مصلحة الأفراد والشركات الذين لديهم قدرات مالية كبيرة.

يأتي مشروع النظام المالي الجديد بينما تعاني موارد الدولة من قيود شديدة، ما يحد من قدرتها على الاستثمار في الاقتصاد، وتمويل القطاع العام، وإعادة توزيع الثروة على القطاعات الفقيرة من السكان.

ويقول ضاهر، إن هذا النظام الضريبي الجديد يعكس من جهات عديدة التوجه الاقتصادي السياسي للسلطات الحاكمة الجديدة. لذا يمنح الأفضلية لرأس المال والأرباح، لا سيما استثمارات رجال الأعمال الكبار والشركات الأجنبية الكبيرة، ويشجع أنماط الاستهلاك الديناميكي في الاقتصاد المحلي بخفض الضرائب، بدلاً من تعزيز القدرات الإنتاجية للبلاد.

ينعكس هذا النمط الديناميكي أيضاً، وفق ضاهر، في الاعتماد على رأس المال الأجنبي والمساعدات ورجال الأعمال المحليين لتعزيز إعادة إعمار سوريا والتعافي الاقتصادي عن طريق التبرعات الأجنبية أو حملات جمع التبرعات، لصندوق التنمية السوري على سبيل المثال.

كما يعتمد على تبرعات رجال أعمال معروفين، استفادوا من تعاونهم الوثيق مع نظام الأسد السابق لمراكمة رأس المال والثروة. في المقابل، على سلطات الدولة أن تعزز آلية شاملة للعدالة الانتقالية وعملية المساءلة. بعبارة أخرى، يجب أن تشمل بعداً اجتماعياً بدمج الجهود لاستعادة أصول الدولة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الاقتصادية والمالية الخطيرة، مثل خصخصة أصول الدولة والممتلكات العامة، أو توزيع الأراضي العامة على رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، على حساب المصلحة العامة للدولة.

يتابع ضاهر، أن انخفاض مستوى الإيرادات المالية يعني أن الدولة غير قادرة على تمويل سياسات اجتماعية فعالة، وتوفير السلع والخدمات العامة الأساسية بكفاءة، ومعالجة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. بدلاً من ذلك، يجب القيام بإصلاح مالي تصاعدي لضمان العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة. فالضرائب التصاعدية أداة حاسمة لإعادة توزيع الثروة في جميع المجتمعات، وأداة استراتيجية للتخفيف من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. ويمكن أن يكون لنظام ضريبة الدخل التصاعدية، على الأفراد والشركات، دور مهم في الحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز الحقوق الاجتماعية ودعم القطاعات الإنتاجية للاقتصاد. كما يمكن أن يدعم نظام الضرائب التصاعدية الإصلاحات الاجتماعية التي تعالج التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، ويعزز مصداقية الدولة، مثل تقديم تغطية صحية شاملة لتلبية احتياجات السكان، لا سيما أن قطاعات كبيرة من السكان ليس لديهم تأمين صحي ويعملون في القطاع غير الرسمي.

ويختم ضاهر، أنه بدلاً من نظام ضريبي يمنح الأفضلية لأقلية صغيرة وثريّة ويزيد اعتماد البلاد على رأس المال المحلي أو الأجنبي والمساعدة المالية الخارجية، تحتاج سوريا إلى نظام ضريبي قادر على إعادة توزيع الثروة، وتعزيز الخدمات العامة، وحماية الصالح العام لتوفير حياة كريمة لغالبية السوريين والسعي لمزيد من الاستقلال الاقتصادي.

 

 

ترك تعليق

التعليق