دولة الأكراد المتخيّلة في سوريا...هل قابلة للحياة اقتصادياً؟
- بواسطة خاص اقتصاد --
- 08 آذار 2013 --
- 1 تعليقات
شكل الدولة المفترضة شریطي و تمتد على طول الحدود مع تركیا
ستكون الدولة المفترضة مغلقة في كل الاتجاهات باستثناء كردستان العراق
إكمالاً للسلسلة التي بدأناها في "اقتصاد" بخصوص تفنيد المقومات الاقتصادية للدويلات المتخيّلة في حال تفتت سوريا، تتناول "اقتصاد" في هذه المادة بالتفصيل الدولة الكردية المتخيّلة (1).
سيناريوهات مهملة
لكن بدايةً نشير إلى أننا قررنا تجاهل سيناريوهات أخرى للدويلات الناشئة في حال تفتت سوريا، لأنها سيناريوهات ضعيفة للغاية إلى حد الإهمال في حالة البحث الموضوعي، من أبرز السيناريوهات المهملة:
• دولة العلويين في نطاقها الضيق: في محافظتي اللاذقية وطرطوس حيث الغالبية العددية لصالح العلويين بصورة أوضح، لكن نقاط ضعف هكذا دولة ستكون مضاعفة مرات عدة مقارنة بحالة دولة العلويين في أقصى امتداد لها، والتي أفردنا مادتين تقريباً لدراستها.
• دولة الدروز: وذلك حسب سيناريوهات متداولة في أوساط إعلامية، وفي بعض الأوساط البحثية الغربية والإسرائيلية، وهي سيناريوهات تفتقد إلى أدنى مقومات الموضوعية، ذلك أنه لم تظهر أية مؤشرات لميل الدروز إلى الانفصال، إلى جانب أن جبل العرب يفتقد تماماً للمقومات الطبيعية والجغرافية والاقتصادية لإنشاء دولة.
وهكذا مع إهمال السيناريوهين السابقين، يبقى سيناريو رئيسي يشكّل هاجساً للمهتمين بهذا الشأن، وهو سيناريو الدولة الكردية المتخيّلة.
ورغم أن معظم القوى الكردية وتنسيقيات الثورة هناك تؤكد دوماً على رفضها لخيار الانفصال عن سوريا، إلا أن بعض المؤشرات، من قبيل رفع الأعلام الكردية، وتصريحات بعض القادة الأكراد، وأخيراً النشاطات الميدانية لقوى كردية بصورة مستقلة عن العمق السوري، كلها تؤدي إلى الاهتمام بهذا السيناريو واعتباره أحد السيناريوهات المحتملة.
أين يمكن أن تقوم الدولة الكردية المتخيّلة؟
تختلف التقديرات لنسبة الأكراد في سوريا بسبب التعتيم الكامل من جانب النظام على هذه المسألة، لكن أعلى التقديرات لا تعطي للأكراد أكثر من نسبة 10% من سكان سوريا، يعني حوالي 2.3 مليون نسمة.
ينتشر الأكراد السوريون في كل المحافظات السورية، لكن أكبر كثافة سكانية لهم تتواجد في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.
وقد بلغ عدد سكان محافظة الحسكة في بداية 2011 حسب التقاطع بين تقديرات رسمية وتقديرات مهتمين، حوالي 1.4 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى مسلمون، مع تواجد أقلية مسيحية تقارب 10%.
أما قومياً، فعملية التقدير صعبة للغاية، لحساسية القضية، وإدعاء كل طرف امتلاك الأغلبية السكانية هناك، لكن الباحث الجغرافي مصعب الحراكي في دراسته حول "تقسيم سوريا" يرجح أن عدد العرب في هذه المحافظة يقاربون النصف، مقابل 40% للأكراد، خاصة مع وجود تجمعات كبيرة للأكراد في حلب وريفها، وفي دمشق، يملكون فيها ملكيات وفرص عمل إلى جانب هجرة مئات آلاف الأكراد من الحسكة باتجاه الداخل السوري من أجل اقتناص فرص عمل أفضل، مما يرجّح أن نسبة الأكراد في الحسكة ليست غالبة.
وحتى في حال افتراض رجوع أكراد الحسكة إليها، فإن التجمعات العربية المنتشرة بصورة كبيرة في وسط وجنوب المحافظة تحصر الأكراد في شريط حدودي في أقصى شمال المحافظة على الحدود مع تركيا.
لذلك حينما يتحدث الباحثون عن سيناريو الدولة الكردية يعتقدون أن قيامها لن يكون محتملاً على كامل تراب محافظة الحسكة لأن ذلك يعني الحاجة إلى تهجير ما يقارب نصف سكان المحافظة. ويميل المهتمون إلى أن أية دولة كردية قابلة للحياة ومتجانسة داخلياً بحيث يغلب عليها الأكراد بصورة كبيرة، يجب أن تكون في أقصى شمال محافظة الحسكة في الشريط الحدودي للمحافظة مع تركيا.
الدولة الكردية...المقومات والعوائق
أولاً- بشرياً: بما أن القسمین الجنوبي والأوسط من محافظة الحسكة یغلب عليهما السكان العرب، فإن النواحي ذات الغالبیة السكانیة الكردیة ستكون كما یلي: المالكیة، الجوادیة، وینقطع عند القحطانیة ذات الأكثریة العربیة والأقلیة الكردیة، ثم یتابع في القامشلي، وعامودا، الدرباسیة، و رأس العین. ویشكل الأكراد غالبیة سكان النواحي السابقة، التي تمتد بشكل شریطي على طول الحدود مع تركیا.
لكن...
إن وجود أقلیة عربیة تصل حتى 45 % في بعض النواحي، و فوق ذلك في ناحیة القحطانیة، مما یعني أن وجود العرب سیكون عائقاً أمام استقلال الأكراد، كما أن جمیع السكان العرب ینتمون لقبائل عربیة تنتشر في الجزیرة السوریة والعراقیة، ومناطق أخرى في المنطقة، مما يعني أن أية حالة اقتتال بين العرب والأكراد هناك ستمتد إلى خارج الحدود السورية.
ثانياً- طبيعياً واقتصادياً:
- تتمتّع المنطقة المتوقّعة لقيام هذه الدولة بمقومات طبيعية هامة، ففيها سهول واسعة وموارد مائية مقبولة ومناخ مناسب، إلى جانب التربة الخصبة، حيث تُشتهر المنطقة بإنتاجها الكبير من القمح الذي قارب ثلث إنتاج سوريا من هذه السلعة في عام 2009، إلى جانب تربية الحيوان التي تتركز في هذه المنطقة إذ فيها ما يتجاوز 8% من رؤوس الأغنام في سوريا، مما يعني أن هذه الدولة ستتمتّع بالقدرة على تأمين الاكتفاء والتصدير من المحاصيل الإستراتيجية مع محاصيل أخرى.
- يُضاف إلى ما سبق الثروات الباطنية التي أهمها النفط والغاز، حيث تتركز في تلك المنطقة بعض من أهم حقول النفط في سوريا، أبرزها: كراتشوك 11 والرمیلة والهول والجبسة. وتمتلك الدولة المفترضة محطة السویدیة لتولید الكهرباء من الغاز الطبیعي.
لكن...
- لا یوجد أي حدود طبیعیة تساعد على صد أي هجوم خارجي سواء من الشمال التركي أو من الجنوب العربي.
- معظم المیاه الجاریة فيها تأتي من تركیا، مما يهدد الأمن المائي.
- ستكون الدولة المفترضة مغلقة في كل الاتجاهات باستثناء كردستان العراق التي تمتلك حدوداً قصیرة عند محافظة دهوك العراقیة.
- شكل الدولة المفترضة شریطي، حیث تمتد على طول الحدود مع تركیا والتي تقدر بـ300 كم طولاً، و عمق أقصاه حتى 50 كم. مما یؤدي لمخاطر عسكریة كبیرة، حیث سیتم تقطیع أوصال الدولة بسهولة، وسیقطع عنها الإمدادات من جهة كردستان العراق.
- كما أن الدولة المفترضة ستكون رهينة سماح باقي سوریا أو تركیا، لها، بتصدیر منتجاتها الزراعیة والنفطیة.
خلاصة
إن قیام دولة كردیة في كامل محافظة الحسكة مستحیل، كما أن قیام دولة في مناطق الأغلبیة الكردیة في شمال المحافظة صعب، لوجود السكان العرب، وامتدادها الشریطي على طول الحدود مما یجعلها عرضة للتقسیم وقطع الإمدادات في حال أي تدخل عسكري سوري أو تركي، كما أنها دولة مغلقة لیس لها إطلالة بحریة، وحدودها ستكون مغلقة في كل الاتجاهات باستثناء كردستان العراق التي تمتلك حدوداً قصیرة عند محافظة دهوك العراقیة.
(1): المرجع الرئيس لهذه المادة: بحث "تقسيم سوريا: بين مؤامراتهم وواقعنا...دراسة في الجغرافیة السیاسیة"، تألیف: مصعب الرشید الحراكي، معید في قسم الجغرافیة – كلیة الآداب والعلوم الإنسانیة الثانیة – جامعة دمشق.
إلى جانب تحليل معدّ المادة وبعض مصادر المعلومات من شبكة الإنترنيت.
| ||
التعليق
انصفوا يا ايها العرب
2015-06-02